المناصفة آلية أساسية لبلوغ المساواة وتغيير القوانين التمييزية ضد النساء

رغم نضالات الحركة النسائية والهيئات الحقوقية في المغرب حول مطلب المناصفة كشرط أساسي لبلوغ المساواة والقضاء على التمييز ضد النساء وبلوغهن مراكز صنع القرار، إلا أنه لازال مطلباً بعيد المنال.

رجاء خيرات

المغرب ـ شكل دستور 2011 خطوة متقدمة لتحقيق مبدأ المناصفة، الذي يضمن ولوج النساء للوظائف والمناصب العمومية، وكذلك تكافؤ الفرص بين الجنسين داخل المجالس والهيئات المنتخبة، فضلاً عن نصه على إحداث الهيئة الوطنية للمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز ضد النساء، إلا أن هذا المبدأ لازال يواجه معوقات كثيرة.

ترى الناشطة الحقوقية ورئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بشرى عبدو أنه بالرغم من أن المغرب لديها دستور متقدم ينص على المناصفة في العديد من مقتضياته، لكن الأحزاب السياسية المغربية لا تؤمن بها، لكونها لم تسطرها في برامجها بشكل واضح وفي قوانينها الداخلية، كما أنه في كل المحطات السياسية الحاسمة ليس هناك نضال من أجل تحقيق مبدأ المناصفة، وإعطاء النساء فرص التواجد في المشهد السياسي إسوة بالرجال.

وأضافت أن ديمقراطية الأحزاب السياسية لن تتحقق إلا بتحقق المناصفة، عبر تضمين اللوائح الانتخابية للنساء كما الرجال، مؤكدة أنه حان الوقت لتجاوزا لـ "الكوتا" كآلية تم الاعتماد عليها لتعزيز المشاركة السياسية للنساء والرفع من تمثليهن داخل المجالس المنتخبة.

وانتقدت وضع النساء اللواتي لازلن تعانين من الحيف والظلم والإقصاء في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها "لازلنا بعيدين عن المناصفة الفعلية والكاملة التي جاء بها الدستور المغربي، والنساء لازلن مقصيات من المشهد السياسي، رغم كل النقاط التي تحققت والتي لا يمكن إنكارها حول تواجد النساء في عدد من المواقع".

وبعيداً عن المجال السياسي، أكدت أن تواجد النساء في مناصب المسؤولية مازال باهتاً "لا زلنا بعيدين كلياً عن المناصفة في عدة قطاعات، رغم أن الحكومة المغربية تضم ست وزيرات وعدد من السفيرات وكذلك نساء على رأس هيئات دستورية كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان والهيئة العليا للقطاع السمعي البصري والمجلس الأعلى للحسابات، بالإضافة إلى وجود ثلاث نساء على رأس مجالس ثلاثة من أكبر المدن المغربية (الرباط، الدار البيضاء، مراكش)، وامرأة على رأس مجلس الجهة، وامرأة على رأس حزب سياسي (الحزب الاشتراكي الموحد) وهي أمور يمكن اعتبارها إيجابية، لكن ذلك لا يعكس حقيقة توفر الكفاءات النسائية القادرة على أن تكون في مواقع المسؤولية إسوة بالرجل.

وطالبت بضرورة توفر المناصفة الحقيقية والفعلية والتطبيق الفعلي للدستور المغربي، بحيث أن القوانين التي تصدر عن البرلمان ينبغي أن تلائم مقتضيات الدستور المتقدم وكذلك الاتفاقيات الدولية، ومن ثم يمكن الاستغناء كلياً عن "الكوتا" والعمل على مبدأ المناصفة وتطبيق القانون بعيداً عن الذهنية الذكورية.

وبينت أنه بدون مناصفة كاملة وحقيقية لن تكون هناك مشاركة فعلية للنساء في تدبير الشأن الوطني والمحلي، من خلال تواجدهن في المجالس المنتخبة والرفع من تمثيليتهن السياسية داخل البرلمان.

وشددت على ضرورة تواجد النساء في مراكز صنع القرار، لافتة إلى أن ذلك لن يتحقق بدون تغيير القوانين التمييزية ضد النساء، وعلى رأسها مدونة الأسرة، والعمل على تحقيق المساواة بين الجنسين، وتنامي الوعي المجتمعي بتقبل النساء في مناصب المسؤولية والتصويت للنساء في الانتخابات حتى يمكنهن إيصال صوتهن، وهي أمور تتطلب إرادة سياسية قادرة على فرض سياسات عمومية تضع النساء في صلب البرامج التنموية.

 

ومن جهتها قالت المحامية وعضو الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب خديجة الرباح أن السؤال عن "أين نحن اليوم من المناصفة؟" يعد سؤالاً جوهرياً، خاصة في هذه الفترة التي تشهد حملات متعددة ومتنوعة ضد نساء فرضن حضورهن في عالم الرياضة أو الفن أو السياسة.

وأوضحت أن مناضلات الحركة النسائية عندما تتحدثن عن التغيير الشامل والجذري للقوانين التمييزية، خاصة تلك المرتبطة بمدونة الأسرة، تكثر حملات العنف الرقمي والحملات التي تحاول أن تبين بأن كل مناداة وكل ترافع وكل المحاولات الرامية للنهوض بالتنمية المستدامة من خلال مراجعة شاملة لكل القوانين وعلى رأسها مدونة الأسرة والقانون الجنائي المغربي تعتبر ضرباً للهوية المغربية، في حين أن الحركة النسائية عندما تناضل وتنادي بمراجعة القوانين ومدونة الأسرة فإن ذلك يكون بهدف مشاركة كاملة للنساء.

وأكدت أن الحديث عن مطلب المساواة الفعلية، وعلى رأسها القوانين التي تخص المجال السياسي، سواء تعلق الأمر بالقانون التنظيمي لمجلس النواب أو القانون التنظيمي لمجلس المستشارين أو المتعلق بانتخاب أعضاء المجالس الترابية أو القوانين المنظمة للجماعات الترابية ومختلف المجالس المنتخبة أو القوانين الانتخابية، كلها لا ترقى إلى مستوى مطلب الحركة النسائية والحركة الديمقراطية من أجل المناصفة التي ما فتئت تنادي بجعل المناصفة أساس المشاركة وأساس تواجد النساء والرجال معاً داخل المؤسسات المنتخبة، ووصول النساء لمراكز صنع القرار.

وأوضحت أن ذلك لن يتحقق إلا بجعل المناصفة آلية لتحريك مشاركة كاملة في تدبير الشأن العام والشأن المحلي، إلا أنه لازالت المناصفة مطلباً بعيد المنال، لأن القوانين الانتخابية تتعامل مع النساء ليس بكونهن نصف المجتمع، بل تعتبرهن فقط تكملة للمشهد السياسي، حيث لا يتم التفكير دائماً بمنطق لوائح وطنية أو جهوية خاصة بالنساء، بل بمنطق لوائح إضافية أو الجزء الثاني من اللوائح، بعيداً عن منطق المناصفة الكاملة والشاملة والفعلية.

وأضافت أن الحاجة اليوم ملحة لنقاش حقيقي حول المناصفة باعتبارها مدخل أساسي لمشاركة فعالة وفعلية للنساء في السياسات العمومية، من أجل أن تصبح السياسات أداة لتقليص الفوارق والفجوات والقضاء على الفقر.

ودعت إلى اعتبار السياسات العمومية كذلك أداة للتفكير في نساء القرى والجبال والنساء المهمشات واللواتي لا صوت لهن، واللواتي تعانين في صمت وأحياناً تدفعن حياتهن ثمناً أثناء وضعهن في أماكن غير آمنة للولادة، وأولئك اللواتي تخاطرن بحياتهن في البحر وهن راكبات قوارب الموت بحثاً عن الحلم المنشود خارج البلاد، حيث السياسات لازالت غير دامجة وغير مستجيبة للمساواة الفعلية بين الرجال والنساء، لتبقى المناصفة مطلباً وليست حقيقة بعد.

ولفتت إلى أن المناصفة هي مطلب أساسي لتحقيق التنمية المستدامة، ولن تتحقق إلا إذا توفرت هناك إرادة سياسية حقيقية.

وقالت "المناصفة ليست شعاراً للحركة النسائية بل هي مطلب أساسي لابد من توفره لتحقيق التنمية المستدامة التي تتطلب إشراك النساء والرجال بجميع فئاتهم الاجتماعية والعمرية والترابية في كل القضايا المرتبطة بالتنمية المستدامة، وبعيداً عن الشعارات الجوفاء التي تتخذ من قضية النساء وتحررهن مجرد قضية لخدمة أجندات سياسية أثناء الانتخابات".

وأوضحت أن الفصل السادس من الدستور المغربي ينص على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنين والمواطنات والمساواة فيما بينهم وتعزيز مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، كما ينص الفصل 19 منه على تمتع المرأة والرجل على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية، كما يقر الفصل 30 بتشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية.