برلمانية تونسية سابقة: يجب أن تقف النساء يداً واحدة لمناهضة التمييز والإقصاء (2)
تعتبر النسويات في تونس أن مجابهة العنف تتطلب العمل على تغيير العقليات، لأن القانون بمفرده لا يمكن أن يكافح تصرف عدواني يمس النساء.
زهور المشرقي
تونس ـ أكدت البرلمانية السابقة والسياسية جميلة كسيكسي، على ضرورة اتحاد النساء لمناهضة التمييز والإقصاء، وأنه حان الوقت لوقف نزيف العنف المركب ضدهن.
ترى البرلمانية السابقة والسياسية جميلة كسيكسي في حوار مع وكالتنا، أنّ الوضع الصعب الذي تعيشه تونس اليوم هو نتيجة حتمية لفترة ما قبل 25 تموز/يوليو، مؤكدةً أن النساء الأكثر تضرراً بدليل ارتفاع نسب العنف ضدهن.
لوحظ أن هناك عزوف من قبل الفئة الشابة على الانتخابات وحتى الاستفتاء، فما السبب وراء ذلك؟
أريد الإشارة إلى الفترة السابقة لما قبل الخامس والعشرين من تموز/يوليو، التي تعتبر فترة مهمة ولم تكن فاشلة في مجملها كما يروج، ولكن كانت هناك قرارات غير جيدة، أعتبر أن حصيلة تلك الفترة هي التي أنتجت الوضع الذي نعيشه اليوم.
أن الوعود الانتخابية كثيرة وما أحبط المواطن تلك العملية السياسية والحزبية، خصوصاً ذلك الكم من الوعود أثناء الانتخابات التي لم يتحقق منها شيء، هذا في الحقيقة من الأمراض التي أصابت البيئة السياسية في تونس وهي من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها الطبقة السياسية في بلادنا، أحياناً تجدُ نفسك مجبراً أن تعطي وعوداً لأن كثرة المطالب وطموح التونسي كان أعلى بكثير من إمكانيات الحكومة وبالتالي تجد الأحزاب نفسها مضطرة على الوعود، وبعض الوعود كانت تطلق وكأن من يطلقها يدرك جيداً أنه لن يحققها.
هذا لم يكن السبب الوحيد للعزوف بل أحد أهم الأسباب، حيث تجد أن بعض الأحزاب تطلق ذات الوعود في أكثر من موعد انتخابي ولكن دون تحقيق أياً منها، وهو ما يجعل الناخب في محل تشكيك حول مآل ذلك الوعد والحال أن العملية الانتخابية مرتبطة بالثقة أساساً والثقة ليست كلمة هلامية بل يحققها الإطار المادي، فإذا قدمت لك الوعود وأخلفت وقدمت ثانياً وأخلفت، ستنكسر تلك الثقة بيننا ولا يمكن الحديث مجدداً عنها.
هناك أسباب أخرى للعزوف مرتبطة بالمنظومة السياسية والدستور والقوانين، كما أنها من أكبر المشكلات التي نعاني منها هو أن القانون الانتخابي لا يفرز أغلبية مريحة للحكم وبالتالي تجد الحزب الذي لديه أغلبية برلمانية لا يمكن أن يحكم لأنه مطالب بالقيام بتحالفات وفي ظل وجود أجساد متنافرة غير منسجمة مع بعضها غير قادرة على التحالف من أجل البناء نجد هذه النتائج السلبية.
ولو كنا في الفترة السابقة نجحنا في تغيير القانون الانتخابي الحالي، لكنا توجهنا إلى إقرار قانون جديد يعطي أغلبية للحكم، وهذه أهم النقاط الرئيسية في فشل المنظومة القديمة في إدارة الملفات وتنفيذ الاصلاحات إلى جانب أسباب أخرى تتعلق بعقلية الحوكمة، لكن الأهم أنه لا يوجد أي جهة لديها السلطة لتنفيذ الإصلاحات والقيام ببرنامج وتتحمل فيه مسؤوليتها، هذا كان غائباً، إذاً من الطبيعي أن نجد هذا العزوف من قبل الفئة الشابة خاصةً، اللذين لا يشعرون بوجودهم في وسط هذه المنظومة في البرلمان والمواقع القيادية، برغم أن القانون والبرلمان السابقين كان هناك تشجيعاً للفئة الشابة، ودائماً نذكر أنه لابد من إيلاء عنصر الكفاءة الأهمية الأكبر لأن مراكز القرار مسؤولية، والمشكلة ليس في الجندر.
ولا يجب أن ننسى أنّ المنظومة الحزبية يقودها كباراً في السنّ وحتى زعماء الأحزاب التاريخيين نجد أغلبهم فوق الـ 80 عاماً، أليس ذلك قتلاً لطموح الفئة الشابة حين تضع زعيماً لا يمثله في شكله وفكره وطريقة عيشه، فإذا كان بعض الزعماء يتمتعون بعصرهم وعصر غيرهم وكل الأجيال، كيف يمكن هنا تحفيز الفئة الشابة؟، صحيح أنّ ذلك الزعيم قد يمثل الخبرة والحنكة والرصانة لكن ذلك الشاب لا يمثله.
رسالتي للشباب والشابات أنّ ذلك العزوف مشكلة وتكريس لعقليات متجاوزة، رسالتي لهم ولهن لا لليأس واقبلوا على الحياة السياسية بفاعلية واتركوا بصمة، قاوموا من أجل أن تكونوا في مراكز القرار ومن أجل حسن اختيار من يقودكم، أعتبر أنّ غياب الشباب والشابات عن المشهد أضر واخل بالاختيار، لدينا ثقة بهم وبوعيهم.
هل تؤيدون طرق وآليات تنفيذ القانون عدد 58 لمجابهة العنف ضد النساء؟
القانون حتّى يطبّق يحتاج مسار والكثير من الوقت ويجب أن يدخل في ثقافتنا ويجري مجرى الدم حتى نتحدث عن فاعلية حقيقية، هذا القانون الذي يهم العديد من الوزارات يحتاج تنفيذه للوقت، لا أقول إنه يطبق كما يجب أو لا يطبق، لكن هناك محاولات لتنفيذه على أرض الواقع، هذا القانون الرائد الذي أدرج فيه العنف السياسي غير الموجود حتى في الصكوك الدولية وكانت تونس من أوّل الدول التي قدمت رسمياً مشروع إدراج العنف السياسي في الصكوك الدولية المتعلقة بالنساء على غرار اتفاقية سيداو والقرار الأممي 1325، وغيرها من الآليات الدولية لمناصرة النساء، بالتالي هذا القانون هو في حيز التنفيذ ولازال يتخلله بعض الإشكاليات ككل القوانين.
نحن نعرف أنّ قانون مناهضة العنف لديه خصوصية لاعتباره يهم الذات البشرية الإنسانية حيث أن القوانين المتعلقة بالبشر عادةً ما يكون تطبيقها ليس سهلاً والقوانين التي لديها طابع مجتمعي والتي لديها خلفية ثقافية والقوانين التي تستهدف تغيير السلوكيات، كلها قوانين يحتاج تنفيذها الفعال إلى سنوات طويلة، حيث أن تغيير المنوال السائد ليس أمراً بسيطاً ويتطلب صبراً وجهوداً كثيفة، ودائماً نذكر أن القانون وحده لا يكفي وهذه القوانين الشاملة كالقانون عدد 50 لمناهضة التمييز العنصري والقانون 58 لمناهضة العنف ضد النساء كلها قوانين شاملة بها إجراءات ينص عليها القانون وبها الطابع الزجري والحمائي والوقائي والتعويض، هذا إلى جانب أنها نحتت ملامح السياسة العمومية وكيف يجب أن تكون في علاقة بذلك الموضوع، ثم إنه مدرج ضمنها كيف يشارك المجتمع المتمثل في المجتمع المدني والإعلام، هذه القوانين تجد فيها تنصيصات على تشريك المجتمع المدني، وللسائل أن يسأل لماذا؟ لأنه من الصعب تغيير عقلية شخص بقانون وفصل وقاعدة قانونية، حيث يجب أن يكون هناك ديناميكية مجتمعية ومجتمع مدني يعمل على التوعية والتحسيس والتأطير وإعلام يثير القضايا، فحين تحدث حادثة عنف ويتداولها الإعلام بشكل مكثف ويفضح ذلك التصرف بتفاعل المثقف والشخص العادي وقادة الرأي، تلك الطريقة فقط لها تأثير على السلوك، العقوبة الجذري على أهميتها قد يفلت المعنف من العقاب ويقدر على تجاوز العقوبة بأي وسيلة، ولكن حين يتوجه المجتمع كله اتجاه مناهض حينها المعنف يفكر بدل المرة ألف قبل ارتكابه الجرم، حين يواجه بالوصم حينها فقط تتغير عقليته.
القانون بمفرده لا يمكن أن يكافح ظاهرة ويحد من نسبها، العمل على تغيير العقليات هو السبيل لمناهضة أي تصرف عدواني يمس النساء، وأيضا نؤكد أن تكوين الإدارات ذات صلة في مناهضة العنف وتنفيذ القانون 58 مهم جداً، حيث أنّ أول مكان تتجه له المرأة حين تعنف هو قوى الأمن، وهو يحتاج فترة للتكوين وفهم تلك الوضع، قد يكون ذلك الذي يعمل في مركز الأمن قد تربى في عائلة لا تعنف فيه المرأة ولم يشاهد مشاهد عنف في منزله فيستسهل العملية ولا يقدر أذى تلك الحالة أو العكس، أي يجب توعية وتثقيف من يعملون في مراكز الأمن والحماية، ليستطيعوا التعامل مع المعنفة ويوجهونها حين تلجأ إليهم دون تدخل واقناع بإرجاعها لمنزلها وما قد ينجر عن ذلك من كوارث.
أيام فقط تفصلنا عن الانتخابات التشريعية، ماذا تقولين للنساء في تونس؟
قبل كل شيء أعتبر أن الانتخاب حق وواجب علينا وهو إيمان يترسخ لدينا، أقول للنساء ونحن نختتم آخر أيام الحملة الدولية لمناهضة العنف ضد النساء، أن هناك عنف مسلط على النساء يجب أن نكون واعيات، أوقفوا العنف والتمييز على أساس أيديولوجي، نحن كلنا نساء نشترك في الخاصية الطبيعية وقد نختلف فكرياً وأيديولوجياً وعقائدياً، ولكن هذا لا يمنع أن نقف يداً واحدة لمناهضة التمييز والإقصاء، لأن في الاتحاد قوة وإلهام لجميع النساء، عنوان حملتي هذه المرة "أوقفوا العنف على أساس أيديولوجي وعقائدي وعرقي"، قد تعرضت كثيراً للتمييز العنصري والعنف الجندري وما يسمى بالتمييز التقاطعي، حان الوقت أن نوقف هذا النزيف من هذا العنف المركب حيث استهدف المرأة على أساس لونها وعقيدتها وعلى أساس أنها امرأة، هذا أخطر أنواع العنف الذي يجب الاتحاد لمحاربته.