غزة بين مخططات الاحتلال وتواطؤ الحكام... لا سلام بلا عدالة
وسط حرب مستمرة على غزة، تبرز مخططات سياسية تهدف لتجميل الاحتلال، وتهميش الفلسطينيين، عبر مشاريع اقتصادية تدار دولياً دون تمثيل حقيقي لأصحاب الأرض والحق.

أمل محمد
بيروت ـ في ظل استمرار الحرب على غزة، تتكشّف يوماً بعد يوم ملامح مخططات سياسية جديدة تُطرح على الساحة الدولية، لا بوصفها حلولاً عادلة، بل كأدوات لإعادة تشكيل الواقع الفلسطيني بما يخدم مصالح القوى الكبرى.
بين تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي توحي بوقف إطلاق النار وتشكيل إدارة جديدة، وبين فشل القيادة الإسرائيلية في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية، تبرز تساؤلات جوهرية حول طبيعة هذه المبادرات، ومن المستفيد الحقيقي منها، وما إذا كانت تمثل فرصة لحل سياسي أم مجرد محاولة لتجميل الاحتلال وإعادة إنتاجه بصيغة أكثر تعقيداً، للجواب عن هذه الأسئلة كان لوكالتنا حوار مع خديجة الحسيني أمينة سر لجنة حقوق المرأة اللبنانية وعضوة اللجنة التنفيذية لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان.
بعد أكثر من سبعمئة يوم من الحرب على غزة، ومع تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي توحي بوقف إطلاق النار وتشكيل إدارة جديدة، برأيك كيف سيتم تشكيل هذه السلطة؟
إن المخططات التي تُطرح حالياً على الساحة السياسية الدولية جاءت من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في وقت يتعرض فيه لضغوط عالمية بسبب امتناعه عن اتخاذ موقف واضح تجاه ما يجري في غزة من انتهاكات ومجازر، كما يتزامن ذلك مع فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عدد من الملفات السياسية والعسكرية.
كل ذلك يشير إلى أن هذه المخططات ليست دولية بل فردية، تهدف إلى تغيير بعض المسارات السياسية بما يخدم مصالح ترامب ونتنياهو، اللذين يواجهان ملفات تتعلق بجرائم حرب وفساد على المستوى الدولي.
كما أن عدم حسم الحرب لصالح الكيان الصهيوني وتزايد التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية، دفع ترامب إلى طرح هذه المخططات كنوع من الدعم للكيان، وهي لا تعبّر عن إرادة المجتمع الدولي بأي شكل من الأشكال.
هل يشكّل هذا المخطط فرصة لحل سياسي؟
لا يمكن اعتبار مثل هذه المخططات الفردية حلاً سياسياً، لأنها لا تخدم المصلحة الفلسطينية ولا تحقق أياً من معايير السلام، بل إنها تهدف إلى إنقاذ الكيان الصهيوني وتأمين مصالحه، لا إلى تحقيق العدالة.
فمن يبحث عن حل سياسي حقيقي يجب أن ينطلق من تحقيق العدالة أولاً، بينما هذه المخططات تمثّل شكلاً جديداً من إعادة الاحتلال وشرعنته داخل الأراضي الفلسطينية، وطمس الهوية الفلسطينية والقضية ذاتها.
وتشير المعطيات إلى أن إدارة غزة في حال تنفيذ هذا المخطط ستضم أطرافاً أمريكية وأوروبية وعربية، مع استبعاد الفلسطينيين المنتمين إلى حركتي فتح وحماس، وهو ما يعني إطالة أمد الاحتلال تحت غطاء جديد، إذ أن بنود المخطط لا تتحدث مطلقاً عن مستقبل فلسطين وحقوق شعبها.
الخطة تتحدث عن إنشاء مناطق خاصة لإقامة مشاريع استثمارية، ما رأيك بذلك؟
يتحدث ترامب وكأنه سمسار يملك العالم ويختار أين يستثمر، متجاهلاً أن غزة هي لأهلها الذين نزحوا إليها قسراً من مختلف مناطق فلسطين والضفة الغربية.
يريد ترامب، من خلال هذه المشاريع، إفراغ غزة من سكانها الأصليين لإقامة مشاريع استثمارية يرى فيها "جنة الشرق"، ولكن السؤال: جنة لمن؟ هل ستكون جنة فوق رفات أهل غزة؟ ولمصلحة من إذا كان الطريق إليها يمر بمحو المنطقة وإعادة بنائها بعد إخراج كل من قاوم الاحتلال.
إن ما يُطرح هو محاولة لتجميل الاحتلال الاقتصادي، لكنه يخفي خلفه قيوداً مستقبلية كثيرة على سكان القطاع.
كيف يؤثر تواطؤ بعض الدول العربية والإسلامية مع القوى الغربية على مستقبل القضية الفلسطينية، وعلى قدرة الشعوب العربية في التعبير عن تضامنها الحقيقي؟
ليست الدول العربية هي المشاركة، بل الحكام العرب، بينما هؤلاء الحكام يسعون فقط إلى الحفاظ على مناصبهم، وغالبيتهم لا يمثلون إرادة شعوبهم.
برأيي، هؤلاء ليسوا حكاماً حقيقيين بل أدوات وضعها الاستعمار لضمان مصالحه. ورغم بعض ردود الفعل الشعبية المؤيدة للقضية الفلسطينية، إلا أنها لم تصل إلى المستوى المطلوب.
الشعب الفلسطيني ضد هذه المخططات، لأنها لا تضمن له مستقبلاً، بل تسعى لتدمير البنية التحتية وتجريد المقاومة من سلاحها ومنع أي احتجاج على الممارسات اللاإنسانية.
ومن اللافت أن هذه الخطة تُدار بإشراف رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير، الذي كان أحد مهندسي حرب العراق بذريعة امتلاك أسلحة دمار شامل.
لا وجود حقيقياً لأي نية للإعمار أو لإنصاف ضحايا غزة، وحتى في حال قبول الفصائل المدافعة بالمخطط، فإن قصة أطفال الحجارة ستستمر جيلاً بعد جيل، لأن الحق لا يضيع ما دام هناك من يطالب به.
فالقضية الفلسطينية قضية شعب وانتماء قومي، تسعى لتحقيق العدالة وستبقى حتى النصر، لأن الكيان الصهيوني ما هو إلا جماعة من الغرباء جاؤوا إلى أرض ليست لهم سعياً وراء مصالح مادية.
ما يجري ليس سلاماً بل فرض استسلام على الشعب الفلسطيني من قبل الغرب، وبموافقة وتواطؤ بعض الحكام العرب.
وقد كان الشعب الفلسطيني، وخاصة النساء، الضحية الأكبر، إذ تتحمل النساء أعباء الفقد والتهجير والعذاب خارج إرادتهن، ويُستبعدن عن طاولات المفاوضات رغم كونهن الأكثر تضرراً.
ومن المؤسف أن المخطط يخلو من أي بنود تعنى بالمرأة الفلسطينية أو بمن فقدوا القدرة على العمل جراء الحرب، في ظل غياب منظومة ترعاهم وتكفل حقوقهم.