من منظور قانوني وحقوقي... الانقسام السياسي وتداعياته على واقع المرأة والطفل
أكدت المحامية رولا موسى أن الانقسام السياسي أثر سلباً على واقع المرأة والطفل وأسفر عن تظليل التشريعات والقوانين مما تسبب في زيادة الفجوة في مستوى الحماية القانونية وعرقل الوصول للعدالة وتحقيق المساواة بين الجنسين.
نغم كراجة
غزة ـ لا زال الانقسام يلقي بظلاله على مختلف جوانب الحياة السياسية والقانونية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذه الوضعية القائمة أثرت بشكل مباشر على حقوق المرأة والطفل وتدهور أوضاعهم نتيجة التشتت القانوني الذي شكّل عائقاً أمام تحقيق المساواة والعدالة والتنمية المستدامة.
بدأ يظهر تأثير الانقسام بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة في عدة مجالات مثل العدالة والصحة، والبطالة وغيرها من القطاعات، أيضاً يلاحظ آثاره في تقارير الهيئات الرقابية والمنظمات الدولية، بما في ذلك لجنتي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) واتفاقية حقوق الطفل، تلك التقارير تتناول تنفيذ فلسطين للالتزامات المتعلقة بهاتين الاتفاقيتين.
وبهذا الصدد أوضحت المحامية المختصة ومسؤولة الرقابة القانونية في مكتب مساواة في غزة رولا موسى أن الالتزام بتحقيق الحقوق الأساسية للأفراد، ولا سيما المساواة أمام القانون يعتبر ضرورة حاسمة في تحقيق التنمية المستدامة التي تعتمد على الحقوق، ولفتت إلى أن قضايا المرأة والأطفال ما زالت تثير جدلاً كبيراً بسبب عدم توافق القوانين مع مبدأ المساواة بين الجنسين.
وبينت أن النساء والأطفال من الفئات الأكثر والأشد تضرراً جراء الانقسام وممارسات الاحتلال، حيث تم عزل القطاع عن العالم وزادت معاناتهم بشكل كبير، وتحديداً المرأة والطفل وتم حرمانهم العديد من الحقوق الأساسية وهذا يشكل انتهاكاً صريحاً للمعايير والاتفاقيات الدولية.
وأوضحت أنه في العام 2022 قام مركز مساواة بإصدار دراسة متعمقة ودقيقة لتقييم التأثير القانوني للتشريعات الرسمية والأهلية فيما يتعلق بحقوق المرأة والطفل من منظور النوع الاجتماعي، هذه الدراسة الشاملة تمثل جهداً مشتركاً وحثيث في تحليل كيفية تنفيذ القوانين ومدى توافقها مع حقوق المرأة وعلى نحو متصل حقوق الطفل، وتجسد هذه الدراسة التزاماً بتعزيز حقوق المرأة والطفل في قطاع غزة والضفة الغربية "أتاحت نتائج الدراسة فهماً أفضل لكيفية تطبيق القوانين واللوائح وتأثير ذلك على حياة النساء والأطفال وقدمت صورة قانونية واقعية عن حالة النظام القانوني بعد الانقسام".
واستناداً إلى هذه الدراسة بينت أنه ينبغي ضمان حقوق المرأة بالكامل في أي سياق تكون حاضرة فيه، وذلك يشمل حقها في الحضانة لأطفالها وضمان تعليمهم بما يعكس مفاهيم العدالة والمساواة وتحقيق التنمية المستدامة.
وكشفت هذه الدراسة نواقص في القانون الفلسطيني في المحافظات الشمالية والجنوبية، وتحديداً في قانون الأحوال الشخصية كونه يضم أكثر القواعد أثراً على حقوق المرأة والطفل فعلى سبيل المثال: إن سن حضانة الطفل الذكر يختلف عن سن الطفلة الأنثى، كذلك هناك اختلاف في معاملة النساء الأرامل مقارنةً بالمنفصلات فيما يتعلق بحضانة أطفالهن، هذا التغيير جاء بعد نضال من قبل المؤسسات النسوية والحقوقية التي عانت الكثير حتى وجدت قانوناً يكفل للمرأة الأرملة حصولها على حضانة أطفالها مدى الحياة، بحسب ما قالته رولا موسى.
ولفتت إلى أنه "بالرغم من التقدم المحقق في تعزيز حقوق المرأة في هذا السياق، إلا أن هناك تحديات مستمرة يجب التغلب عليها من قِبل هذه المؤسسات لضمان حقوق حضانة الأطفال وتحقيق المساواة بين الجنسين لذلك لا زال الصراع قائماً والنضال مستمراً".
وقالت "في القانون المحلي الفلسطيني وتحديداً فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية يُمنح الرجل الحق في طلاق زوجته بقرار قضائي دون حضورها في الجلسة أو علمها، ويشار إليه "الطلاق التعسفي" وهذا النوع من الطلاق ينجم عنه تعقيدات وتحديات كبيرة تحول دون حصول المرأة على حقوقها الشرعية مثل المؤخر والنفقة والذمم المالية بين الزوجين"، مبينةً أنه "في المقابل لا تمتلك المرأة نفس السلطة لطلب الطلاق بسهولة حيث يشترط عليها وضع أسباب محددة وحضور الزوج في الجلسة واختصامه أمامها للحصول على قرار الانفصال ورغم ذلك فإنها تضطر في كثير من الأحيان للتنازل عن حقوقها المالية من أجل إصدار حكم التفريق".
وأكدت على أن التفرقة في حالات الطلاق التي يشرعها الزوج منفرداً تعد انتهاكاً لمبدأ المساواة، كما تطالب العديد من المنظمات النسوية والحقوقية بمنح تعويض عادل للنساء ضحايا الطلاق التعسفي وتوسيع الإمكانيات المتاحة لهن للتقدم بدعوى التفريق، وبالتالي ينبغي أن يتم الطلاق بموجب قرار قضائي يحقق العدالة، ويجب ألا يكون معترفاً قانونياً وساري المفعول إلا بعد مراجعته والنظر فيه من قبل المحكمة.
وأشارت إلى أن المنظومة القانونية المطبقة في الضفة الغربية والمناطق الشمالية والجنوبية مختلفة عن النظام القانوني والشرعي وقانون الأحوال الشخصية وقضايا الحضانة والنفقة المعمول بها في قطاع غزة "هذا التباين امتد أيضاً للهياكل القضائية والاختلاف في درجاتها".
تأثرت منظومة القضاء الشرعي في فلسطين بشكل كبير بسبب الانقسام القائم بين قطاع غزة والضفة الغربية. واحدة من النتائج الواضحة لهذا التقسيم هي غياب نقابة المحامين الشرعيين في الضفة الغربية، كما قالت "سعت افرازات الانقسام إلى تشتيت النظام القضائي الشرعي الذي يعتبر البوابة الأولى والأساسية التي تطرقها الأم أو الزوجة في حال انتهاك حقوقها".
وأضافت "ليس هناك قانون موحد للأحوال الشخصية في قطاع غزة والضفة الغربية مما يؤثر سلباً على حقوق المرأة والطفل، وحق النساء في وصولهم للعدالة وإجراءاتها للتقاضي وهي البوابة الأولى التي يجب أن تكفل حقوق المرأة الفلسطينية".
ودعت إلى ضرورة التدخل التشريعي لضمان توافق القوانين مع واقع حقوق المرأة والطفل، وذلك من خلال اعتماد نهج يعتمد على التمييز الإيجابي لصالح هاتين الفئتين، كما يتعين على السلطات العامة تبني سياسات وإجراءات تهدف إلى تحقيق المساواة الفعلية بين الجنسين، مما يسهم في تمكين المرأة للمشاركة بفعالية والتنافس في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية من أجل تحقيق مصالحها وتمكينها من ممارسة حقوقها كاملة.