المرأة الليبية في قلب المصالحة... أدوار قيادية وتضحيات في سبيل السلام
في ظل استمرار التهميش والعنف، تتصاعد الدعوات لتعزيز حضور النساء في مواقع صنع القرار في ليبيا، وضمان مشاركتهن الفاعلة في تحقيق مصالحة وطنية شاملة وعادلة.

هندية العشيبي
ليبيا ـ رغم التحديات السياسية والاجتماعية التي تعصف بليبيا، تواصل النساء أداء أدوار محورية في مسارات فض النزاعات وبناء السلام، خاصة في المناطق التي تشهد توترات بين القبائل والفصائل.
تلعب النساء في ليبيا دوراً محورياً في جهود فض النزاعات وبناء السلام، لا سيما في المناطق التي تشهد توترات بين القبائل أو الفصائل المختلفة، وتتنوع مساهماتهن بين الوساطة والمشاركة في صنع القرار، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، فضلاً عن ترسيخ قيم السلم المجتمعي ونقلها عبر الأجيال، ورغم هذه الأدوار الحيوية، تواجه النساء تحديات متعددة تعيق انخراطهن الكامل في عمليات السلام، ما يستدعي تعزيز تمثيلهن في مواقع صنع القرار لضمان تحقيق سلام شامل ومستدام.
مشاركة فاعلة في مواجهة الأزمات
وأكدت فتحية المعداني المدير التنفيذي لمنظمة نيتاج لتنمية قدرات المرأة، إلى الدور الحيوي الذي تضطلع به المرأة الليبية في مسارات السلام والمصالحة الوطنية، ويتمثل هذا الدور في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للنساء المتأثرات بالنزاع، إلى جانب تحفيزهن وتوعيتهن بمبادرات وخطط السلام، وعلى رأسها القرار 1325 الذي صادقت عليه السلطات الليبية والتزمت بتطبيقه.
ويعد القرار 1325 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أول إطار دولي يعنى بشكل مباشر بالمرأة والسلام والأمن، وقد تم اعتماده في عام 2000، لضمان إشراك النساء في عمليات صنع القرار المتعلقة بالسلام وحل النزاعات، ومواجهة العنف الجنسي في سياق النزاعات المسلحة، بالإضافة إلى الاستجابة للاحتياجات الخاصة بالنساء في مراحل ما بعد النزاع، بما يعزز من فرص تحقيق سلام عادل وشامل يراعي العدالة الجندرية.
وقالت فتحية المعداني إن المرأة الليبية لطالما كانت فاعلة في مواجهة الأزمات وتقديم الحلول "دورها في المجتمع يمتد عبر التاريخ".
وشددت على أهمية توعية النساء في ليبيا بأدوارهن المحورية في تحقيق المصالحة الوطنية على مختلف المستويات، كما دعت إلى ضرورة تيسير السبل أمام النساء للقيام بهذا الدور، من خلال توفير الدعم المادي والمعنوي، وتعزيز قدرات مؤسسات المجتمع المدني لتنظيم ورش عمل تهدف إلى نقل المعرفة والأفكار بين الأجيال، مؤكدة على أهمية الإعلام المحلي والدولي في تسليط الضوء على جهود النساء وتعزيز حضورهن في مسارات السلام والمصالحة.
واستذكرت النساء اللواتي لقين حتفهن في سبيل المصالحة الوطنية في ليبيا، وعلى رأسهن الناشطة الحقوقية البارزة سلوى بوقيقيص، التي اغتيلت داخل منزلها على يد جماعات إرهابية خلال سنوات الفوضى التي شهدتها البلاد، مؤكدةً مقتلها تمثل خسارة جسيمة لمسيرة السلام والعدالة.
ودعت النساء الليبيات إلى المضي قدماً في جهود المصالحة الوطنية، ونشر ثقافة السلام، والعمل من أجل بناء ليبيا آمنة وعادلة تحتضن جميع أبنائها دون إقصاء أو تهميش.
من جهتها شددت هويدة المنفي، رئيسة منظمة تنوير للتنمية الشاملة، على الدور البارز الذي تؤديه المرأة الليبية في دفع جهود المصالحة داخل مناطق النزاع، مشيرة إلى مشاركتها الفاعلة في العديد من جلسات الحوار والتفاوض.
وأكدت على ضرورة حضور المرأة في جميع مراحل وعمليات السلام في ليبيا، معتبرة أنه "لا يمكن الحديث عن مصالحة وطنية حقيقية دون وجود المرأة في صلبها".
المرأة شريكة أساسية في المصالحة
وأكدت قدرية عثمان صالح، رئيسة مجلس إدارة جمعية الصافات للتنمية، على أن مشاركة المرأة في مبادرات السلام تتطلب دعماً مجتمعياً واسعاً وتكاتفاً شاملاً للجهود من أجل تعزيز حضورها الفاعل، مشددة على ضرورة تمكين النساء، لا سيما القياديات منهن، اللواتي قد يواجهن قيوداً اجتماعية تحد من دورهن في تحقيق المصالحة الوطنية.
ودعت إلى تكثيف برامج التوعية والمشاركة، من خلال تنظيم ورش عمل ولقاءات تدريبية وندوات محلية ودولية، تهدف إلى تعزيز دور المرأة في عمليات السلام والتأكيد على أهميته في بناء مستقبل مستقر وعادل في ليبيا.
وترى أن المرأة الليبية أثبتت أنها شخصية مسؤولة، خاصة بعد ما واجهته من أشكال متعددة من العنف، وتعايشها مع الأزمات والصراعات والحروب، وما ترتب عليها من نزوح وفقدان "على الرجل أن يثق بقدرات النساء في فض النزاعات، وأن يعتبرها شريكة وسفيرة للسلام في مختلف المبادرات".
وأوضحت أن قبائل الطوارق في الجنوب الليبي تمنح المرأة مواقع قيادية، وهو دليل على الثقة الكبيرة في حكمتها وكفاءتها في الإدارة وحل النزاعات، مؤكدةً أن للمرأة الليبية تاريخاً مشرفاً يمتد عبر العصور، حيث ساهمت في دعم الجيش والمشاركة في تحرير البلاد من الاحتلال والاستعمار، ما يعكس عمق دورها الوطني والإنساني في بناء ليبيا.