أصداء خطة ترامب في غزة بين الأمل الحذر والرفض المؤلم

هل تُنقذ خطة ترامب الجديدة للسلام ما تبقى من الحياة في غزة، أم أنها مجرد ورقة سياسية تضاف إلى أرشيف المبادرات المعلّقة؟

نغم كراجة

غزة ـ في 29 أيلول/سبتمبر الفائت، عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليقدم خطة جديدة للسلام من أجل غزة، خطة وُصفت بأنها الأكثر طموحاً منذ إعلان ما سُمي بـ "صفقة القرن" عام 2020، هذه الخطة طرحت ضمن إطار متخمّ بالعنف والتهجير، إذ جاءت وسط حرب مدمرة في قطاع غزة، ودماء تسيل بلا توقف، وبنى تحتية منهارة، ونازحين يتكدسون في مخيمات ومخارج طرق مغلقة.

أعلن القائمون على الخطة عن محاور رئيسية تهدف إلى وقف فوري لإطلاق النار، تبادل للأسرى والرهائن، انسحاب إسرائيلي تدريجي، عملية تستهدف تفكيك البنى العسكرية للفصائل، إنشاء إدارة انتقالية فلسطينية "فنية" تحت إشراف دولي، نشر قوة دولية للاستقرار، وخطة لإعادة إعمار شاملة تموّلها دول مانحة، مع آليات مراقبة ومساءلة دولية.

لكن هذه البنود، ورغم ما تحمل من وعود، وُضعت في سياق غامض من حيث الضمانات والآليات وتوقيت التنفيذ، وبرز السؤال على الأرض: هل تُنقذ هذه الخطة ما تبقّى من بشر في غزة أم أنها ستعزّز هيمنة خارجية على القرار الفلسطيني؟

قبل الخوض في ردود الأفعال، يجب أن نفهم المشهد الميداني الذي يسبق كل حديث سياسي، نزوح قسري بأوامر من القوات الإسرائيلية من الشمال إلى الجنوب، إغلاق شارع "الرشيد الحيوي"، استهداف قوافل النازحين ومن بينهم نساء وأطفال، قصف متواصل للمستشفيات ومحطات التحلية ومخيمات الإيواء، وجوع وعطش يتسللان إلى أحياء أقرب إلى الموت من الحياة.

في ظل هذا المشهد، تبدو لغة السياسة ناقصة أمام صوت الأمهات والجرحى والأطفال؛ لذلك جاء حديث ثلاث ناشطات من غزة ليضع الإنسان في موقع التحليل لا المصطلح السياسي.

 

 

"يهمنا إنقاذ ما تبقى من سكان غزة"

تقول الناشطة سلفيا حسن، بصوت مُثقل لما رأته من معاناة "نحن لا نعلم من الغاية، هل هي إنقاذ ما تبقّى من الشعب الفلسطيني أو إنقاذ جانب دولة الاحتلال؟ ما يعنينا كمواطنين في قطاع غزة هو إنهاء الحرب ووقف الإبادة، لا يهمنا ما يترتب على تنفيذ خطة ترامب، بل الأهم هو سلامة ما تبقّى من السكان الذين من المفترض أن يكونوا على سلّم الأولوية".

وأضافت "ربما يجب القول نعم للخطة لكن مع بعض التعديلات دون الدخول في مسار المفاوضات الذي يؤدي إلى مزيد من القتل والتدمير، في هذه اللحظة بالذات يُغلق شارع الرشيد، يُهجّر الناس، تُستهدف المستشفيات والنازحون، ويُقتل الأفراد وهم جياع وعطشى. لا معنى لأي حديث سياسي أمام هذا المشهد؛ الدم الفلسطيني أهم من كل الأحزاب والأطياف".

 

"قد تكون الخطة الملجأ الوحيد"

فيما تضع الناشطة صابرين الحرازين الموقف في إطارٍ آخر، قائلة إن الخطة "جاءت في وقت الشعب الفلسطيني فيه مستنزف ومنهك من القصف والدمار والخراب"، مشيرةً إلى ازدواجية الموقف "إذا كان المواطن الفلسطيني يؤيد هذه الخطة، فهو من منظور وقف مسلسل التهجير القسري والدم، فالخطة المطروحة سلاح ذو حدين، اتجاه إيجابي قد يُوقف الحرب ويعيد الإعمار ويفتح الطريق نحو الدولة الفلسطينية، واتجاه خطير يُعيدنا مئة سنة إلى الوراء ".

 

تجمع بين مصالح الغرب والأمريكان

من جهتها، تلخّص الناشطة نيللي المصري المأزق بوضوح "خطة ترامب في مضمونها تجمع بين مصالح الغرب والأمريكان في غزة، نحن بأمسّ الحاجة لوقف الحرب وشلال الدم رغم إدراكنا أن الخطة الأمريكية سندفع ثمنها باهظاً، قبول هذه الخطة صعب، ورفضها أصعب"، عبارة قصيرة لكنها تحمل ثقل الواقع لا خيارات آمنة، وكل خيار يحمل ثمناً بشرياً وسياسياً كبيراً.

فيما يخص تفاصيل الخطة نفسها، فإنها على الورق تُقدَّم كحزمة متكاملة: تقضي بوقف فوري لإطلاق النار مقابل قبول الطرفين، وتضع آلية لتبادل الأسرى والرهائن مع التزام إسرائيلي بإطلاق سراح أعداد من المعتقلين الفلسطينيين، وتعد بانسحاب إسرائيلي تدريجي من داخل القطاع مع إبقاء وجود أمني في محيطات محددة، وتؤسس لمرحلة تهدف إلى تفكيك البنى العسكرية للفصائل تحت إشراف دولي، إضافة إلى إنشاء إدارة انتقالية يُفترض أن يقودها فلسطينيون "فنيون" تحت رقابة مجلس سلام دولي، ونشر قوة استقرار دولية لضمان بيئة أمنية أولية، وتضمّن الخطة برامج لإعادة إعمار شاملة تشمل المياه والكهرباء والمستشفيات والبنية التحتية الاقتصادية، مع آليات رقابية دولية ووعود بتمويل من دول مانحة.

 

 

كما تضع إطاراً لمسار سياسي لاحق لإعادة تمكين مؤسسات فلسطينية وربما استئناف الحديث عن حل الدولتين لاحقاً، لكن هذه الحزمة التعويضية لم تحوِّل الغموض في آليات التنفيذ والجدول الزمني والضمانات إلى يقين عملي، مما يترك مساحة كبيرة للتأويل والخوف من استغلال بنود الأمن والرقابة لتحجيم الحقوق ومصادرة القرار المحلي.

أمام هذا الواقع والخيارات المحدودة، تظهر بوضوح قناعة عامة لدى الناشطين والمدنيين في غزة: أي خطة لن تكون ذات معنى ما لم تُسْبق بإجراء عملي لوقف القتل فوراً، وتأمين الممرات الإنسانية والوقوف بحزمٍ أمام أي محاولات تهجير قسري أو فرض إدارة مُملاة من الخارج، المؤيدون للخطة يرون فيها فرصة لوقف الدم وبدء إعادة الإعمار، بينما يخشى المعارضون أن تتحول إلى آلية لإعادة تشكيل السيطرة بغطاء دولي.

في الشوارع المدمرة بمخيمات النزوح ومشافي الطوارئ، لا تكاد تسمع إلا صيحة واحدة تتكرر "أوقفوا القتل الآن"، في النهاية يبقى السؤال المصيري هل ستنقذ خطة ترامب ما تبقى من بشر في غزة، أم ستضيف فصلاً جديداً إلى المأساة؟