أصوات نسائية: واقع حقوق وحريات النساء في تونس بات مهدداً ونحن في النفق المظلم
تجدّد النسويات في تونس الدعوة للعودة لدستور عام 2014، الذي ضمن حقوق النساء وأقر مبدأ التناصف والمساواة بين الجنسين.
زهور المشرقي
تونس ـ تستعد تونس لإجراء الانتخابات التشريعية غداً السبت 17 كانون الأول/ديسمبر، تزامناً مع عيد الثورة التونسية في ذكراها الثاني عشر، وسط استنكار من الوضع المعيشي المأساوي والانهيار الاقتصادي وتردي الأوضاع الاجتماعية وتراجع الحرية ومكتسبات النساء التي باتت مهددة وتثير مخاوف النسويات.
تراجعت المكتسبات النسوية مقارنةً بأول سنوات الثورة في تونس التي اندلعت عام 2010، حيث نُسفت أبرز الحقوق ولعلّ أهمها مبدأ التناصف الذي حُرمت منه النساء في الانتخابات الحالية، فضلاً عن غياب التشاركية في القرار واستثنائهن من الحوار للخروج من الأزمة الاجتماعية والسياسية، ما أثار الغضب النسوي.
وانتقدت الناشطة السياسية كوثر الخيشي خلال لقاء لها مع وكالتنا، ضعف إقبال النساء على الترشح في الانتخابات حيث لا يتجاوز الـ 214 ملف أي بنسبة 11% وهي أقل نسبة منذ عام 2011، معتبرةً أن هذا التراجع يعتبر نكسة حقيقية في حقوق ومكتسبات النساء.
ولفتت إلى أن الساحة السياسية يقودها من لا يؤمنون بقضايا النساء وقدراتهن وحرياتهن، مؤكدةً أن النساء هن من تتحملن نتائج كل الأزمات السياسية والاقتصادية ولم تأبه السلطات المتداولة على الحكم لذلك، داعيةً النساء إلى تكثيف الجهود من أجل النهوض بواقعهن بمفردهن بعد فقدان الأمل من السلطة القائمة.
وشددت على ضرورة الذهاب نحو حلحلة المآزق التي تمرّ بها تونس، مشيرةً إلى أن إنجاح المسار الحالي يتطلّب تكاثف مختلف الجهود من قبل كل المكونات دون إقصاء وتهميش للنساء.
وتوقّعت إقبالاً ضعيفاً من قبل النساء على الانتخابات خاصةً بعد الدعوات من الجمعيات النسوية والإصرار على المقاطعة كتعبير عن موقف نسوي رافض لهذا المسار ككل، مسار أقصى النساء وجعلهن مجرد أداة للوصول للسلطة.
وقارنت دستور عام 2014 بدستور آب/أغسطس 2022 مشيرةً إلى أن الأخير قضى نهائياً مكسب التناصف الأفقي في الهيئات المنتخبة لتتنصل الحكومة من مسؤوليتها في حماية حقوق المرأة "هذه الانتخابات لا تمثلني ولا تعبر عن طموحات التونسيات اللواتي عانين الأمرين طيلة عقد بعد الثورة، المرأة التي تلد وتبني نصف المجتمع وتربيه نجدها خارج الحسابات السياسية الضيقة التي تلهث وراء السلطة وتسعى لتحقيق مصالحها على حسابنا كنساء، لا يمكن أن أدعو النساء إلى التوجّه إلى مراكز الاقتراع ولا أمنعهن من ممارسة هذا الحق الدستوري، هن أحرار وواعيات، يا نساء بلادي لا تخشين شيء وأعطين صوتكن للأجدر".
وأكدت على أنه "هناك تخوف من انتخاب برلمان ذكوري لا يتماشى وطموحات النساء، لابد من التضامن النسوي لتغيير واقع التونسيات اللواتي تكابدن صعوبة الأوضاع الاقتصادية وتراجع مكتسباتهن وحقوقهن، نحن خائفون من تحويل تونس لدولة لا تؤمن بالحريات والحقوق".
من جانبها قالت الناشطة النسوية ورئيسة جمعية "هنَّ" إيمان الشريف، أن المشهد السياسي في تونس يتّسم بالضبابية وعدم الوضوح ما يثير مخاوف النساء من الإقبال على ممارسة حقهن في انتخاب من يمثلهن في البرلمان، متوقعة عدم إقدامهن على الإدلاء بأصواتهن، لا سيما بعد دعوات الجمعيات النسوية إلى مقاطعة الانتخابات التي همشت حضور النساء.
وتوقعت عزوفاً نسوياً غير مسبوق منذ عام 2011، ما يشير لوضعية مخيفة ستنعكس على حضور النساء في البرلمان القادم "هناك تخوف من هذه الانتخابات، لا شيء واضح والقادم ضبابي وغامض زاد الأمر سوءاً البرامج الانتخابية التي لا ترتبط بالواقع وتتكرر في كل مسار انتخابي، كلها برامج تتمحور حول ملف البطالة ومحاربة الفقر واللامساواة، يعني شعارات فضفاضة دون استراتيجيات حقيقية وواقعية تقدم الحلول للتونسيين الذين سئموا هذا الوضع الصعب والمتردي، لا شيء يبشر بإصلاحات حقيقية وهو ما يترجم ربما مقاطعة النساء".
واعتبرت إيمان الشريف أن دور المرأة في المجال السياسي بات ينحصر ضمن الحسابات الحزبية والسلطوية الضيقة بعيداً عن التمكين الحقيقي لها لدفعها نحو المشاركة الفاعلة والحية في مراكز القرار على غرار التمركز في البرلمان، منتقدة القانون الانتخابي عدد 55 الذي قضى على التناصف ووسّم النساء كقوة انتخابية تنتخب ولا أهمية لوجودها في مجلس نواب الشعب.
وأكدت أن سياسة الإقصاء التي جاءت الثورة لتقطع معها استهدفت النساء بدرجة أولى لاعتبارهن الفئة الأكثر هشاشة واستغلال من قبل القوى السياسية الذكورية "إقصاء النساء هو إقصاء لنصف المجتمع وهو فشل للانتخابات وللمجلس القادم، لا يمكن أن يمثلنا ويتكلم بلساننا مجلس ذكوري، هم لا يفقهون ما تعانيه النساء يومياً في تونس ولن يفلحوا في إيصال قضايانا لسن التشريعات والقوانين التي من الممكن أن تغير واقعنا وتقطع مع تلك العقلية الأبوية المستبدة، غياب التناصف والعدالة وبالتالي تغييب النساء سيغيب معها الرؤية النسوية التقدمية الحاملة لقضية منفردة"، متسائلةً "كيف سيكون هذا البرلمان دون نساء؟".
وأوضحت أنه "بالرغم من حاجة بلادنا اليوم لنا جميعاً ولأصواتنا لإنقاذها والخروج لبر الأمان، لكن ما قام به القانون الانتخابي جلب الخوف لنا كنساء ووضعنا أمام نفق مظلم لا نعرف كيفية الخروج منه، بالتالي جعلنا في حيرة من هذا المسار الذي لا نعرف إلى أين سيحمل تونس ويحملنا، متخوفات من نتائج الانتخابات وما بعدها، الغموض يرعبنا كنساء".
وانتقدت البرامج الانتخابية المعلقة على جدران الشوارع والتي تتناول نفس المواضيع من مترشحين غير معروفين الانتماء، وغير مطلعين على الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد، مشددةً على أنه من الظلم أن ينتخب التونسي نائباً لا يتمتع بالحنكة السياسية ولا الخبرة في تسيير خطة مهمة سترسم مستقبل البلد.
وأشارت إلى أن البلاد اليوم بحاجة إلى نواب نساء ورجال ذوي خبرة بعيداً عن المحاباة والحسابات السياسية التي حملت البلاد إلى الإفلاس والدمار.
ووفق إيمان الشريف فإن المثير للتخوف ذلك الانتقال في الانتخابات من نظام الاقتراع على القوائم بنظام النسبية في دورة واحدة، إلى نظام الاقتراع على الأفراد على دورتين مع تحديد الدوائر الانتخابية وإعادة تقسيمها على حساب النظام الجديد، فضلاً عن تقليص عدد المقاعد في مجلس نواب الشعب من 217 إلى 161 مقعداً.
وتطرقت إلى أهمية تكوين المترشحين في الانتخابات قبل سنوات لضمان حسن تسيير جيد للبرلمان خاصةً بعد تجربة سنوات مع برلمانات كانت حلبة مصارعة ومقر لممارسة العنف اللفظي والسياسي بين النواب وكان النصيب الأبرز للنائبات، مؤكدةً أن الجهل بأبجديات العمل البرلماني قد يودي بالبلاد إلى كارثة أخرى مضاعفة لتلك التي تعانيها تونس اليوم.
ودعت النساء إلى تحكيم العقل في صورة المشاركة في انتخاب البرلمان والابتعاد عن العاطفة في الاختيار لأن هذا الاختيار سيحدد مسار تونس لخمس سنوات كاملة.