منية الماجري: حرية النساء ومكتسباتهن في تراجع

انتقدت التونسيات تراجع حرياتهن خلال السنوات الأخيرة وضرب مسار الحقوق والمكتسبات التي حققنها على مدار عقود وبعد نضالات.

زهور المشرقي

تونس ـ بات التونسيون يخشون علناً من المساس بالمكاسب التي حققوها بعد ثورة 2011، خاصة بعد مجموعة القوانين الأخيرة، لاسيما بعد الحديث عن تراجع واضح للمكتسبات النسوية وضرب بعض التشريعات بعرض الحائط منها القانون الانتخابي السابق الذي كان عنوةً للنساء، ومكنهن من التواجد في المجال السياسي والمراكز القيادية والبرلمان لكنهن اليوم أمام تراجع واضح ومخيف نتيجة إلغاء التناصف الذي قلّل من نسبة وجودهن في البرلمان المقبل حوالي 16%.

أوضحت الناشطة السياسية منية الماجري في حوار مع وكالتنا، إنها متخوفة من ضياع المكتسبات التي حققتها الحركة النسوية في تونس، متوقعةً مزيداً من التدهور في صورة عدم تكثيف الجهود للتصدي لكل المخاطر المهددة لنجاحات التونسيات، معبرةً عن إيمانها العميق بالوعي النسوي الذي ترجم في عدة محطات بمواقف صامدة ومعلنة دون خوف.

وأكدت أن القانون الانتخابي كان العائق الأول أمام ترشح النساء، وتعبر عن تفهمها لتلك المقاطعة الكبيرة التي تصفها بالوعي الاستثنائي والدرس الذي يجب استيعابه جيداً من قبل الطبقة السياسية الحالية.

 

ما تقييمك لوضع النساء منذ 25 تموز 2021، هل لامست تغيراً؟

من المكتسبات التي تحققت هو أن التونسيات بعد ثورة التناصف الأفقي والعمودي في البرلمان والمشاركة المُكثفة بعد الثورة، فُتح المجال أمام النساء لتشاركن في المشهد السياسي، فبعد ثورة عام 2011، كان هناك اهتمام مؤزر بالنساء وقد ضمن دستور 2014 حقوقهن وبات لهن وجود في المشهد السياسي والمدني التونسي إن كان ذلك من خلال الترشحات أو تسيير دواليب الانتخابات أو الحضور في الانتخابات ليكون لهن الصوت المسموع، وهذا شهده العالم وعاشته التونسيات وسجلته نسب المشاركة الاستثنائية في مختلف المواعيد الانتخابية قبل الخامس والعشرين من يوليو، وكانت النساء زهرات زين المشهد الذي نقل للعالم بمشاركة فعاّلة، أما اليوم فقدم رئيس الدولة مرسوماً انتخابياً فيه إقصاء كامل معلن ومضمر، المعلن حيث حصر النساء في إمكانيات التزكية وفي إمكانية مساندة المرشحين الذكور، والمضمر يتمثل في غياب التوجه للناخبات في خطب الرئيس سعيد وأيضاً في مداخلاته التي تخص الناخبين وحتى في تقديم الترشحات.

فالمرسوم عدد 54 أقصى المرأة وأعادنا إلى الوراء لأنه لم يعطيها حقها ولم يمكنها ليكون لها القدرة على أن تكون وجهاً ريادياً في المشهد السياسي المنتظر، وهو أهم سبب الذي جعل النساء تعزفن عن الانتخابات التشريعية الأخيرة في دورتها الأولى والثانية وحتى في الاستفتاء السابق على الدستور حيث لم يكن هناك اهتمام بالنساء عبر تشجيعهن للخروج لتقديم أصواتهن في الموعدين المتتاليين (الاستفتاء والانتخابات البرلمانية)، فلا يوجد أي مجال لتطوير القدرة العالية لهن للقيام بهذه الأدوار الريادية في المعاملة السياسية.

نحن في تونس تجاوزنا مختلف الإشكاليات التي تعاني منها النساء في مختلف دول المنطقة وباتت النساء رائدات فاعلات لكن اليوم هناك مساعي جدية للقضاء على ذلك المسار من النجاحات،  فهذا المرسوم سيعود بالمرأة إلى الوراء لذلك كانت هناك مقاطعة نسوية مخفية وواعية.

 

هل لتوحّد المواقف بين الأحزاب السياسية والمجتمع المدني تنديداً بغياب النساء عن الساحة السياسية تأثير كبير لتغيير المعادلة؟

قبل 25 تموز كانت الجمعيات الحقوقية المحسوبة غالباً على اليسار تبرز مخاوفها من التيار الإسلامي وتتهمه بقبر المرأة والمتاجرة بها واستغلال صورتها صورياً دون فاعلية ولكن لم نجد اليوم لهم صدى في تقديمهم للاحتجاج الحقيقي ضد هذا المرسوم الانتخابي، ما يعني أننا أيضاً أمام ارتداد حقوقي في مسألة المحافظة ودعم حرية النساء.

لكن الاتحاد مهم لمحاربة أي ارتداد عن حقوق النساء، كما أن الوعي الجمعي النسوي بخطورة المرحلة المقبلة وعدم تقبلهن وانعدام الرضا مهم جداً، إضافة إلى أن كل التغيرات في تونس أدت إلى أن الاهتمام قد فقد بالمشهد السياسي الذي يمكن أن تفرزه الانتخابات التشريعية، والتونسية مثل التونسي قد قاطعا معاً المسرحية، فنسبة 90% من المقاطعة ليست من فراغ، وهو إعلان عن ارتفاع لمنسوب الوعي في رفض هذا الاعتداء الواضح والعودة إلى الديكتاتورية، فضلاً عن تأثير الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي ألقت بظلالها على الأسرة والأبناء والشباب والعمل والرواتب الذي يتخوف التونسي اليوم من عدم تسديدها له في مواعيدها، فضلاً عن غلاء الأسعار وانهيار قيمة الدينار التونسي كلها عوامل تؤثر وترفع من نسبة العزوف، كما لا ننسى أبنائنا الذين فاق عددهم وفق إحصائيات المنظمات الـ 34 ألف شخص الذين خرجوا في قوارب الموت قوارب الهجرة غير النظامية باحثين عن أمل وحياة أفضل، كلها أسباب دفعت التونسيات للعزوف عزوفاً كاملاً عن الانتخابات.

كما أن المشاهد التي كانت تنقل عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام هي اعتداءات خطيرة حيث يعتبر نقل المسنات للاقتراع وصمة عار، كما أن نقل بعض النزيلات بدور العجز لتقديم أصواتهن وهو تصرف مرفوض وغير إنساني، فضلاً عن تنديدنا بتعرض بعض الصحفيات للعنف والطرد والإهانة أثناء محاولة التغطية الإعلامية.

 

ما تداعيات عدم تمثيل النساء في البرلمان القادم على طرح قضاياهن ومعاناتهن؟

المرسوم الانتخابي قد اقتصر دور المرأة على المساندة، إن تجرأت على الترشح فإنها تحتاج إلى تزكيات ما يعني 400 صوت يقول نعم تترشحين والسؤال هو هل يمكن في مجتمع ذكوري تقديم تزكية لمترشحة في دائرتها الانتخابية؟، حيث يمكن أن تجد المساندة فقط من أقاربها وأقارب أقاربها لا غير وباعتبارها امرأة فإنها لن تتحصل بالضرورة على هذه التزكيات وبالتالي ستحرم.

فبتنا أمام مشهد جديد أُعادها إلى الوراء ولم يعد لها الصوت الذي سيتحدث عنها في البرلمان الذي اختاره الرئيس قيس سعيد، هؤلاء النواب الجدد إن كان بينهم نساء فسيعتبر نجاحاً باهراً، خاصة وأنهن كما أسلفنا لم تترشحن، وحتى إن وجدن بهذه الصفة وضمن هذا السياق في البرلمان لا أظن أنهن ستقدمن مكاسب حقوقية وقانونية، وأن تتكلمن عن ظاهرة العنف التي تقتل النساء وعن الفلاحة التي لازالت إلى اليوم لا تتحصل على أجرها اليومي مثل الرجل برغم أن القانون يضمن لها ذلك وقد قدم البرلمان الأسبق قانوناً تمت المصادقة عليه يضمن حق الفلاحات في التنقل الآمن والتغطية الاجتماعية والأجر المتساوي، من سيتكلم في المستقبل باسمهن؟ ومن سيبلغ معاناتهن؟ ومن سيتكلم ويدافع عن المطلقات خاصة المسنات الفاقدات للسند اللواتي لا تتحصلن على حقوقهن، بل يقع طردهن من منازلهن دون مراعاة لوضعهن الاجتماعي، العديد من القوانين تم إيقافها بعد ما تم غلق البرلمان، العديد من المسائل الاجتماعية في البرلمان كانت النساء تناقشها وتدافع عنها وتعمل لسن قوانين لضمانها واليوم نحن أمام برلمان لا نعرفه ولا يعرفنا، برلمان لا يعترف بالنساء وبالشرعية، سيقع الارتداد بالضرورة على كل الحقوق والمكتسبات التي ضمنها دستور 2014 وهنا تكمن مخاوفنا.