'التمثيل النسائي في سوريا بين الواقع الثوري والعقلية المتطرفة'
أكدت مزكين خليل نائبة الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في مقاطعة الفرات، أن انتخابات مجلس الشعب السوري جرت في ظل غياب الشفافية وإقصاء النساء، معتبرةً أن تمكين المرأة سياسياً شرط أساسي لبناء سوريا ديمقراطية.

برجم جودي
كوباني ـ في انتخابات مجلس الشعب السوري التي جرت في 5 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، مثلت النساء في الهيئات الناخبة نسبة 20%، ومع ذلك لم تفز سوى 4٪ من المرشحات من أصل 210 مقاعد، ما يعكس التدني الفعلي للتمثيل النسائي.
أجرت الحكومة السورية المؤقتة انتخابات مجلس الشعب، حيث شُكّل المجلس من 210 أعضاء، جرى اختيار 119 شخص من اللجان المحلية والهيئات الانتخابية.
وفي هذا السياق، عبّرت نائبة الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في مقاطعة الفرات بإقليم شمال وشرق سوريا، مزكين خليل، عن موقفها من مشاركة النساء في الانتخابات، كما ربطت بين مستوى مشاركتهن في العملية الانتخابية وبين التحديات التي تواجه سوريا، معتبرة أن تمكين النساء سياسياً يشكل خطوة نحو تجاوز الأزمة الراهنة.
ووصفت تشكيل الحكومة السورية المؤقتة بأنه "مؤامرة"، معتبرةً أن البلاد تمر بمرحلة معقدة وحساسة "سوريا تعيش حالياً وضعاً مضطرباً ومليئاً بالتحديات، ففي الثامن من كانون الأول 2024، شهدت البلاد تحولات كبيرة أدت إلى انهيار النظام السوري السابق".
ولفتت إلى أنه "هناك العديد من القوى الفاعلة في سوريا تسعى إلى بناء نفوذ واسع داخل المجتمع، وبعد 14 عاماً من الفوضى، كانت هناك آمال بتحقيق أهداف الثورة، للأسف وقعت البلاد مجدداً في دوامة التبعية، وازدادت حالة الفوضى، ولا شك أن هذا الواقع يعكس نفسه على التوازنات والمصالح في منطقة الشرق الأوسط، إلى درجة يمكن فيها اعتبار تشكيل الحكومة الحالية محاولة للهيمنة تُصنف كمؤامرة".
الحكومة السورية المؤقتة تحت مجهر النقد
وواصلت مزكين خليل عرض رؤيتها بالتأكيد على أن مستقبل سوريا يواجه حالة من الغموض والقلق، مشيرةً إلى أن الحديث عن الاستقرار والأمان في البلاد بات أمراً صعباً في ظل الظروف الراهنة، متسائلةً "لماذا يبدو الوضع على هذا النحو؟ لأن هناك العديد من القوى والتنظيمات داخل سوريا لا تنتمي إلى الشعب السوري، بل هي جهات أجنبية تتدخل في تقرير مصير البلاد".
وأضافت أن "سوريا انتقلت من نظام استبدادي إلى واقع تهيمن عليه الجماعات الجهادية، حيث تصاعدت أعداد التنظيمات الراديكالية والمتطرفة"، معتبرةً أن هذا التحول الخطير جعل مستقبل الشعب السوري محفوفاً بالمخاطر والضبابية "هل يمكن لسوريا أن تتجه نحو الاستقرار في ظل قيادة عنصرية وطائفية ودينية؟ إنه سؤال يصعب الإجابة عليه بسهولة".
ووصفت مزكين خليل عملية إعادة بناء سوريا بأنها تجري في ظل "وضع غير قانوني"، مشيرةً إلى أن "الأزمة السورية بدأت بمحاولة إسقاط نظام البعث، لكنها انحرفت عن مسارها لتنتج نظاماً أكثر سوءاً وتخلفاً، وأن إعادة تشكيل سوريا كان من المفترض أن يستند إلى القرار الدولي رقم 2254، الذي ينص على تحقيق العدالة الانتقالية وبناء دولة على أسس قانونية ودستورية".
وأضافت "هذا المسار لم يُنفذ حتى الآن، حيث يتم تجاهل الدستور الأساسي وتأجيل الانتخابات الرئاسية، مما أدى إلى غياب القانون والمعايير الدولية عن المشهد السوري، لذلك سوريا اليوم تعيش في حالة من الفوضى القانونية، حيث تُبنى القرارات بعيداً عن الشرعية الدولية والمؤسسات الدستورية".
"نرفض هذه الانتخابات ونطالب بتمثيل حقيقي"
"افتقرت إلى الأسس الديمقراطية والشفافية، حيث أن الظروف لم تكن مهيأة لإجراء انتخابات حقيقية تعبّر عن إرادة الشعب" بحسب تقييم مزكين خليل للانتخابات البرلمانية الأخيرة، لافتةً إلى أنه "رغم أن الاسم الرسمي هو مجلس الشعب إلا أن إرادة المواطنين وتمثيلهم غابا عن هذه العملية، حيث تم تعيين رئيس الحكومة من بين عدد كبير من المرشحين أو أعضاء المجلس، دون أن يكون ذلك نابعاً من اختيار شعبي مباشر".
وبيّنت أن تعقيدات الوضع السوري كانت توحي بإمكانية تأجيل الانتخابات، لكن ما حدث كان مفاجئاً، إذ أُجريت الانتخابات فعلياً، مع استبعاد ثلاث مدن بحجة عدم استقرار وضعها الأمني، ما يثير تساؤلات حول مدى جدية العملية الانتخابية ومصداقيتها.
وانتقدت الانتخابات الأخيرة معتبرة أنها جرت خارج إطار الحقوق والمعايير "نحن في تنسيق المرأة ضمن الإدارة الذاتية نرى أن هذه الانتخابات لا تعكس إرادة النساء، لذلك يجب على الجهات المعنية بالملف السوري أن تتعامل بجدية مع هذه القضية، وأن تعمل على صياغة دستور وحكومة وبرلمان جديد يضمن مشاركة النساء وآرائهن في صلب العملية السياسية، بهذه الطريقة فقط يمكن الحديث عن مستقبل سوريا ونجاحها".
وعبّرت مزكين خليل عن رفض نساء إقليم شمال وشرق سوريا لهذه الانتخابات، مؤكدةً أنهن ينظرن إليها من منظور مختلف ويملكن موقفاً واضحاً منها "نقيم هذه الانتخابات برؤية مغايرة، ولدينا موقف مستقل تجاهها".
وفي سياق حديثها سلطت الضوء على الدور الريادي الذي تلعبه النساء في مناطق الإدارة الذاتية، مشيرةً إلى أنهن قدمن نموذجاً ثورياً مميزاً وكنّ في طليعة النضال على مختلف المستويات "النساء في هذه المناطق حققن إنجازات كبيرة، وشاركن بفعالية في جميع مجالات الحياة، بفضل بيئة مهيأة من قبل النساء أنفسهن"، مؤكدةً أن نسبة تمثيل النساء في مؤسسات الإدارة الذاتية تبلغ 50%، ما يعكس حضوراً قوياً ومؤثراً في صنع القرار السياسي والاجتماعي.
"لا مستقبل لسوريا دون مشاركة النساء في صنع القرار"
وحذرت مزكين خليل من أن "نهج الحكومة السورية المؤقتة يُمثل تهديداً كبيراً لمستقبل المرأة السورية"، مشيرة إلى أن الانتخابات الأخيرة كشفت عن غياب واضح للنساء في تشكيلة الحكومة واللجان الجديدة، حيث أن القلة القليلة منهن يعملن في خدمة السلطة وليس في تمثيل إرادة النساء".
وأكدت "كنساء إقليم شمال وشرق سوريا ننظر إلى هذا الواقع برؤية مختلفة، ونعتبره تهديداً حقيقياً لهوية المرأة ووجودها ودورها في المجتمع"، مشيرةً إلى أن تحديد نسبة مشاركة النساء بـ 20٪ في الانتخابات يدخل ضمن إطار الإقصاء، ويعكس استمرار محاولات تهميش المرأة وحصر مستقبلها داخل حدود مغلقة، وكأنها تُدفع مجدداً إلى زاوية ضيقة بعيداً عن المشاركة الفاعلة في تقرير مصيرها.
في السياق ذاته، شددت على ضرورة أن يكون حضور المرأة في مراكز صنع القرار حضوراً حقيقياً لا شكلياً "نؤمن بأن جوهر المرأة ودورها وهويتها يجب أن تكون جزءاً أساسياً من بنية النظام السياسي، وأن يُبنى نظام يحمي حقوقها ويصون مكانتها، فهذا هو هدفنا".
وأضافت أن "بعد سنوات طويلة من القمع والاستبداد والتهميش، لا يمكن القبول بتجاهل واقع النساء في عملية بناء سوريا الجديدة، مؤكدةً أن أي مشروع سياسي لا يضع قضية المرأة في صلب أولوياته، هو مشروع ناقص لا يعكس تطلعات المجتمع السوري نحو العدالة والمساواة".
وقالت مزكين خليل "نحن مصرّات على بناء مستقبل ديمقراطي وحر للنساء"، مؤكدة أن نضال النساء في إقليم شمال وشرق سوريا، بما في ذلك نضالهن ضمن الإدارة الذاتية يستند إلى مبادئ العدالة والمساواة، ويهدف إلى بناء سوريا ديمقراطية لا مركزية تضمن حقوق المرأة وتُعزز حضورها.
وشددت على أن هذا ليس مجرد جهد عابر "بل هو نضال مستمر نتمسك به من أجل ترسيخ وجود المرأة بشكل عادل وديمقراطي في سوريا، لذلك نطالب بأن تكون النساء جزءاً أساسياً في مراكز صنع القرار، وهذا حق لا نقبل التنازل عنه".