النسوية في العراق... حركة تحررية متهمة "بتخريب المجتمع" ولا قانون يحميها
يُنظر إلى النسوية في العراق على أنها تهدد التقاليد أو الأعراف الاجتماعية، مما يؤدي لوصفها بالتخريب من قبل بعض الأفراد أو الجماعات، لكن من المهم فهم أن الهدف من الحركة النسوية هو تحسين ظروف النساء وتعزيز حقوقهن.

أفراح شوقي
باريس ـ لا تزال الحركات النسوية في العالم العربي تواجه اعتراضات وتحديات معلنة وغير معلنة، فرضتها النظم السياسية أولاً والاعراف الاجتماعية السائدة وكذلك وسائل الإعلام والمنصات التي لم تنصف الكثير من المصطلحات المرافقة لها وأهمها مصطلح "النسوية" الذي شاع استخدامه مؤخراً وشابه الكثير من التشويه في تفسيره والاتهامات الباطلة وغير العادلة أيضاً.
لقد وُصفت النسويات بأنهن عدوانيات ومعقدات، وأنهن يكرهن جميع الرجال، وأن أفكارهن تؤدي إلى تدمير القيم والأخلاق، وأن حرية المرأة تتجلى في تعرية جسدها، كما زُعم أن النسويات يعادين الدين وأن أفكارهن تتعارض مع الإسلام. فما مدى صحة هذه الادعاءات؟
انسام سلمان رئيسة منظمة "ايسن" لحقوق الإنسان والتنمية المستدامة وناشطة مدنية، قالت إن العديد من النسويات المدافعات عن حقوق الإنسان تعرضن إلى تهديدات مباشرة وغير مباشرة من المجتمع ومن المؤسسات الحكومية أيضاً، وكذلك تعرضن إلى هجمات إلكترونية ومحاسبتهن في أماكن عملهن أيضاً حول توجهاتهن الفكرية في الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة خصوصاً في العراق، إذ تتصاعد خطابات الكراهية في مواقع التواصل الافتراضي دون وجود ردع قانوني يحمي النساء من تلك الانتهاكات.
وأضافت "المتصفح لمواقع التواصل الافتراضي اليوم يشهد تزايداً في التنمر ضد النساء الناشطات والتشويه المتعمد لصورتهن وتوصيفهن بأنهن متطرفات، وتردن خراب بيوت الناس، وسبب لطلاق المتزوجات وتفكيك الأسرة والعديد من الاتهامات الأخرة"، مشيرةً إلى أن "هناك تزايداً في حالات القتل ضد النساء بسبب فجوات في القانون العراقي وعدم تشريع قانون الحماية من العنف الأسري".
أما الإعلامية والناشطة نياز عبد الله من إقليم كردستان ومقيمة في فرنسا، فقالت "هناك تشويه صارخ وواضح من قبل الأحزاب الإسلامية وحتى الجهات الحكومية والحزبية لتشويه صورة المرأة ونضالها من أجل حقوقها، وهذا ما لمسناه في السنوات الأخيرة مما يمهد لخلق بيئة معقدة للعمل ومشاكل نحن في غنى عنها".
وأضافت "النسويات عموماً في إقليم كردستان كان لهن دور كبير في المطالبة والدعوة لسن القوانين المجتمعية والتي تصب لصالح المرأة والأسرة، لكن بعد تشويه أدوارها والتي تجري بعلم ودعم من قبل الحكومة، أصبح هناك العديد من الانتهاكات الصارخة للنسوية في الإقليم، وعليه لابد من تشبيك الجهود بين الحركات النسوية ومنظمات المجتمع المدني لأجل مزيد من الضغط على الحكومات من أجل سن قوانين منصفة للمرأة للحد من التضييق على حقوقها".
المرأة والجندر في العراق
فيما تتناول الباحثة في علم الاجتماع العراقية زهراء علي في كتابها "المرأة والجندر في العراق" التاريخ الاجتماعي للحركات النسوية، ومن هناك تنطلق لتقديم قراءة أوسع في تاريخ العراق السياسي والاقتصادي والفكري والاجتماعي.
وكذلك المسارات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية الأصلية للمرأة العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينيات القرن العشرين إلى يومنا هذا، تقول "لا يوجد اليوم في العراق تيار نسوي واحد، بل عدة تيارات، هناك نساء يطالبن بتعديلات على قانون الأحوال الشخصية بهدف المساواة الكاملة في الحقوق فيما يخص قضايا الميراث والزواج وحظر تعدد الزوجات، الخ، فيما تطالب نساء تنتمين لأحزاب إسلامية بمطالب أخرى حسب مراجعهن الدينية، فهن يتبنّين قراءة مغايرة للقرآن والفقه والنصوص الدينية مناهضة للأبوية، إلا أنهن يؤيّدن النهج الإصلاحي القائم على الطائفية. بين هذين التيّارين، ترتكز الناشطات الحقوقيات والإسلاميات واليساريات في حملاتهن إلى نظام الحقوق الذي حدّدته اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، مع الإبقاء على الإشارات التي تلمّح إلى "إسلامية" قانون الأحوال الشخصية والثقافة العراقية".
وأكدت أن "النسوية لا يجب حصرها بالنساء فقط أو "قضايا المرأة" بل كأمر يتعلق بالعدالة الاجتماعية الكاملة في أي مجتمع، وهذا يعني أنها تخصّ كذلك الرجال، وتتقاطع مع مسائل مثل الفقر والاقتصاد والطبقة وغيرها. بكلمات أخرى، فإن طرح فكر نسويّ لقراءة التاريخ، يعني أننا نتناول تاريخ بلد ما عن طريق تاريخ المجتمعات المهمّشة، وليس عن طريق التاريخ الرسمي والمؤسسات المهيمنة، والنساء هن جزء أساسي من المجتمعات المهمشة".
ولفتت زهراء علي إلى أن أول جمعية نسوية في العالم العربي كانت في العراق ومصر عام 1923، وتلتها العديد من الحركات كانت راديكالية، ولكن فكر تلك التيارات شهد تراجعاً في فترات لاحقة بسبب التراجع العام الذي يشهده العراق على مستويات عدة منها الصحية والتعليمية وغيرها.
لا توجد حركات نسوية في العراق إنما حركات نسائية
شروق العبايجي، سياسية عراقية وعضو سابق في مجلس النواب العراقي، قالت "ظهرت النسوية كرد فعل على الممارسات الذكورية بحق المرأة على مدى عقود طويلة، مثل حرق النساء بتهم مختلفة ومن ثم المنافسة الاقتصادية في سوق العمل ومجالات أخرى، وأمام تزايد حاجة المجتمعات إلى دور المرأة لكن يراد لها أن تكون ضمن الأطر الذكورية، أو الأطر الأبوية، وألا يسمح للمرأة أن تكون حرة في اتخاذ النهج الذي تريده بما يتناسب مع خياراتها وخصوصيتها كامرأة".
وأضافت "أن النسوية نشأت كحركة ومفاهيم وتطورت وأصبحت تدرس كعلم حالياً، وهو نتيجة حاجة المجتمعات لذلك لمراجعة كل القضايا التي كرست من وجهة نظر ذكوري بحت، بما في ذلك الأديان، كل التفاسير من وجهة نظر الرجل، وظهرت لدينا نساء حاولن صياغة الأفكار، ونجحنا بذلك".
وأكدت "حاول الكثيرون تشويه مفهوم النسوية باعتبار أن المرأة عدوة للرجال ومعقدات، والصراع اليوم على أشده، فهناك آراء متطرفة أيضاً في العراق تقول لا توجد لدينا حركات نسوية، بل حركات نسائية، أي شخصيات تدافع عن حقوق المرأة، أنا على مدى أكثر من عشرين عاماً لم ألمس أطروحات تحمل هذه المفاهيم أو تدافع عن المبادئ العامة للنسوية، مثل أطروحات الأديبة نوال السعداوي".
وفي ختام حديثها، قالت شروق العبايجي "منذ أكثر من ستين عاماً كنا نفتخر بقانون الأحوال الشخصية، لكن في عام 2025 شرع البرلمان تعديلات تعتمد تفسيرات مذهبية تحرم المرأة من حضانة أولادها ومن إرثها، نحن تراجعنا اليوم بعشرات السنين، لم نعد قادرين على طرح مفاهيم نسوية في وضع ملتبس هجومي ناقم على النساء المتحررات، والدليل على تراجعنا هو أن الحكومة حاربت حتى المصطلحات النسوية، إذ جرى مؤخراً إلغاء مصطلح تمكين المرأة في كل المؤسسات والمخاطبات الرسمية، لقد أخافهم المصطلح فقط، وهناك جهات دينية فسرته بأنه يعني توكيح المرأة وليس تمكينّ".
وعن تشويه البعض لمصطلح النسوية قالت الناشطة النسوية والشاعرة العراقية سناء وتوت "نعم هناك نساء يكرهن الرجال، خاصة عندما نرى ذلك النظام الأبوي الذي أسسه الرجال وهم يختزلون النساء بجسد يتم تشيئه، وهذا يعني أننا لا نكره الرجل بل النظام الأبوي الموجود في عالمنا والذي يتمتع بأفضلية على النساء ويحتكر السلطة ويتجه نحو التحيز الجنسي والنزوع نحو اعتبار النساء أقل قيمة والنظر إليهن كأجساد في متناول اليد، هذا ما تكرهه النساء بالتحديد"، مضيفةً "من اللافت أن هناك رجال مهتمون مثلنا بالقضاء على ذلك ي ضد المرأة ونراهم مساندون لقضايانا ويشاركونا النضال".