سناء غنيمة: المترشحات للانتخابات البرلمانية تتعرضن للعنف السياسي لدفعهن للانسحاب (1)

تتعرض المترشحات للانتخابات البرلمانية التونسية لحملة تشويش وعرقلة وتتصاعد وتيرة العنف ضدهن.

زهور المشرقي

تونس ـ ترى الناشطة النسوية سناء غنيمة، أن تونس تمر بفترة استثنائية تهدد فيها مكتسبات النساء وحقوقهن خاصة بعد التخلي عن مبدأ التناصف في القانون الانتخابي، معبرة عن خشيتها من برلمان بتمثيلية نسائية ضعيفة نتيجة فرض التزكيات والشروط المجحفة التي أقصت النساء.

أكدت الناشطة النسوية والحقوقية ورئيسة جمعية المرأة والريادة سناء غنيمة، في حوار مع وكالتنا على ضرورة سن قوانين تتلاءم مع الواقع الذي تعيشه النساء، وتراعي النوع الاجتماعي، ودعت إلى مراجعة السياسات العامة بما يضمن حقوق النساء ويحفظها.

 

كنتِ قد حذرت سابقاً من تراجع تمثيلية النساء في مراكز القرار، واليوم نعيش هبة نسوية غاضبة بعد قانون انتخابي قيل إنه أقصى النساء من المشاركة في الانتخابات، هل سنجد برلماناً دون تمثيلية بارزة للنساء؟

تعيش تونس اليوم ظرفاً استثنائياً فيما يتعلق بحقوق النساء، حيث تشهد لأول مرة منذ 13 آب 1956 تاريخ صدور مجلة الأحوال الشخصية تراجعاً في مكتسبات النساء، هذا التراجع الذي بدأ بضرب مبدأ التناصف في المجالس المنتخبة للنساء الذي أقره دستور 2014، بعد أن بات التناصف أفقياً من تلك الفترة ومن ثم بلغنا الانتخابات البلدية إلى التناصف الأفقي والعمودي حيث حققنا تمثيلية مهمة جداً للنساء في المجالس البلدية في انتخابات 2018 وبلغنا نسبة تساوي 47%، وكان الهدف أن نصل إلى التناصف الحقيقي بنسبة 50%، لكن دستور الرئيس قيس سعيد الذي صدر هذا العام جاء لنسف ذلك الحق النسوي الذي جاء نتيجة نضالات النساء، هو دستور الرئيس لا دستور الشعب التونسي لأنه لم يشهد أي نقاشات وتدخل للتونسيين قبل إقراره، وادعى انه سيحافظ على المكتسبات النسائية لكن في أول تمرين تمثل في القانون الانتخابي عدد55 تم نسف مبدأ التناصف والتلاعب به بعد اعتماده على التزكيات قبل الترشح للانتخابات البرلمانية، فاليوم في نكسة جديدة 11% فقط هي نسبة النساء المترشحات للانتخابات التشريعية التي ستنظمها البلاد السبت المقبل 17 كانون الأول 2022، أي 122مترشحة مقابل 900رجل مترشح، ما يفسر النسبة التي ستسجلها النساء في البرلمان القادم والتي ستكون ضعيفة وبمثابة الخيبة، أرى برلماناً ذكورياً بامتياز ولا يمثل الشعب والنساء.

 

هل يمكن أن نجد برلماناً لا يمثل النساء من حيث نسبة التمثيلية التي يتوقع أن تكون ضعيفة بعد الترشيحات الضعيفة؟

ما يهمنا مراعاة مبدأ النوع الاجتماعي يعني أن يتم سن قوانين وتشريعات تنصف المرأة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة لأن مبدأ الدمج هو الحقيقي في المجتمع والتشريع، هذه الفئات هي أقل حظوظاً في مجتمعاتهم من ناحية الوصول إلى مواقع صنع القرار وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وكمجتمع مدني نسعى إلى دفع هذه الفئات الهشة إلى البرلمان مثلاً للتعبير عن احتياجاتها، فالمرأة الفلاحة حين توجد في مجلس نواب الشعب ستنجح في إيصال معاناتها ومعاناة الفلاحات، وجميعنا يعلم أن الأمن الغذائي في تونس تضمنه النساء، حيث أن 80% من العاملين في الوسط الفلاحي هن من النساء، لكن لا أحد يعرف الظروف الصعبة والمأساوية التي تعملن فيها برغم وجود ترسانة من القوانين التي جاءت بضغوطات من المجتمع المدني والجمعيات النسوية لتحميهن.

والمرأة الفلاحة في بلادنا اليوم تعاني الاضطهاد المضاعف، إذ تحرم من حقها في التغطية الاجتماعية والصحية والنقل الآمن بعيداً عن شاحنات الموت التي راحت ضحيتها عشرات النساء بعد حوادث مفجعة من أجل لقمة العيش، ومن أجل ضمان الأمن الغذائي، وتزويد السوق بالخضروات والغلال، بالتالي لا بد للتشريعات أن تكون لصالح النساء للنهوض بواقعهن، كلنا نتذكر التضحيات التي قدمتها النساء خلال جائحة كورونا في الإطار الطبي وشبه الطبي وفي قطاع التعليم وغيرهم من القطاعات الحيوية التي تديرها النساء وتعمل على إنجاحها، وفي المقابل نجد وصولهن لمواقع صنع القرار دون المرضي، ونجد التشريعات التي يفترض أن تنهض بصحتهن الجسدية والإنجابية والنفسية في تراجع مخيف.

ولا بد أن تنصف القوانين النساء ويجب توفير الإطار للعمل في ظروف إنسانية وملائمة، وأُذكر بأن استبعادهن عن البرلمان انطلاقاً من القانون الانتخابي ينبأ بكوارث، أولها تتمثل في نية الرئيس في مصادقة هذا البرلمان على كافة القوانين دون نقاش ومراجعات والأخذ بعين الاعتبار مختلف الفئات في المجتمع لذلك أقصى أهم فئتين وهما النساء والشباب، وثانياً قد يكون هناك تخطيط للتراجع في بعض مكتسبات النساء على غرار القانون الانتخابي وبعض القوانين الأخرى التي أقرت التمييز الإيجابي بين الجنسين، نعرف أنه هناك نسبة كبيرة من الرجال في البرلمان لم يفكرون في حقوق النساء والمساواة التامة والفعلية والعدالة برغم أن فكرة النوع الاجتماعي يجب أن يتبناها الطرفين.

ولدينا تخوفات كبيرة من طريقة عمل البرلمان المقبل وخاصةً مكتسبات النساء المهددة لكننا كجمعيات نسوية نعيد مقول المشارقة "كان غيرك أشطر" لاستطاعت الأطراف التي جاءت منذ 2011 (الإسلام السياسي)، وحاولت ضرب مكتسبات المرأة وإعادتها إلى العصور الوسطى في وضعيتها، وسعت لضرب تمثيليتها ولكن صد المجتمع التونسي كان أقوى ولن نقبل بهذه المخططات للرجوع بنا إلى الوراء.

 

يوجد في تونس القانون عدد 58 لمناهضة العنف اعتبرته النسويات رائداً في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، لكن ذلك القانون يقابله تضاعفاً في نسب العنف، هل يمكن اعتبار تلك النسب نتيجة حتمية لغياب استراتيجية فعلية للحكومة لمناهضة الآفة؟

تعتبر تونس رائدة من ناحية التشريعات والقوانين، وكان سن القانون عدد 58 عام 2017 بمثابة الانتصار النسائي بعد عقود من النضالات للاعتراف بالعنف المسلط على المرأة، وشاركنا كمجتمع مدني في صياغته وإدراج جميع أشكال العنف فيه بطريقة واضحة من العنف الاقتصادي إلى العنف في الفضاء العام والخاص وصولاً إلى العنف السياسي وشمل الفتيات والنساء، وحين تم إقراره سعت وزارة المرأة إلى تكريسه وتثبيته خاصةً في مجالس الوزراء وبدأت باستراتيجية عملية على الميدان عبر تركيز أعوان أمن في مراكز الأمن  مهمتهم استقبال ضحايا العنف، أي عبارة عن خلية خاصة بالإنصات للمعنفات بطريقة مقننة.

ويتمثل دور تلك الخلية في السماع للضحية لتوجيهها، صحيح أن ذلك لم يكن في كل المناطق والمحافظات لكن كانت هناك وحدات جهوية لنفس الغرض، كما أننا متيقنات أن تنفيذ قانون جديد سيأخذ حيزاً من الزمن لفهمه وفهم التعامل به بتوجيه ودعم من المجتمع المدني ومختلف الأطراف المتدخلة.

وتزايدت جرائم قتل النساء حيث قتلت 12 امرأة بشكل معلن خلال عام فقط، وتقتل امرأة أسبوعياً تقريباً نتيجة العنف الزوجي بشكل فظيع فهذه تحرق وأخرى تقتل بآلة حادة وأخرى ترمى في بئر، وما زاد الطين بلة تصاعد وتيرة العنف السياسي بشكل مخيف واليوم في حملة الانتخابات التشريعية تتعرض المترشحات اللواتي نساندهن وهن قلة للتنكيل والتشهير والسب والشتم والضغوطات لدفعهن للانسحاب.

عنف مغلف بأشكال كثيرة ولدينا كل الاثباتات سنجمعها في تقرير متكامل لرفعه للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وهي أمور مثبتة تتعرض لها المترشحات مثل "انسحبي أفضل"، "أعطيني أصواتك ونعطيك المال"، دون أن ننسى التعصب الذي بلغ حد تهشيم وتكسير سياراتهن في محافظات جنوب تونس، كلها جرائم في إطار تعطيل مسار حملاتهن الانتخابية وتتعرضن للضغط النفسي والاجتماعي والمالي، كما سجلنا كافة أشكال العنف لتخويفهن.

ولا ننسى العنف الاقتصادي وما خلفته جائحة كورونا على أوضاع النساء من مآسي، لكن لا توجد خطة واضحة لعودة النساء لأعمالهن ولخلق فرص أوسع لهن لاستعادة عافيتهن.

إن العنف كارثة تتغذى من الأزمات ونحن في تونس في قلب أزمات كثيرة اقتصادية وسياسية واجتماعية، وستكون النساء في مقدمة الفئات الأكثر تضرراً وستتحمل الأعباء الأكثر لاعتبارهن من تقدم أنفسهن دائماً في البحث عن حلول وبدائل لكل الإشكاليات، واليوم مع سياسة الحكومة غير المتوازنة كانت النساء الضحايا الأبرز حيث أن نسب العنف في بلادنا أصبحت مضاعفة، ولا بد من مراجعة السياسات العامة للعنف ضد النساء بطريقة عميقة لأننا لا نرى أي أثر لسياسة الحكومة للتصدي للعنف ضد المرأة.

غداً: سناء غنيمة: التراجع عن تطبيق القوانين أو إلغائها هو ما يقلق التونسيات (2)