ناشطة سياسية: سوريا تعيش حرباً أهلية وهيئة تحرير الشام تقودها إلى الهاوية
أكدت الناشطة السياسية باسمة العقباني، أن سوريا تعيش حالة من الحرب الأهلية "البعض يقول قد نكون مقبلين على حرب أهلية، لكنني أرى أننا دخلنا فيها عملياً".

روشيل جونيور
السويداء ـ تشهد سوريا منذ سنوات موجات من العنف والانتهاكات، لكن الأشهر الأخيرة بعد اعتلاء جهاديي هيئة تحرير الشام الحكم في دمشق، حملت تصعيداً جديداً في أغلب المدن ذات اللون المغاير للسلطة.
في حوار مع وكالتنا، وصفت الناشطة السياسية باسمة العقباني ما يجري في سوريا بأنها جرائم لا يمكن اختزالها بكلمة "انتهاكات"، مشددة على أن البلاد تعيش اليوم حالة حرب أهلية، وأن هيئة تحرير الشام تتحمل المسؤولية المباشرة عنها.
ما أبرز الانتهاكات التي تشهدها المنطقة حالياً ومن الجهات المسؤولة عنها؟
الانتهاكات ليست جديدة على سوريا. لقد عشناها طويلاً في ظل النظام البائد، وعانينا من الاعتقال والاختفاء والتعذيب والتمييز، لكن كان هناك أمل حقيقي بعد سقوط النظام أن ننتقل إلى عهد جديد، وأن نحقق دولة مواطنة متساوية، وهذا بالضبط كان هدف الثورة السورية.
لكن للأسف، استولى على هذا العهد الجديد فئة ظلامية ذات فكر متشدد، لا تؤمن بالحرية ولا بالكرامة. هذه الفئة تمارس اليوم انتهاكات أبشع بكثير مما شهده السوريون من قبل. الحقيقة أن كلمة "انتهاكات" لا تفي بالغرض نحن أمام جرائم حقيقية، وبشاعة تتجاوز كل وصف، جرائم لا تخطر على بال أحد.
التوثيق هنا ليس مجرد عمل ثانوي، هو عملية ضرورية وهامة جداً. نحن من خلال التوثيق نطالب بإيصال الصوت، ونناشد بالواقعية والمصداقية، ونريد أن تصل الصورة كاملة إلى المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة. نريد العدالة الدولية، العدالة الحقيقية، نريد أن نرى أثر هذه الجرائم في المحاكم والسياسات.
لو كانت هناك لجنة تقصي حقائق لكان الأمر أكثر دقة وسهولة، المفارقة هي أنه حتى مرتكبي الجرائم أنفسهم يوثقون ما يفعلونه وينشرونه، في النهاية هذا يصب في مصلحة الضحايا، لأن هذه التسجيلات تتحول إلى أدلة دامغة.
هل ترين أن هناك تضليل إعلامي يرافق هذه الانتهاكات؟
بالتأكيد هناك تضليل إعلامي شديد جداً يستخدم كأداة رئيسية. في بعض الأحيان يتم إنكار الوقائع بشكل صريح وكأنها لم تحدث رغم أن الحقيقة لا يمكن حجبها طويلاً. الفيديوهات والصور كلها تعزز مصداقية الرواية الحقيقية.
لو تشكلت لجنة تقصي حقائق دولية، فإن هذه الأدلة ستنقل الصورة بكل صدق، ولا يمكن أن نغفل دور الصحافة في ذلك. الصحافة الدولية لعبت دوراً محورياً. تقاريرها حول انتهاكات الساحل كانت مقنعة، بل سبقت التقرير الأممي وأكدت ما جاء فيه هذه التقارير ووضعت النقاط على الحروف وأضاءت على ما يجري في سوريا، وهذا أمر بالغ الأهمية.
أما في منطقتي تحديداً، فالوضع كارثي. الانتهاكات هناك تشمل القتل والتهجير، حرق البيوت، ردم الآبار، قطع الكهرباء والماء، واليوم نحن بلا إنترنت تقريباً، وكأن القصد هو عزل المدينة عزلاً تاماً عن العالم، هذا العزل مخيف جداً، نشعر أن هناك نية لارتكاب إبادة، كما حاولوا أن يفعلوا من قبل. نأمل ألا يحدث ذلك، لكن ما نراه يثير القلق البالغ.
هل تعتقدين أن سوريا تتجه نحو حرب أهلية جديدة؟
في الحقيقة، نعيش بالفعل حالة من الحرب الأهلية. البعض يقول "قد نكون مقبلين"، لكنني أرى أننا دخلنا فيها عملياً.
ماذا نسمي أن يقتلنا، ماذا نسمي الاستهداف المتعمد على الطرقات، ماذا نسمي الاعتداءات، والافتراءات، واحتجاز الناس في المعبر الوحيد المسموح لنا المرور عبره، هذا كله حرب أهلية.
لقد جرت عمليات خطف عديدة، وهناك مدنيون ما زالوا مفقودين، حتى السيارات المدنية يتم إيقافها واحتجاز ركابها بالكامل، وهناك حصار شامل مدينة بلا طعام ولا ماء ولا دواء ولا محروقات، أليس هذا شكلاً من أشكال الحرب الأهلية المفروضة علينا؟
المسؤول المباشر عن هذه الحرب هو هيئة تحرير الشام. هذه الهيئة نظمت مؤتمر "النصر" بقيادة أحمد الشرع (الجولاني) جمعت الفصائل وقالت إنها قامت بحلها جميعاً، ثم تبوأت رأس السلطة. أخذت المراكز القيادية وأصبحت هي من تخطط وتقود البلد.
الحقيقة أن الهيئة تأخذ البلد إلى الهاوية، هي حكومة ذات لون واحد، تسيطر على مفاصل الدولة، تحكم بالشيخ والأمير، هذا بالنتيجة يعيد البلاد 1400 عام إلى الوراء.
كيف يمكن للمكونات السورية أن تتكاتف لتفادي هذا السيناريو؟
نحن نستطيع التكاتف والتضامن، لكن لا نملك حتى الآن الوسائل العملية الكافية، هناك عاطفة وجدانية عند الأهالي، وهذه العاطفة ليست حكراً على الأقليات، بل موجودة عند الجميع، لكن بالمجمل لا توجد قدرة على تشكيل رأي واحد موحد.
أنا أتضامن مع كل الشعوب المظلومة، مع كل من يمارس عليه القمع بأشكال مختلفة، وكل من يتعرض للتضليل الإعلامي وتزوير الحقائق، لكن مع هذا القمع لا أعرف كيف يمكن للجهات أن تنظم نفسها وتجلس للتفاوض. التفاوض يبدو بعيداً جداً مع هذه السلطة، إلا إذا مورس عليها ضغط خارجي أو أعادت حساباتها.
لهذا أقول إن التضامن ضروري خصوصاً بين الشعوب التي تطالب بالحرية وتعاني من الظلم والقمع والفقر والحرمان.
تحاول هيئة تحرير الشام شق الصف إذ تركز على جهات معينة وتصفها بالميليشيات، لكن هذه المحاولات لم تؤد إلا إلى نتيجة معاكسة زادت التكاتف بين الناس. هذه الحالة التي تمارسها الهيئة هدفها التضليل الإعلامي.
ما الدور الذي يجب أن تلعبه النساء والشباب في مواجهة هذا الواقع؟
النساء لهن دور أساسي وكبير، نحن نرى ذلك بشكل يومي، إذ تحاولن ما أمكن أن يخففن من وطأة النزاعات والصراعات، من خلال عاطفتهن وإنسانيتهن وقدرتهن على الاحتواء.
يظهر دورهن بقوة في التطوع للعمل الإنساني والإغاثي. نرى النساء يجهزن الوجبات لمراكز الاستضافة، يعملن مع الهلال الأحمر، يقدمن المساعدات في كل المجالات الإنسانية، هذا الدور لا يمكن الاستغناء عنه.
أما في صناعة القرار واتخاذه، فهذا ما يزال محدوداً جداً، ليس فقط في منطقتنا بل على مستوى سوريا كافةً، وعندما تتفاقم الأزمات، ينكفئ دور النساء في القرار السياسي أكثر، لكنهن تبقين موجودات بقوة في العمل الإغاثي والإنساني.
أما الأطفال، فهم الضحية الأكبر على الإطلاق. يؤلمني أن أرى الأطفال في الشوارع يلعبون لعبة "الحرب" و"الذبح" يقلدون ما يرونه، ويتبادلون ألفاظاً جارحة لم نكن نسمعها من قبل مثل "الخنازير" وغيرها. هذه الألفاظ وهذه الألعاب هي الأخطر على مستقبلهم. إنهم يكبرون في جو مشبع بالعنف، وهذا له تأثير كبير ومدمر على الأجيال القادمة.