برلمانية سابقة: يجب تصحيح المسار السياسي والاقتصادي على حد سواء

تتخوف النساء في تونس من قانون المالية للعام الحالي، وتؤكدن أنهن ستكنَّ أكبر المتضررات منه لاعتبارهن الفئة الهشة التي تمسّها كل الأزمات بشكل أو بآخر.

زهور المشرقي

تونس ـ أكدت النائبة البرلمانية السابقة ليلى الحداد، على أن التونسيات سيكون لهن الدور الأكبر في إخراج تونس من أزمتيها السياسية والاقتصادية.

انتقدت النائبة البرلمانية السابقة والحقوقية ليلى الحداد في حوار مع وكالتنا قانون المالية التونسي لعام 2023، ووصفته بالمجحف.

 

انتقادات لاذعة لقانون المالية لعام 2023 الذي وصفه الخبراء بالمجحف، هل تؤيدون هذه الانتقادات؟

كنت من بين أوائل الذين انتقدوا قانون المالية لعام 2023، لقد عبّرنا علناً عن موقفنا كونه قانون تقني جبائي بحت ارتفعت فيه نسبة الجباية تقريباً بنسبة 24% أي حوالي الثلث، كما رفع فيه الدعم عن المواطن التونسي الذي سيتضرر بشكل واضح، لذلك نعتبره مجحفاً وخطيراً على الوضع الاقتصادي في تونس، فقد غاب في القانون وجود أي استراتيجية لدعم الشعب التونسي، بل زاد من أعبائهم، لاعتبار أن 25 تموز كان موعداً من قبل التونسيين من أجل تغيير جذري لعشرية سوداء خاصة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي لكننا اليوم نجد نفس الأسلوب في القانون والاستراتيجيات الحكومية، لذلك نحن من بين المطالبين بتغيير هذه الحكومة التي جاءت في فترة استثنائية واتّخذت قرارات مجحفة بحق الشعب، ولم تغير من الوضع الاجتماعي والاقتصادي بل مست قفة المواطن نتيجة غلاء المعيشة وتدني المقدرة الشرائية واختفاء العديد من المواد الأساسية، وهذا دليل قاطع على فشل الحكومة في معالجة الملف الاقتصادي الذي يعتبر أبرز الملفات إلى جانب الملف السياسي، لا يكفي اليوم الإصلاح وتصحيح المسار سياسياً فقط بل من المهم تفعيل الإصلاح الاقتصادي.

هذه الحكومة يجب أن ترحل، لا يكفي أن تكون وزيراً بمؤهلات تكنوقراط بل يجب أن تكون حاملاً لرؤية سياسية واستراتيجية لأي وزارة تقودها، نريد حكومة تخرج المواطن من وضعه الحالي الصعب.

 

ما هي المواصفات التي ترون أنها يجب أن تتوفّر في الحكومة التونسية المقبلة؟

يجب أن تكون هناك حكومة سياسية تتكون من شخصيات لديها وعي سياسي بالإدارة لقيادة المرحلة الصعبة والدقيقة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، يجب أن تكون حاملة لرؤية وبلورة واضحة لمعالجة مختلف الأزمات لإخراج تونس من وضعها الراهن، ومن المهم أن تكون حكومة لديها منوال اقتصادي قوي لأننا حتى يومنا الراهن لازلنا نسير على نفس المنوال والمخططات السابقة اقتصادياً وهو منوال ليبرالي، وهذا ما أثر على الوضع الاجتماعي في بلد نسبة الفقر والبطالة فيه بلغت الـ 20%، وهي نسبة مرتفعة جداً فلم تكن الحكومات السابقة والحالية لديها مخطط لتقليص هذه النسب.

أما فيما يتعلق برؤية البرلمان المرتقب، نطمح أن يزداد عدد النواب لنكون صوتاً مؤثراً في المجلس بكتلة محترمة قادرة على ترك بصمتها من خلال القوانين التي يمكن أن تنهض بالبلاد، وبالرغم من أن بلادنا مساحتها صغيرة، إلا أنها تحوي على العديد من الثروات الطبيعية كالغاز والفوسفات والبترول، وحتى من القدرة البشرية لدينا كفاءات قادرة على الإصلاح ومساعدة البلاد للخروج من أزماتها، تلك الكفاءات الشابة القادرة على الضغط على مؤسسات الحكومة لتغيير منوال التنمية وخلق موارد أخرى، ولدينا العديد من المشاريع لتقديمها في البرلمان من أجل تغيير دور الحكومة الذي يجب أن يكون اجتماعياً.

 

هل كانت مقاطعة انتخابات البرلمان ناتجة عن الحملة التي أطلقتها الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والنسوي؟

صحيح أن نسبة الإقبال على الانتخابات التي بلغت 8.8% ثم ارتفعت إلى 11%، تعتبر ضعيفة ومخيّبة للآمال، إلا أننا لا نتحدث عن مقاطعة بل نتحدث عن عزوف من التونسيين، العديد من الأحزاب حاولت الركوب على الحدث واستغلال النسب للترويج بأن العزوف مقاطعة ناتجة عن دعواتهم لكن ذلك مجانباً للصواب وأكبر دليل أن احتجاجاتهم لم تكن بمؤشرات غفيرة بل كانت نسبة المشاركة ضئيلة ولم تتجاوز الـ 400 مواطن رغم كل الإمكانيات.

أما العزوف فأسبابه كثيرة من بينها أن الشعب التونسي سئم من الطبقة السياسية برمتها، ففي الفترة النيابية السابقة تم ترذيل البرلمان من قبل الأحزاب السياسية التي كانت موجودة في مجلس النواب، وتأرجح الترذيل بين الاعتداءات بالعنف والشتم وصراعات بين الأحزاب لم تكن لها أي علاقة بمطالب الشعب وقد خّيبت آمال التونسيين حينها وتركت صدى سيئاً، الشعب الذي كان ينتظر قرارات تغير مساره وواقعه بات شاهداً أمام العلن عن العنف والصراعات، تلك الفترة النيابية التي كانت بائسة جداً سرّبت نوع من اليأس للتونسيين فعزف عن الذهاب للإدلاء بصوته في الصندوق لاعتبار أن النائب في نظره لم يقدم له شيئاً، وهنا نتحدث عن انعدام الثقة في الطبقة السياسية بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي ألقى بظلاله على المواطن الذي وجه نفسه أمام ارتفاع كبير لكلفة العيش والغلاء الكبير في المواد الأساسية ورفع دعم تدريجي وبصمت على المواد الضرورية ما أثقل كاهل المواطن وزاد نسب العزوف في ممارسة حقه في الانتخاب،  لكن نذكر بأن المعارضة ركبت على هذه الأوضاع وسوقت لصورة فيها العديد من المغالطات.

 

بماذا تفسرون المشاركة الضعيفة للنساء في الانتخابات كناخبات ومنتخبات، وهل كان للقانون الانتخابي الذي نسف التناصف الأثر الكبير؟

القانون الانتخابي الجديد هو السبب المباشر في تراجع دور المرأة التونسية في الحياة السياسية وهذا يعني مرده الانتخاب على الأفراد، حيث أن هذه الطريقة لا يمكن أن تحقق المناصفة في دائرة انتخابية المرشحين فيها على الأفراد لا عبر قائمات، كنا في الانتخاب عبر القوائم من الممكن أن نشترط في القائمة المناصفة الأفقية والعمودية حتى تتمكن النساء من أن تكن لهن الفرصة في البرلمان لكن الانتخاب على الأفراد غير ذلك.

التراجع بدأ من عام 2014، حيث كانت نسبة النساء في البرلمان حوالي 35% ثم تراجعت في برلمان 2019 ووصلت إلى 23%، لتصل بهذا القانون وفق المؤشرات الأولية إلى نسبة 8% أو أقل، وهو مؤشر مزعج لاعتبار المكانة المرموقة التي تتمتع بها التونسية دولياً وإقليمياً خاصة في دفاعها عن مكاسب حازتها منذ مجلة الأحوال الشخصية إلى اليوم بنضالات شخصية، أصف غيابها في المشهد السياسي بعد كل النجاحات بأنه إهانة للحكومة التونسية قبل المرأة ورمزيتها ونضالها، هذا القانون الذي خلق التناصف على مستوى التزكيات فقط وكأن دور النساء يتمثل في تزكية المترشح الرجل لا غير، وتجد هي صعوبة في الترشح وممارسة حقها، لم يكن الترشح سهلاً على المرأة بسبب تلك الشروط، ولأن القوانين مع غياب الإرادة السياسية في تنقية الأجواء الانتخابية تؤدي بالأساس إلى عدم دخول المرأة تلك المغامرة في انتخابات فيها المال السياسي ودور العشيرة والقبيلة غاب وجودها، صحيح إننا غيّرنا على مستوى القوانين كتغيير القانون الانتخابي وجعلنا هناك عقوبات على مستوى الجرائم الانتخابية تصل إلى السجن ولكن لم يتم تنقية المناخ الانتخابي ولم تتغير عقلية التونسي الذي لازال محافظاً يفضل ترشح الرجل على المرأة، والأخيرة حين دخولها غمار الانتخابات في الدوائر الصغيرة خاصة تواجه صعوبات كبيرة على مستوى العشيرة، وبالتالي هذا ما جعل نسب الترشح ضعيفة وحتى من ترشحن من النساء لم تعطين الفرصة لصعودهن للدور الثاني إلا عدد ضئيل قد يتقلص في الدور الثاني إلى أقل من النصف، وهي انتكاسة كبيرة لدور المرأة التي كنا نعتقد أننا اثبتنا وجودها في صنع القرار ونناضل من أجل وجودها في الأمانات العامة للأحزاب السياسية وكوزيرات وفي السلطة التنفيذية والقضايا التشريعية.

 

هل من السهل تنقيح بعض فصول دستور 2022، وبأي شروط يمكن القيام بالإصلاحات؟

إن كل عمل بشري قابل للتصويب، لأنه يأتي في مكان وزمان معين وظروف وأسباب قد تتغير، أعتقد أن دستور 2022 بقدر ما جاء فيه من إيجابيات تجاوزت سلبيات دستور 2014، لكنه يحتوي على بعض النقاط التي يمكن  للأجيال القادمة أن تقوم بتنقيحها أو تغييرها بما يتناسب مع واقعها وظروفها وتطلعاتها لأن الدستور هو شريعة المجتمع ولسان حاله وجواز سفره لكل دول العالم، صحيح أن الدستور في توطئته كان كاملاً وشاملاً ومس كل الشرائح، لكن أرى أن بعض الفصول في زمن ما سيتم تنقيحها لأنها لا تتلاءم مع واقع تونس مستقبلاً. التنقيح ضروري لأي دستور، لكن للأسف دساتيرنا تُخاط على قياس رؤساءنا ومن يحكمنا.

ففي عام 2014 خيط الدستور على قياس المجلس التأسيسي واعتبر أن مجلس النواب هو من يتحكم في الحكومة، وبعد مسار 25 تموز، خلق عدم استقرار في الحكومات المتعاقبة أدى إلى عدد استقرار البلاد ومؤسساتها وعدم خلق التنمية لإخراج تونس من أزمة الديون.

إن الدستور مس دور المرأة التونسية في العديد من المجالات، وقد تم إقصائها من المشاركة في الانتخابات التشريعية بطريقة مبطنة، حيث اشترط عليها إما أن تختار أن تزاول عملها أو تغلق مكاتبها وتلتحق بالبرلمان ولا يمكن الجمع بين عملين، ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجد مجلس نواب شعب دون محامين وأساتذة قانون، من يشرع؟ من يصيغ القوانين؟،  فلا يمكن أن تجد لجنة مالية دون خبراء محاسبين، أعتقد أن قيمة مجلس النواب هو في قيمة نخبته ولا يمكن أن يتم إقصاء النخبة التي تكون قادرة على صياغة النصوص القانونية  وتقديم مشاريع ودراستها وتأويلها، وهي من بين الفصول التي وجب إعادة النظر فيها.

 

ما الدور الذي ستضطلع به النساء في المرحلة المقبلة الصعبة؟

أعتقد أن المرأة التونسية كان لها دوراً كبيراً في النهوض بتونس، فقد حققت العديد من المكتسبات بنضالاتها، للنساء دور ريادي في تونس عبر التاريخ فهن لن تهبن أحلك الفترات التي مرت بها بلادنا ووقفن سداً منيعاً ضد المخططات، متفائلة بأن تونس سيتم إنقاذها من الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه مختلف دول العالم، لكن التونسيات سيكون لهن الدور في إنقاذ بلادهن وإعادة بريقها دولياً.