لبنانيات في مواجهة مشروع هدم ذاكرة بيروت وإزالة معالم انفجار المرفأ

بعد أكثر من سنة وتسعة أشهر، لا تزال قضية انفجار مرفأ بيروت الكارثي التي حدثت في الرابع من آب/أغسطس عام 2020

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ بعد أكثر من سنة وتسعة أشهر، لا تزال قضية انفجار مرفأ بيروت الكارثي التي حدثت في الرابع من آب/أغسطس عام 2020، ماثلة كجرح راعف عصيٍّ على الالتئام، فلا العدالة تحققت ولا طُوِيَ هذا الملف بكشف الجناة وتبريد آلام من فقدوا أقربائهم كما هو الحال في ملفات أمنية كثيرة، حيث المطلوب دائماً "تجهيل الفاعل" لاعتبارات وأسباب غير منفصلة عن المشهد السياسي في لبنان.

لا يزال أهالي ضحايا الانفجار، ينتظرون العدالة، فيما تدأب السلطة لتمييع هذه القضية وصولاً إلى محاولة إزالة آخر شاهد على هذه الجريمة، أي "أهراءات القمح" التي امتصت جزءاً كبيراً من قوة هذا الانفجار، والتي ما تزال شاخصة لتذكِّر بأن ثمة المئات قتلوا والآلاف أصيبوا، فضلاً عن الدمار الذي طال مساحة كبيرة من بيروت وضواحيها، وكأن المطلوب إزالة أثر الجريمة، الأمر الذي استفز ناشطات وناشطين وأهالي ضحايا الانفجار الذي وقفوا في مواجهة إزالة الشاهد الأخير على هذه الجريمة.

وقامت الحكومة اللبنانية بتكليف "مجلس الإنماء والإعمار" الإشراف على عملية هدم هذه الأهراءات التي تم تشييدها قبل 52 عاماً ما دفع الأهالي للاعتصام أمام المرفأ احتجاجاً على تدمير هذا الأثر الباقي بالتوازي مع التقاعس في التحقيق وتطبيق العدالة.

 

ملخص لمجريات قضية انفجار المرفأ

بعد أن استأثرت قضية انفجار مرفأ بيروت باهتمام محلي ودولي، لا يزال التحقيق خاضعاً لتجاذبات سياسية، ما أدى بداية إلى عزل القاضي بعد اتهامه وزيرين سابقين طلب استجوابهما، وكانت الحجة أن القاضي متضرر من انفجار المرفأ ما قد يؤثر على حكمه، ثم تكليف رئيس محكمة جنايات بيروت القاضي الذي تعرض ويتعرض لحملة شعواء لكف يده عن التحقيق، مع أكثر من 27 دعوى قضائية رُفعت بوجهه تحت مسمّيات قانونية عدة، ما ترجم تعطيلاً مستمراً للتحقيق.

ليأتي قرار إزالة الأهراءات المفاجئ بعد تقرير علمي استشاري طلبه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من المؤسسة الهندسية "خطيب وعلمي" خلص إلى "مخاطر استمرار الأهراءات في وضعها الحالي، حيث يمكن أن تسقط بعد بضعة أشهر"، وأن "الإبقاء عليها يرتّب مخاطر على السلامة العامة، بينما ترميمها سيكلّف كثيراً"، فضلاً عن تقرير لمؤسسة "أمان إنجينيرينغ" السويسرية أوصت بالهدم الجزئي للصوامع (الأهراءات)، ليأتي قرار مقابل من وزير الثقافة محمد مرتضى منتصف الشهر الماضي بتصنيف الصوامع ضمن المعالم التاريخية، بمواجهة قرار الحكومة بالإزالة، ليتراجع وزير الثقافة بعدها عن قرار وضع المبنى على لائحة الجرد العام للأبنية الأثرية، ولتعود الحكومة إلى قرار الهدم، ما أثار استهجان الأهالي والناشطين، فتوجهوا للاعتصام أمام المرفأ مع ناشطين ومرشحين ومرشحات للمعركة الانتخابية القادمة، لمنع هدم هذا الشاهد التاريخي.

وكانت وكالتنا قد واكبت الاعتصام الذي نظمه أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت، ووقفت على آراء أهالي الضحايا ومرشحات وناشطات شاركوا في هذا الاعتصام.

 

مع أهل الضحايا

وقالت ريما الزاهد شقيقة أحد ضحايا مرفأ بيروت، "نحن هنا لتقديم اعتراضنا على القانون الذي طالب بهدم هذه الأهراءات، الشاهد الحي الوحيد على إجرامهم وفسادهم، ففي كل يوم تقتلنا هذه السلطة، ويعيدوننا ليوم 4 آب، وأتينا لنطالبهم ونطالب الدولة اللبنانية بتسريع التحقيقات وهذا دورها الأساسي، ما نشهده من قبل هذه الدولة هو ظلم واستفزاز لنا أي أهالي الضحايا، نحن لم نستطع حتى الآن لملمة جروحنا".

وعن مشاركة المرأة اللبنانية في الاستحقاقات النيابية المقبلة، قالت ريما الزاهد "المرأة نصف المجتمع، بل المجتمع بأكمله، هي الأم والأخت والابنة، وجودها وانخراطها في السياسة من المؤكد أن يكون فعالاً، لأن المرأة حين تعمل فهي تعمل بكل جوارحها، وبكل ضميرها، وعندما تدافع عن أي قضية، فهي تدافع حتى الموت، ومن جهتي أتمنى أن تصل المرأة إلى المجلس النيابي وإلى مناصب الدولة العليا".

 

 

من الاعتقال إلى اعتصام المرفأ

من جانبها قالت الناشطتين سالي حافظ وميشيل شويري اللتان شاركتا في الاعتصام، وكانتا قد تعرضتا للاعتقال من قبل عناصر أمن الدولة في الأسبوع السابق على خلفية اقتحامهما مع ناشطين مبنى وزارة الطاقة احتجاجاً على أزمة الكهرباء، "للأسف، وحتى مع هذه الخطوة التغييرية، فالمرأة لن تتمكن من أن تصل إلى أن تشغل نصف مجلس النواب، برأيي المرأة تتفوق على الرجل، ودورها في المجتمع أساسي، ليس على الصعيد اللبناني فحسب، بل على صعيد العالم أجمع، فهي ليست المرأة التي تلد بل هي المديرة والعاملة، وهي رأس حربة في محاربة الفساد في العالم، وهذا ما شهدناه في ثورة 17 تشرين الأول، حيث كانت المرأة في الصفوف الأمامية، لذا أتمنى أن أراها في المجلس وأن تحصل على نصف المقاعد النيابية، فهي تدافع بصورة فعالة أكثر عن حقوقنا".

 

 

أما ميشال دويري فأوضحت "برزت المرأة ودورها على الأرض وفي السياسة ومشاركتها في الصفوف الأمامية في ثورة 17 تشرين الأول، فقد كانت القوى الأمنية والجيش تحاول حماية الوزراء والنواب والمنظومة الفاسدة من الشعب بتشكيل خط فاصل، إلا أن المرأة قرنت الأقوال بالفعل، مثل "المرأة التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها"، وأن "وراء كل رجل عظيم امرأة"، وعدا عن دورها كأم ومربية فهي موجهة للأجيال القادمة، فقد برهنت أن لديها قوة لحماية أولادها وعائلتها، وأيضاً في مطالبتها بحقوقها وحقوق الشعب اللبناني، وليست القوة قوة الجسد التي يتباهى بها الرجل، بل قوة العقل والفكر".

وأشارت إلى أن مسيرة النضال التي تتبعها بدأت "قبل 17 تشرين الأول، ولا زلت مستمرة مع ناشطين في مجالات عدة، ومن خلال الاعتصامات والمداهمات والاقتحامات ومنها اقتحام وزارة الطاقة خلال الأسبوع الماضي، ودخلنا التحقيق مع السلطات في أمن الدولة، كوننا نطالب بالكهرباء والمياه وحقوق العالم والأطفال والمرضى في المستشفيات الذين ماتوا بسبب عدم تمكنهم من استعمال آلات الأوكسجين بسبب انقطاع الكهرباء، وهذا يظهر أن المرأة تطالب مثلها مثل الرجل، بل وأقوى في بعض المواقف منه، لأنه على الرغم مما تعرضت له من قمع وتهديدات وما عاشته في ثورة 17 تشرين الأول، إلا انها استمرت كونها مؤمنة بقضيتها، ولا شيء يكسرها".

وعن دورها في المجلس النيابي، قالت ميشيل دويري "إن وصلت المرأة ومن يمثلنا، سيكون لها دور كبير في المجلس النيابي، وهو ما اثبتته المرأة وفعالية دورها عالمياً في مناصب عليا وصلت إليها، على أمل أن يستطعن إيصال صوتنا، وعلى الأقل لن يتحول المجلس لحلبة مصارعة وخلافات، بل ستمثلنا بصورة حضارية".

 

 

فيما قالت المهندسة المعمارية ناهدة خليل المرشحة للانتخابات عن المقعد الشيعي على لائحة "بيروت مدينتي" في دائرة بيروت الثانية، "اعتصامنا اليوم أمام هذه الأهراءات كونها تعتبر إرثاً ثقافياً، فليس الإرث الثقافي المباني التاريخية فحسب، بل أي معلم يؤرخ تاريخ الشعوب، فأنا عضو في جمعية "إيكوموس" المجلس العالمي للمواقع والمعالم وهي جمعية تعنى بحماية الإرث الثقافي، فهذه الأهراءات معلم وشاهد على ثالث أكبر جريمة تفجير في العالم الذي فقد على إثره 200 شخص حياتهم وجرح الآلاف، حيث التحقيق في هذه الجريمة معرقل من قبل رجال المنظومة الحاكمة المنخرطين بهذه الجريمة سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إنهم يحاولون هدم الأهراءات قبل حلول موعد الانتخابات النيابية، والتي لا ضرورة لهدمها وفقاً لآراء خبراء، كونها صامدة وتحتاج لتدعيم في الجهة الشمالية فحسب".

وأضافت "كوني مهندسة، فالحل ليس في هدمها وهو مكلف جداً وبحسب التقدير الأولي يكلف 5 ملايين دولار، وكما هو الحال في كل المشاريع في لبنان، فإن تكلفة هدمها ستتضاعف مع الوقت إرضاءً للمحسوبيات، كما وأن الردم الذي يقدر بملايين الأطنان من الإسمنت المسلح وغيره سيتم وضعه في البحر لاستحداث واكتساب مناطق وعقارات جديدة تستملكها هذه السلطة أسوة بمناطق أخرى من الشاطئ اللبناني تم ردمها واستملاكها مثل منطقة سوليدير وزيتونة باي، فلن نعيد خطأ الحرب الأهلية بحصول عفو عام، ولن نقبل به، سنحاسب المرتكبين الذين قاموا بمحو ذاكرة المدينة الجماعية الشاهدة على الحرب الأهلية، وهو ما يحاولون فعله هنا مع هذا الشاهد الذي يوثق هذا الانفجار الكارثي العظيم".

وعن دورها في المطالبة بالحقوق المسلوبة أوضحت "أنا ناشطة سياسية، وطوال حياتي أناضل، ومنذ بداياتي كنت أطالب بحقوق الموظفين في الشركة التي أعمل فيها، ومنذ 2013 أصبحنا أكثر انخراطاً بالنضال على الأرض وخصوصاً بعد ثورة 17 تشرين الأول، فما بعد الثورة ليس كما قبله، وقد كنا في الشوارع ورفعنا دعاوى وطعنا بقوانين، وساهمنا بوقف قوانين في مجلس النواب، وقدمنا مشاريع بديلة لمشاريع كل القصد منها السمسرة والصفقات، وقمنا بكل ما في استطاعتنا، ولكن أصبح لابد من الدخول إلى مراكز صنع القرار لنشرع القضايا والمشاريع البديلة".

 

 

استهداف المرأة في المعركة السياسية

قالت المرشحة عن المقعد الدرزي في دائرة بيروت الثانية على لائحة "بيروت مدينتي" ريما أبو شقرا لوكالتنا "لقد شاركنا في الاعتصام لمنع محو وطمس أي أثر على فساد وإهمال وتقاعس هذه السلطة، ونشارك أهل الضحايا اعتصامهم ومعاناتهم بسبب المماطلة في التحقيق، وكما شاركنا في ثورة 17 تشرين الأول وفي اعتصامات ووقفات عدة أمام إجرام هذه السلطة نشارك اليوم في هذا الاعتصام".

وحول دور المرأة في المجال السياسي ومشاركتها في الانتخابات المقبلة ترى أنه "من المهم للغاية وصول أكبر عدد من النساء إلى المجلس النيابي، وأطمح شخصياً للوصول، لأن جميع من وصل إلى المجلس النيابي لم نشعر بأثرهم على القوانين التي طلب منهم تشريعها، لاسيما تلك التي تخص المرأة، ومن المهم وصول المرأة لإلغاء القوانين التي تمارس التمييز والتحيز بحقها، بدءاً من إعطائها الجنسية لأولادها، وحقها بالحضانة وأن تكون وصية على أولادها وليست راعية فحسب، وقانون يتناول منع زواج القاصرات، وصولاً إلى توحيد قانون الأحوال الشخصية الجائر وغيرها من القوانين وخصوصاً التي تطالب فيها القوى التغييرية والمتعلقة باستقلالية القضاء، لمحاسبة الفاسدين الذين دمروا وساهموا بانهيار الدولة، وساهموا بطريقة أو بأخرى في هذا الانفجار الكارثي".

وأضافت "للمرأة قدرة على تحقيق إضافة على القوانين الداعية إلى المساواة بين كافة فئات المجتمع، وبحكم كونها أم ومربية منزل فلديها القدرة إلى الانتباه لأمور كثيرة في الوقت نفسه سواء اجتماعية واقتصادية وغيرها، وبهدف الدفع لإشراكها في صنع القرار، فبطبيعة المرأة الميل نحو المساواة والعدالة، وبالتالي سنحمل خطاب المرأة في هذا المجلس لتطبيق وسن قوانين تدمجها في جميع مواقع القرار، وتدفع عنها الغبن والتمييز، ونأمل وصول أكبر عدد من النساء لنشهد التغيير على مستويي العدالة الاجتماعية ودولة القانون، وعلى مستوى الرحمة لجميع المواطنين في هذا البلد".

ولفتت إلى أن "الدراسات أثبتت أن المرأة لديها ميل أكثر لتحقيق المساواة في المجتمع والاهتمام بالفئات المتعثرة، والاهتمام بالإدارة الاقتصادية بشكل أفضل، وقد تساهم بالوصول إلى قوانين أكثر عدالة من الناحية الاجتماعية، ورفض التمييز ودمج الفئات الاجتماعية جميعاً".

 

 

بينما قالت باولا ربيز المرشحة عن المقعد الأرثوذكسي في لائحة "بيروت مدينتي" والتي شاركت بالاعتصام "أنا لبنانية من أم برازيلية ولدي الجنسية الفرنسية، نقف اليوم هنا مع أهالي ضحايا أسوأ انفجار في الشرق الأوسط، وثالث أكبر انفجار غير نووي في التاريخ، لنشارك أهالي ضحايا انفجار المرفأ معاناتهم ومطالبهم المستمرة منذ سنتين، وهو ما تابعناه خلال السنوات السابقة في الكثير من القضايا المعيشية، وهنا على هذا الجدار قبالة تمثال المغترب اللبناني وأمام المرفأ أسماء هؤلاء الضحايا، والمحفورة والباقية في قلوبنا حتى يأتي الحكم القضائي المستقل، وخلفنا الأهراءات التي ينوون تحويلها إلى نصب تذكاري، وبكلفة باهظة قدرت بأكثر من 5 مليون دولار، ولكنها ستبقى رغماً عنهم، فهذه الأهراءات شاهد على جرائمهم، فحتى الآن لم يهدأ بال أهالي الضحايا المفجوعين بأي جزء من الحقيقة في الوقت الذي يتم فيه إعاقة التحقيق يوماً بعد يوم".

وعن سبب ترشحها للنيابة، قالت "هدفي من دخول المجلس سن قوانين وتعديلها، وسيدخل الكثيرون أيضاً، إلا أن هدفي هو التركيز على القضايا الاجتماعية، وهو ما أعمل عليه مثل حقوق الإنسان والمرأة والطفل وضمان الشيخوخة والتي يتم تأجيل البحث بها دوماً، لكنها بالنسبة لي أساسية وهي مهمة للعيش في هذه البلاد".