المرأة اللبنانية في ميدان السياسة... الاستحقاق الانتخابي واقع وآفاق (1)

يعد لبنان أول دولة عربية أقرت حق المرأة في الاقتراع عام 1952، إلا أن المشهد النسوي في السياسة اللبنانية ما يزال دون المرجو وبعيداً عن الطموحات المشروعة.

حضور المرأة اللبنانية في المجال السياسي لا زال دون المرجو

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ بالرغم من مرور نحو سبعة عقود على إقرار حق المرأة في خوض الانتخابات النيابية ترشحاً واقتراعاً، لم يشهد لبنان مشاركة أكبر للمرأة في مراكز صنع القرار.

لا يزال المشهد النسوي في السياسة بلبنان التي تعد أول دولة عربية أقرت حق المرأة في الاقتراع عام 1952، دون المرجو وبعيداً عن الطموحات المشروعة، وثمة أسباب غير منفصلة عن البنية الهشة للنظام السياسي اللبناني المحكوم بتقاسم الطوائف لمراكز صنع القرار، من أعلى الهرم نزولاً إلى إدارات الدولة ومرافقها ومؤسساتها، أي أن هناك سلطة لا تستجيب بسهولة لموجبات الحداثة والتطور.

وقد اصطدم الجهد التراكمي لناشطات وحقوقيات وجمعيات نسوية ناشطة منذ منتصف القرن الماضي دائماً بمعوقات غير منفصلة عن السلطة، لكن ذلك لا يعني أن المرأة لم تحقق بعضاً من المكاسب وهي تناضل على أكثر من جبهة، بدليل أن مسار نضالها بات يمثل قوة لا يستهان بها، وهذا ما تجلى راهناً في عدد المرشحات اللواتي قررن خوض الاستحقاق الانتخابي، فضلاً عن أن معظم القوى السياسية التقليدية لم تستطع إلغاء حضور المرأة كلياً من المشهد السياسي.

 

إحصاءات

عكست المشاركات الأخيرة في الاستحقاقات السياسية في لبنان، ولاسيما في مجال الانتخابات النيابية، حركة نسوية ناشطة، فقد بلغ عدد اللوائح الانتخابية لهذا العام 103 لوائح 65 منها تضم نساءً، وبالمقابل فإن نسبة المرشحات من مجمل المرشحين عن انتخابات 2022 عند إقفال باب الترشيح بلغت 15% أي 157 امرأة انسحبت منهن اثنتان ليصبح العدد 155 من أصل 1043، وقد سجل هذا العدد ارتفاعاً عن انتخابات 2018 حيث بلغت حينها 11% أي 111 امرأة، بزيادة بلغت نسبتها 37%.

لكن نسبة الفائزات في العام 2018 لم تتعد 5% وهي نسبة قليلة عالمياً ولكنها جيدة نسبياً في ظل غياب كلي للكوتا النسائية لعدم إقرار القانون في المجلس النيابي، والتي تعتبر عقبة جديدة ومن التحديات التي تواجه المرأة بما يدعم وصولها إلى مراكز القرار، خصوصاً وأن اللوائح الانتخابية بمعظمها أصحاب القرار فيها من الرجال، ولا زالت العقلية الذكورية مسيطرة، ولكن هذه الأرقام تؤكد أن المرأة اللبنانية جاهزة لخوض المعترك السياسي.

 

"من المهم أن تكون المرأة مسؤولة عن قرارها"

قالت الناشطة الاجتماعية والسياسية باولا ربيز المرشحة عن المقعد الأرثوذكسي في دائرة بيروت الثانية على لائحة "بيروت مدينتي"، وهي اللائحة الوحيدة في لبنان التي تضم أغلبيتها نساء (5 نساء ورجل واحد) لوكالتنا "ترشحت وقررت دخول المعترك السياسي بعد نضال في الشارع مع مجموعة (بيروت مدينتي) منذ العام 2016، وهدفي عند الوصول إلى المجلس تحقيق الاستدامة الاجتماعية، إلا أن كل قضايا البلاد تهمني، وفي مقدمتها قضايا المرأة وما يتعلق بتمكينها واستقلاليتها مادياً واجتماعياً وثقافياً، وذلك من خلال سن وتعديل وإقرار القوانين المتعلقة بالمرأة".

وأشارت إلى أنه من "المهم أن تكون المرأة مسؤولة عن قرارها، فهي من تختار أي عمل تود القيام به ويناسبها، والتخصص الذي تختاره، ومن واجباتنا في حال دخول المجلس النيابي العمل على تمكين المرأة خاصةً وأنها تشكل نصف المجتمع، علينا كنساء الوقوف بجانب بعضنا البعض".

وأكدت على سعيها "لتحقيق المساواة ما بين الجنسين في الحقوق، وعلى الرغم من أن القانون يقارب هذا الشيء لكن فعلياً على الأرض نشهد الكثير من الظلم من حيث إعطاء المرأة حقها في منح الجنسية لأولادها والعنف المنزلي وزواج القاصرات والتحرش وغيرها من القضايا التي تتعلق بالمرأة".

 

 

"الدفع نحو إلغاء التمييز من أبسط الحقوق"

من جانبها قالت المرشحة عن المقعد الماروني عن لائحة اللقاء الديمقراطي في الشوف وعاليه الدكتورة حبوبة عون "أنا أكاديمية أدرس في جامعة البلمند في برنامج درجة الماجستير في مجال الصحة العامة والتنمية، وحالياً بمنصب مديرة قسم التنمية المجتمعية، وعملنا يشمل الخدمات للمجتمعات المختلفة على امتداد البلاد في مجال الصحة والتنمية، لذا فأهمية التنمية تتمحور خصوصاً حول دور المرأة واحتياجاتها، فضلاً عن احتياجات العائلة ككل، إلا أنه يجب أن تؤخذ احتياجات المرأة بعين الاعتبار، فالمرأة هي صلب العائلة، هي الأم والابنة والأخت، والعاملة بالمنزل ودون أجر يفيها حقها".

وأضافت "إن استعنا بخدمات منزلية نعلم قيمة وكلفة مثل هذا العمل المنزلي والذي لا تنال المرأة أجراً عنه، كما وأنها العاملة في المجال الاقتصادي والتنموي في البلد ككل، فكل الأدوار والمناصب التي تعمل بها وتشغلها لكونها قادرة ومؤهلة لجهة الكفاءة والتحصيل العلمي، ويمكنها الوصول إلى أعلى المراكز، فبرأيي لا فرق في الوظائف وتخصيصها وفقاً للنوع الاجتماعي".

وعن التمييز على النوع الاجتماعي ضد المرأة وإجحاف القوانين بحقها تقول "للأسف النوع الاجتماعي يعطي نظرة نمطية، ويساهم بالإجحاف بحق المرأة في جميع المجالات، فالمرأة يمكنها العمل كميكانيكي وفي مجالات الصيانة الكهربائية وكسائقة تاكسي وغيرها، وصولاً إلى استلام أعلى المناصب الأكاديمية والمهنية والسياسية في البلاد وبكفاءة لا تقل عن الرجل، ولكن للأسف القوانين مجحفة بحقها وهناك الكثير من التمييز، نعلم أن ثمة جهوداً عالمية للحد من التمييز والعنف والتنمر ضد المرأة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها".

وشددت على تمكين دور المرأة في كافة المجالات، مشيرة إلى أنهم لا يسعون لترسيخ حقوق المرأة فحسب بل بالانتقال من الأقوال إلى الأفعال، معتبرةً أن "الدفع نحو إلغاء هذا التمييز من أبسط الحقوق، مثل إنجاز جوازات السفر لأطفالها، وفتح حساب مصرفي لهم، وصولاً إلى إعطاء الجنسية لأولادها أسوة بكثير من دول العالم".

وأضافت "بالإضافة إلى إدارة شؤون عائلتها بالتساوي مع الرجل، وعلى اختلاف الانتماءات الثقافية والاجتماعية التي تحكم المجتمعات المختلفة، والتي تحد من دور المرأة وحركتها في مجال التنمية المستدامة والتربية، مع العلم أن المدارس قائمة بسبب وجود معلمات أكثر من معلمين، وحتى في المؤسسات العامة والخاصة بسبب وجود موظفات أكثر من الموظفين، وهذا الأمر جلي خصوصاً في لبنان وبسبب الأزمة الاقتصادية وتدني القيمة الشرائية للنقد المحلي، واتجاه الرجال للهجرة والعمل خارج لبنان لتأمين أسرهم، وبغض النظر وسواء في لبنان أو في الخارج فإن المرأة وخصوصا اللبنانية تبرع كونها قادرة، وعلينا كسر النمطية في نظرتنا للمرأة، وأن نعطيها كامل الحقوق لأنها تلتزم بكامل الواجبات".

ولفتت إلى أن قرارها للترشح للانتخابات النيابية المقبلة نابع من خبرتها في مجال التنمية، "هذا الأمر جعلني متأكدة أنه بعدم وجود إرادة سياسية فلا يمكن القيام بعمل تنموي مستدام، وبهدف دعم دور المرأة في السياسة وصنع القرار، ما يفتح أمامها مجالات أوسع بحيث يكون طابع الاستدامة في مشاريع التنمية طاغٍ، وغير محصور بانتهاء مشروع ما بأن الفائدة والفرص قد انتهت، حيث أؤمن بأن كل شخص يمكنه أن يعطي بما يفيد المجتمع، كما ويعطي فرصاً أكبر للشباب والنساء على وجه الخصوص".

 

 

"المرأة عنصر قادر وفعال إن أعطيت الفرص المناسبة"

ولم تتوقف مطالب المترشحات للانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة، على سن قوانين تحمي المرأة وتمنحها حقوقها كاملة، بل منهن من تطالبن بحماية البيئة، فالأكاديمية والأخصائية في الكيمياء التحليلية من الجامعة الأميركية في بيروت نجاة صليبا، المرشحة عن المقعد الماروني في دائرة الشوف وعاليه على لائحة "توحدنا للتغيير"، قالت "في نهاية كل منشور من منشوراتي العلمية التي ناهزت المئة حول التلوث في لبنان، كنا نتقدم بتوصيات ونصائح للسياسيين، والتي لم يؤخذ بها أبداً وبقيت للأسف حبراً على ورق، وهذا ما أعتبره الحافز الأهم لخوضي هذه المعركة المصيرية، فترشحي بهدف توعية وإنقاذ الناس وتحسين نوعية الحياة والبيئة في لبنان، فالمرأة في مجال العلم قادرة على المواجهة، وإن كان حافز أهل السلطة الفساد، فإن حافزنا هو أن هذا البلد لنا جميعاً، نساء ورجال وأطفال، وسنظل نحميه ونحمي بيئته لآخر نفس".

وعن خططها في حال نجحت في الدخول إلى المجلس النيابي قالت "كامرأة في المجلس النيابي سأعمل على قوانين الأحوال الشخصية لتكون المرأة محصنة ومحمية، ولتصل المرأة إلى 50% من مراكز صنع القرار، فليس من المقبول بعد اليوم أن تكون القرارات والمسائل المصيرية ذكورية، فالمرأة تشكل عنصراً قادراً وفعالاً وكفؤاً إن أعطيت الفرص المناسبة"، مشيرةً إلى أنها قد تفاجأت بأنها لم تعلم بمقدار الإجحاف بحقوق المرأة، "حقوقي مهدورة وفق قانون الأحوال الشخصية كوني لم أنجب، فقد وجدت أن هذا القانون لا يحمي ما تعبت عليه وما عملت عليه وأنجزته مع زوجي جنباً إلى جنباً وطوال حياتي في حال حصل له أي مكروه".