آمال العدواني: مشاركة النساء في الانتخابات التشريعية هي الأضعف في تاريخ تونس

كانت نسبة مشاركة النساء في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها تونس في 17 كانون الأول/ديسمبر 2022، بمثابة العقاب للطبقة السياسية الحالية، خاصة مع قانون انتخابي نسف مبدأ التناصف وغيب النساء.

زهور المشرقي

تونس ـ لا تزال الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية تصر على أن ضعف نسبة التصويت في الانتخابات الأخيرة يعود إلى غياب وجود دعاية انتخابية مدفوعة والنظام الانتخابي الجديد الذي لم يتقبله التونسيون، في وقت تصر الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات النسوية والحقوقية على أن هذا الضعف هو نتيجة حتمية لمسار سياسي بني على الاقصاء واستبعاد الفعاليات السياسية والمعارضة، وتشدد على أن هذا العزوف هو رسالة من التونسيين/ات تفيد بأنهم لم يقبلوا هذا المسار الذي دفع إلى الجوع وانهيار البلاد اقتصادياً.

نتائج الانتخابات التي لم تتعدى فيها نسبة مشاركة النساء الـ 5% كانت مناسبة لتجديد الدعوة لإقامة حوار وطني وتشكيل حكومة كفاءات اقتصادية تُسير البلاد إلى حين تنظيم انتخابات مبكرة. وأكدت الناشطة السياسية والحقوقية، آمال العدواني، في حوار مع وكالتنا، أن الوضع الذي يتسم بالغموض لا يمكن أن يستمر على هذا الحال، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة. واعتبرت أن عزوف النساء عن الاقتراع والترشح هو رسالة واضحة للطبقة السياسية الحالية التي لم تعترف بهن وأقصتهن بطريقة ممنهجة.

 

كيف تصفين المشهد السياسي الحالي في تونس بعد الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد؟

يتسم المشهد السياسي الحالي في تونس بالغموض دون وجود آفاق مفتوحة مع وجود تخبط في الحياة السياسية بتونس، خاصة بعد التغيير الكبير للأحزاب والمجتمع المدني، التي تعتبر الأجسام الوسيطة بين المواطن والسلطة، وغيبت بشكل كبير ولافت في الانتخابات البرلمانية التي عاشتها تونس، مسائل تترك حيرة في مخيلة التونسيين/ات حول ماهية من يمثل الشعب في مجلس النواب، فالمواطن وجد نفسه حائراً في اختياره لمن يمثله فأغلب المترشحين عن دائرته لا يعرفهم، ما يمكن قوله هو أن المشهد غير واضح ومثير للريبة.

 

ما تقييمك لمشاركة النساء في الانتخابات والتي لم تتجاوز الـ 5 بالمئة؟

يمكن اعتبار أن هذه المشاركة هي الأضعف في تاريخ تونس منذ الاستقلال إلى اليوم، وهذا ناتج عن القانون الانتخابي الجديد والذي حدد نسبة وجود النساء في البرلمان، سابقاً كانت الأحزاب السياسية مشاركة بنسبة كبيرة وكانت داعمة لتمركز النساء سواء بالانتخاب كناخبات أو الترشح كنائبات اعتماداً على مبدأ التناصف الأفقي والعمودي الذي يفرض وجود امرأة ورجل بالتعادل، لكن القانون الانتخابي الحالي أقصى النساء بفرضه تلك الشروط المجحفة للترشح من بينها التزكيات التي يصعب توفيرها خاصة مع فرض400 شخص 200 امرأة و200رجل نصفهم من الشباب أقل من 35 عام، وهي شروط عقدت عملية الترشح وصعبتها؛ مثلاً المرأة الريفية من المستحيل أن تتمكن من توفير تلك التزكيات في ظرف وجيز حدده القانون الانتخابي، لم يأخذ ذلك القانون العديد من الاعتبارات التي من شأنها أن تمنع النساء من تحصيل التزكيات وتمويل الحملة بعد أن تم الاستغناء عن المال العمومي لتمويل الحملات، القانون الانتخابي أقصى النساء بطريقة ممنهجة وحرم المرأة من البرلمان لإيصال صوتها وصوت ملايين النساء في كل الجمهورية التونسية، وحتى بعد الدورة الثانية من الانتخابات الشهر المقبل سنجد تمثيلية ضعيفة جداً للنساء في البرلمان اللواتي وجدن أنفسهن مقصيات من ممارسة العمل السياسي والحزبي ومن تقرير مصير البلاد، ولا ننسى أن مليون امرأة في انتخابات 2014 هي من غيرت المشهد السياسي بانتخاب الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وكان وجودها فاعلاً وفعالاً، وترأسن لجان مهمة في البرلمان، برغم بعض الاحترازات على البرلمانات السابقة، كانت المرأة متمركزة بقوة عكس الوضع الآن.

أعتبر عزوف النساء عن المشاركة في عملية الاقتراع رد على القانون الانتخابي والمشروع الإنتخابي والمسار السياسي الموجود، وهي رسالة وجب أن يتلقفها كل السياسيين لفهم أن مدى وعي النساء في تونس قد يبلغ مرحلة معاقبة الطبقة كاملة، ورسالتي لهن أن يواصلن النضال من أجل بلدهن ومستقبلهن فيه.

 

منذ 2011 ومع مختلف الاستحقاقات الانتخابية لم تسجل تونس تراجعاً في نسبة الإقبال على التصويت بهذا الشكل كما اليوم 8%، كيف تقرئين هذا العزوف غير المسبوق؟

منذ 2011 لم تتراجع نسب التصويت في مختلف الانتخابات إلى هذا الحد 8،8%وحتى عالمياً لم تحدث في أي دولة، أرى أن السبب الأول وراء هذا العزوف واضح ويتمثل في فقدان الثقة في الطبقة السياسية الحالية سواءً أحزاب أو مستقلين أو ممثلين في مجلس النواب، ثانياً لا ننسى أن هذا العزوف كان سبباً مباشراً لدعوة قامت بها الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بمقاطعة الانتخابات وقد التزمت القواعد بتلك النداءات على غرار الحزب الدستوري الحر الذي دعا علنا إلى مقاطعة المسار كامل، واقتنعت القواعد بذلك ولبت دعوة عدم المشاركة بالتصويت، فضلاً عن عدم معرفة التونسيين بالمترشحين وبرامجهم الانتخابية التي لوحظ أنها متشابهة.

التونسي من الصعب بعد ما حدث في البرلمانات السابقة أن يعطي ثقته مجدداً، خلال الخمس سنوات المقبلة، وأن يسلم مصير بلد لأشخاص لا يعرفهم ولم يقتنع ببرنامجهم، هذا دون أن ننسى تغيير الدوائر الانتخابية حيث وجد التونسي نفسه حائراً لا يعرف من يمثله في تلك الدائرة، في وقت كانت الدوائر سابقاً واضحة وكل ناخب يعرف المترشحين عن تلك المنطقة والحزب المترشح، وحتى إن غابت البرامج سابقاً كان الناخب يعرف أنه ينتخب توجه حزبي معين يمثله، لكن هذه الانتخابات فإن التصويت على الأفراد بطريقة فردانية شوشت على الناخب وهمشته وجعلته عازفاً عن المشاركة.

 

اليوم تطالب العديد من الأطراف السياسية القيام بحوار وطني تنتج عنه حكومة مصغرة تسير المرحلة الانتقالية إلى حين القيام بالانتخابات، هل من السهل في هذه الظروف القيام بهذا السيناريو؟

تونس اليوم أمام مصير مجهول وجميعنا نعلم أنه لا يمكن تجاوز الأزمة الخانقة إلا بالحوار والتفاوض بعيداً عن التعنت، لابد أن تلتف جميع المكونات السياسية والناشطين والناشطات من أجل إنقاذ البلد إلى أنه طيلة عقد كامل هناك أطراف دفعت بهذا الخراب والإفلاس، هناك أطراف يجب محاسبتها أولاً لتنقية المناخ الانتخابي، والقانون الإنتخابي الذي وجب تنقيحه أو تغييره قبل الذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها بمعايير دولية تعطي للجميع أحقية الترشح دون إقصاء وتسمح للأحزاب السياسية باعتبارها الوسيط بين المواطن والسلطة بالمشاركة والعودة لاحتكام الصندوق باعتبارها الحل الوحيد بعيداً عن أي آلية أخرى.

لا بد من بناء مسار سياسي جديد يحتكم للصندوق لا غير، وتنتج عنه انتخابات نزيهة وشفافة تعيد البلاد إلى مسارها الصحيح، وحتى الانتخابات الرئاسية وجب تنظيمها، يعني أننا أمام حلين، إما العودة إلى القانون الانتخابي القديم أو تنظيم انتخابات سابقة لأوانها لوضع البلاد على الطريق الصحيح.

اليوم نحن أمام دعوة ملحة وبحاجة لحكومة طوارئ اقتصادية وتكون مهمتها إنقاذ الوضع وتحسين المعيشة والمقدرة الشرائية التي انهارت بسبب غلاء الأسعار، هذه الدعوة مهمة خاصة قبل المصادقة وتحضير قانون المالية للعام المقبل.

 

ختاماً أمام هذا الوضع الصعب، أين يكمن دور المرأة التونسية في المرحلة المقبلة؟

دور المرأة يتجلى أولا من خلال الاختيار، حيث نعلم أنها حين تصل صندوق الاقتراع كقوة انتخابية مؤثرة ستغير الواقع، خاصة حين تجد من يمثلها فعلاً بعيداً عن الوعود الانتخابية الزائفة، هي واعية ويمكن التعويل عليها في الانتخاب وأيضاً في صورة وجودها في البرلمان لسن قوانين وتشريعات تنهض بالبلاد وواقع النساء، لدينا ثقة في التونسيات لتغيير وجهة التمشي السياسي الموجود في تونس لإنقاذ بلدها.