المرأة اللبنانية في ميدان السياسة... الاستحقاق الانتخابي واقع وآفاق (2)

على الرغم من محاولات مرشحات مستقلات وممثلات عن المجتمع المدني الدفع بمرشحات للوصول للتمثيل النيابي في البرلمان اللبناني، إلا أنه لا يمثل دور المرأة الفعلي.

المرشحات للانتخابات النيابية في لبنان تتعهدن بتعديل القوانين ومنح النساء حقوقهن

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ ليس من السهل على النساء دخول البرلمان اللبناني، على الرغم من محاولات الدفع بمرشحات للوصول للتمثيل النيابي، فمعظم النساء اللواتي تمكن من دخول المجلس كن للأسف مجرد أرقام في لوائح السلطة التي تباهت بوجود شخصيات نسائية ضمنها.

رسخت الانتفاضة الأخيرة في لبنان "ثورة 17 تشرين الأول" حضور المرأة باعتبار الثورة "أنثى" للدور البارز الذي لعبته فيها، فقد شكلت سداً منيعاً بين قوات السلطة والرجال المشاركين في الثورة، وهو ما تحاول هذه الثورة ترسيخه من تغيير عبر الاستحقاق النيابي، حيث يعتبر الناشطون والناشطات أن كثرة المرشحات يعتبر من إنجازات هذه الثورة، خصوصاً وأن أكثر المرشحات انضوين تحت جناحها، بهدف التغيير وسن وتعديل القوانين المجحفة والمهمشة لدور المرأة في الواقع السياسي اللبناني.

وتأمل الثورة إيصال أكبر عدد من النساء كونهن يشكلن الأكثرية أي حوالي 53% من الشعب اللبناني، ودون حساب المغتربين، وبأن يجري تمثيلهن بهذه الصفة وأن يستطعن إيصال كتلة نسوية يمكنها مواكبة التغيير في التشريعات والقوانين المتعلقة بالمرأة وحقوقها، على عكس ما كان دائماً أي اقتصار عمل النائبات ضمن لوائح السلطة بمعظمه ضمن العمل الاجتماعي أو التربوي مع تأثير معدوم تقريباً لجهة العمل والتشريع السياسي، أو القيادة السياسية.

 

"القانون ليس مكتملاً وتنقصه آليات التطبيق"

قالت المحامية والناشطة السياسية والاجتماعية رانيه غيث المرشحة عن دائرة الشوف وعاليه على لائحة "توحدنا للتغيير"، "هذه المرة الثانية التي اترشح فيها للانتخابات بعد عام 2018، وعلى الرغم من عدم دخولي المجلس النيابي سابقاً كوني حصلت على ثاني أكبر حاصل انتخابي للخاسرين، ولكن بالمقابل أعلى عدد من الأصوات يسجل لامرأة في المنطقة وفي تاريخ الانتخابات النيابية، إلا أن هذا الأمر لم يثنني عن الترشح في انتخابات هذا العام، فالعمل النضالي الذي بدأته منذ صغري مستمر مثل الكثيرين والكثيرات من القوى التغييرية في البلد والتي تحاول تغيير الوضع السائد والمتردي، خصوصاً ما يتعلق بالمرأة".

وأكدت على أنه من الأهمية بمكان وجود المرأة وانخراطها في العمل السياسي ومراكز صنع القرار، "تعد المرأة مكون أساسي في المجتمع وقد أعطاها الدستور اللبناني حق المساواة في الحقوق والواجبات، وبالمقابل نرى غياباً للوعي في المجتمع حول حقوقها، وليس ذلك فحسب بل ينظر إليها وكأنها زيادة عدد، فالمرأة ليست إضافة جميلة للمجلس النيابي، بل هي مشرعة وملمة بهموم ومشاكل البلاد، ولديها القدرة والوعي والكفاءة اللازمة، لذا أرى كما في حال الدول المتقدمة التي سبقتنا بأشواط من حيث نيل المرأة حقوقها، ولاسيما دورها في السياسة والاقتصاد والتنمية المستدامة، وبعدم نيلها حقوقها في بلادنا يتم تغييب هذا العنصر الفعال والكفؤ في المجتمع، ولأسباب غير واضحة".

وعن الكوتا النسائية أوضحت أنها "ضد فكرة الكوتا، فنسبة ترشح المرأة هو حق لها لا تستجدي به أحداً، وليس من حق أي شخص تحديد المقاعد والمناصب لها، ولكن في ظل وجود الأحزاب والسلطة الحاكمة، فالكوتا مرحلية ولا بد منها، وسأصوت إيجاباً عليها في حال وصولي لمجلس النواب، بهدف دعم المرأة الكفؤة، وحتى لتشجيع المرأة التابعة لأحزاب على أن تكون مقدامة وشجاعة وألا تمتثل لقرار وإجماع حزبها وأن تستقل برأيها".

وترى رانيه غيث أن معاناة المرأة بسبب القوانين المجحفة الصادرة هي "خلاصة تجارب وملفات ودعاوى حقيقية أشهدها يومياً في هذا المجال خلال ممارستي اليومية في مهنتي، ما يؤكد أن القانون ليس مكتملاً فحسب، بل تنقصه آليات التطبيق التي تمارس بصورة غير جدية".

وأوضحت أنه "يتم التعامل مع شكاوى المرأة فيما يتعلق بالعنف الأسري على سبيل المثال باستخفاف وكمخالفة، وليس كجريمة بحق الإنسان والمرأة والطفل، وهو الذي أقرته الاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي وقعت عليها لبنان، فليس هناك تطبيق سريع للإجراءات ما يؤدي إلى تراجع وعدم إقدام المرأة على القيام بخطوة إلى الأمام أو الجرأة لتقديم الشكاوي، كما أن المحاكم الشرعية لا تنصف المرأة".

وشددت على أن كما ما سبق وذكرته يحتم عليهم التوجه لتعديل قانون العنف الأسري واستحداث قانون موحد للأحوال الشخصية بعيداً عن المحاكم الروحية والمذهبية، "من المفترض خلال تأسيسنا للدولة المدنية أن يكون لدينا حزمة من التعديلات للقوانين وخصوصاً المتعلقة بالمرأة وإقرار مجموعة أخرى من القوانين تؤسس لدولة مدنية تشبهنا وتحقق ما نصبو ونطمح إليه".

ودعت رانيه غيث إلى استقلال السلطة القضائية، وأن يتم اعتبارها كياناً مستقلا عن الجهات السلطوية والمذهبية، وألا تتأثر بالتقييمات والتعيينات والتقسيمات المذهبية، والأزمة الاقتصادية ولا سيما مجلس القضاء الأعلى، "أود لفت الانتباه إلى أن أحد أكبر الانفجارات في التاريخ حصل في لبنان، ولم يتم الاقتصاص من الجناة بسبب تقييد السلطة القضائية، كما وأطمح إلى إقرار اللامركزية الإدارية التي تساهم بفصلنا عن السلطة المركزية وتسلط الأحزاب الحاكمة حالياً".

وأعطت مثالاً آخر حول القوانين التمييزية قائلةً "على الرغم من إقرار قانون التحرش، فقد تم إطلاق سراح المتحرش اللبناني مروان حبيب بضغط من أحد النافذين، بينما تم القبض عليه ومحاسبته ويواجه تهماً خطيرة في الولايات المتحدة، وهو ما يعد مشهداً مسيئاً للواقع القضائي والقانوني في لبنان، فلا نريد هنا استجداء القوانين، بل احترام شرعة حقوق الإنسان، فالمناصب غير مهمة، بل الأهم وجود قوانين عادلة ومتطورة ومتقدمة ترسخ السلطة القضائية، وأن يأخذ المجرم جزاءه سواء كان رجلاً أو امرأة".

وأكدت رانيه غيث أن ترشحها "ليس كردة فعل على اللوائح الأخرى أو السلطة الفاسدة، بل هي مسيرة نضال منذ أيام المدرسة، والجامعة وفي عملي والشارع، وصولاً إلى انخراطنا بين صفوف ثوار 17 تشرين الأول، وتعرضنا للكثير من المصاعب والاعتداءات والاعتقال، وتعرضي شخصياً للاعتداء في مواقف عدة، وساهمت من خلال عملي في إطلاق سراح الكثير من المعتقلين أيضاً".

وقالت في ختام حديثها "أنا مرشحة مستقلة ومؤمنة بحقي كمواطنة بالدرجة الأولى، وبأن العملية التراكمية يمكنها خلق مستقبل جديد للبلاد ولفئات المجتمع كافة، ومؤمنة بقدرتي على صناعة سياسات جديدة لبلادي، وقد أخذت هذا القرار منذ العام 2011، ولدي برنامج ورؤية سياسية ضمن فريق على لائحة، نهدف جميعاً إلى توحيد الآراء والاتجاهات خدمة لبلدنا، هو حلم حقيقي ومؤمنة بإمكانية تحقيقه، لنصل إلى الناس ونحقق مطالبها ونبدد مخاوفها".

 

 

لا يحصل الناس على حقوقهم لعدم فهم آليات تنفيذ القوانين

من جهتها، قالت المرشحة عن المقعد السني ضمن لائحة "نحن التغيير" في صيدا المهندسة الميكانيكية هانية الزعتري، عن سبب ترشحها للمجلس النيابي "ما شجعني أن هذا المجلس لا يقوم بدوره بصورة فعالة، ووجدت أن لدي القدرة على وضع هذا التحدي أمامي والنجاح به، على الرغم من أنه يحتاج إلى الكثير من العمل، كما ويحتاج إلى أن يكون الشخص قريباً من الناس وأن يستمع إلى آرائهم، وهو ما كرسته من خلال عملي وهو ما لا يقوم به أي من النواب".

وأشارت إلى أن "هذا ساهم بكسر الصورة النمطية ليس عن المرأة في مهنة غير متعارف عليها فحسب، بل عن الموظف الرسمي، وهو ليس مقتصراً علينا، بل هو ما أثبتته الكثير من الموظفات الرسميات، فهن يعملن بكفاءة ومن قلوبهن، وبصورة مميزة للغاية".

وأضافت "أنوي إن حصل وأصبحت نائبة عن الأمة أن أقوم بأمرين في البداية، وهما تعديل القوانين المجحفة لاسيما التي تخص المرأة، ولكن ليس بطريقة تقليدية، بل بعرضها على الناس واستطلاع آرائهم ومشاركتهم بطريقة ديناميكية، والثاني محاسبة الحكومة ومتابعة سير عملها وبصورة دقيقة، سأحاول أن أكون على تماس معهم عبر التواصل المباشر أو عمل استبيان لما يريدونه، وتالياً البحث عن السبب والقانون الذي يسهل وصولهم إلى ما يطلبون من خدمات وغيره".

وقالت في ختام حديثها "قد يكون السبب في عدم نيل الناس حقوقها، نقصا في قانون يحتاج لتعديلات أو إقرار، وعدم فهم للآليات لتنفيذه، أو الوعي في هذا المجال، لذا أنوي العمل على الحوكمة والشفافية وحق الوصول إلى المعلومات فضلا عن اللامركزية الإدارية والسعي نحو الحكومة الإلكترونية لتسهيل المعاملات على الناس والحد من الفساد".