ما بين "الخط الأصفر" وغربه... غزة الجديدة إلى أين؟

القرار الأممي بفرض الوصاية على غزة يفتح مرحلة سياسية جديدة، تحمل تقسيمات جغرافية معقدة وتداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة، ما ينذر بتفتيت النسيج الفلسطيني وإعادة تشكيل واقع مغاير للقوانين الدولية.

رفيف اسليم

غزة ـ تنتظر مدينة غزة في الوقت الحالي مشروع تحت عنوان "غزة الجديدة" وفق خطة ورؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تم التصويت عليها في مجلس الأمن الدولي، دون توضيح ما سيتم شرق الخط الأصفر، فهل سيصبح كيان مستقر أم منطقة خاضعة تحت السيطرة الإسرائيلية، وما مصير المنطقة الواقعة غربه، وما بين الشرق والغرب هل ستبقى المدينة مقسمة، أم سيتم بناء مدينة جديدة بالشرق الأوسط بلا روح؟

الباحثة في قضايا الصراع العربي الإسرائيلي إلهام شمالي قالت إنه بعد قرار مجلس الأمن الدولي بفرض الوصاية على قطاع غزة، أصبح الفلسطينيين أمام مرحلة جديدة تجاه القطاع وسكانه، بل والقضية الفلسطينية برمتها، مؤكدة أنها مرحلة تفرض واقع سياسي جديد ليس بالمفهوم المتعارف عليه من قبل أي ليست وحدة سياسية بل مجموعة من الكانتونات أو المناطق متفرقة.

وبينت أن القرار حتى اللحظة لم ينشر بشكل رسمي على موقع الأمم المتحدة للاطلاع على حيثياته وبنوده التفصيلية وما يخص وضع قطاع غزة بشرقه وغربه وفق التقسيمات الجديدة للقطاع التي أعلن عنها مجلس الأمن مؤخراً، لافتة إلى أنه ليس إعادة إعمار وفق ما هو متعارف عليه بعد كل هجوم سابق قد شن على القطاع، بل ما يطرح هو إعادة إعمار للمناطق الشرقية وفق رؤية إسرائيلية أمريكية.

 

"الإدارة التي ستتشكل لا علاقة للمجتمع الفلسطيني بها"

ما يطرح الآن منطقة جغرافية غنية شرقية تبدأ من مدينة رفح وتنتهي في أقصى شمال القطاع على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة والتي تبلغ مساحتها ما يقارب 50% من مجمل مساحة غزة، وستكون مدينة رفح تحديداً نموذج لتلك المدن التي يريدون بنائها بإدارات مختلفة لما قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 فيما سيترك الغرب غارق في الركام والردم بحجة أنه يقع تحت سلطة وحكم حركة حماس.

وترى أنه في المناطق الشرقية سيسمح للسكان بالعودة إلى منازلهم لكن بعد الكشف الأمني الإسرائيلي المشدد، كما سيعطى السكان ميزة تتعلق بتملك الشقق السكنية في تلك المناطق، لكن دون تملك الأراضي كما تفعل في بعض مناطق الضفة الغربية، مضيفة أن الإدارة التي ستتشكل في المناطق الشرقية من الناحية الاقتصادية، والسياسية، والقانونية لا علاقة للفلسطيني بها.

ما يطرح لخطة إعمار غزة وفقاً لإلهام شمالي، هو إعمار سياسي ولا يتعلق بالمواطن الفلسطيني، ويتم الحشد له من قبل المجتمع الدولي وكأن قطاع غزة يقتصر فقط على المناطق الشرقية، مبينة أن هذه الخطوات تأتي لترك المناطق الغربية التي سيبقى سكانها يعانون الويلات بالخيام لفترة طويلة جداً دون إعمار ودون حياة.

وقالت إن الوضع ما بين شرق وغرب قطاع غزة سيترتب عليه نواحي قانونية، وسياسية، واقتصادية، واجتماعية، وأخرى إنسانية، فالمدينة لديها تشابك بين شرقها وغربها ما قبل الحرب الأخيرة ككيان واحد مستقل سواء على مستوى المستشفيات، أو الجامعات، أو المحاكم، وأجهزة الأمن والشرطة، فإيجاد إدارات خاصة بالشرق الآن وأخرى بالغرب سيفضي إلى ترتيبات جديدة بالمدينة.

 

"احتلال غزة يتم بموجب غطاء دولي"

وأكدت إلهام شمالي أن "المجتمع الفلسطيني الآن أمام انقسام جغرافي جديد للقضية الفلسطينية كنا في غنى عنه، مما سيترتب عليه انقسام ديموغرافي وتفتيت للنسيج المجتمعي والشعب الفلسطيني والأسرة الفلسطينية على وجه التحديد"، مضيفة أن المجتمع الفلسطيني هو أشبه بالمجتمع القبلي الذي يتميز بترابط أواصر العائلات لديه بشكل قوي ومتين، بينما الآن ستسلخ العائلات ما بين الشرق والغرب من خلال المناطق الأمنية والممرات العازلة التي ستقوم السلطة الإسرائيلية بإنشائها.

وأوضحت أن الخطوط الصفراء التي تضعها السلطة الإسرائيلية الآن في قطاع غزة تشبه ما وضعته في عام 1948، بالتالي التنقل والسماح بالزيارة سيتم من خلال تصاريح أمنية ستصدرها القوات الإسرائيلية بموجب اتفاقية رودس "احتلال المدينة الآن يتم بموجب غطاء دولي ومباركة من كافة الدول وإن تمت الخطة لن يكون هناك مجال لاسترجاع غزة".

وتتساءل إلهام شمالي، أن الفلسطينيين على مدار 18 عام لم يستطيعوا حل الخلاف بينهم وإنهاء الانقسام فهل يمكن المحافظة على وحدة القطاع الآن وإعادة اللحمة بين شقي الوطن في ظل خضوعه للوصاية الدولية وإدارة أمريكية وإسرائيلية، مؤكدة أن الأمر بحاجة لقرار وطني فلسطيني عربي موحد وإلا سيؤثر الأمر على المدينة لخمس عقود قادمة.

وبينت أن الواجهة الوطنية للمناطق الشرقية ستكون مفقودة الهوية، كون من يتواجد في تلك المناطق سيكون مقبول من قبل إسرائيل، بالتالي سيلغى حق الكفاح المسلح للشعب الفلسطيني، وهذا التقسيم سيكون مخالف للقوانين الدولية، مشيرة إلى أنه هناك مشروعان طرحا في مجلس الأمن، الأول أمريكي الذي لا يعترف بأي دور للسلطة الفلسطينية وتتم إدارة الدولة عبر شخصيات مستقلة، بينما المقترح الآخر روسي قائم على دور السلطة الفلسطينية، وهو ما تم رفضه في مجلس الأمن.

وأكدت الباحثة في قضايا الصراع العربي الإسرائيلي إلهام شمالي أن ما يحدث بالوقت الحالي له تداعياته الكارثية ستؤثر بالسلب على المرأة الفلسطينية التي عانت الويلات خلال الحرب وسيترتب عليه معاناة جديدة لها متمثلة بتفكك النسيج الاجتماعي وانتشار الجريمة، والحرب الأهيلة، مما يعني أن حياة النساء ستصبح أكثر قسوة، ولن يكون هناك فرصة لانتزاع أي حق من حقوقها فالهجوم الإسرائيلي قائم بصورة أخرى لم ولن ينتهي بعد.