الفوضى تعم المشهد اللبناني عشية الانتخابات والمرحلة الأصعب بعدها
لوحات إعلانية وخطابات سياسية ومعركة بين قوى السلطة وقوى المعارضة على مقاعد مجلس نيابي في بلد استشرى فيه الفساد ونُهب فيه المواطن، فهل هناك برنامج انتخابي يفكر أصحابه في كيفية انتشال المواطن من القعر الذي يغرق فيه.
كارولين بزي
بيروت ـ أكدت الصحافية المتخصصة في الشأن السياسي ميسم رزق، أن بنية النظام السياسي في لبنان أصبحت هشة وأن المرحلة الأصعب ستكون بعد انتخابات غير معروفة النتائج، مشيرةً إلى أنهم أمام مشهد فوضوي، منتقدةً غياب الحركات النسائية السياسية الفعالة التي تستطيع أن تعزز دور المرأة وتفرضه في السياسة.
الانتخابات الأغرب والأخطر"
مشهد ضبابي وفوضوي عشية الانتخابات النيابية اللبنانية التي ستجري في 15 أيار/مايو المقبل، تقول الصحافية المتخصصة في الشأن السياسي ميسم رزق لوكالتنا "نحن نمر بظرف استثنائي يمكننا أن نصفه بالغريب أو المجنون، ويمكن أن نعتبر الانتخابات المقبلة هي الأغرب أو الأخطر، إذ أنها انتخابات غير معروفة النتائج. هذه الدورة تختلف كثيراً عن سابقاتها. لأننا مررنا في فترة قصيرة جداً بظروف قاسية جداً، ففي غضون سنتين كنا كالذي يقفز خطوات نحو الفوضى والانهيار وهي خطوات غير محسوبة والبلاد كانت ذاهبة إلى مكان غير محسوم النتائج. إذا لا يعرف الشعب وجهته وكذلك القوى السياسية".
وأوضحت أن "الاستحقاق الانتخابي لهذا العام خطير لأننا لا نعرف ما الذي يجري، لا نعرف المرشحين ولا خطط القوى السياسية، لا نعرف من هي الجهات الخارجية التي تتدخل أو لها دور في هذه الانتخابات. وإذا أردنا أن نقارن هذه الدورة وبين الدورات السابقة، ففي السابق كنا نعلم أن هناك قوى السلطة وقوى المعارضة، كما كنا ندرك أن هناك قوى خارجية وازنة كان لها دور في البلد، مثل سوريا وإيران والسعودية والولايات المتحدة الأميركية أي كانت هناك قوى سياسية معروفة بأن لها دور في لبنان وهي التي كانت تخلق موازين القوى في الداخل، حتى لو لم تكن هذه الموازين بالمستوى نفسه".
"الأزمة الاقتصادية وغياب التمويل دفعت بالبعض إلى الانكفاء"
وأشارت إلى أن التغيير الذي طرأ لم يصب لبنان فقط بل أيضاً طال الدول الإقليمية والدولية، "لبنان لم يعد من الأولويات، والدليل أننا لا نرى مالاً انتخابياً ولا دعماً للوائح بشكل علني على خلاف الدورات السابقة، ما دفع بعض القوى السياسية إلى الانكفاء والخروج من المشهد السياسي بسبب غياب التمويل السياسي والأزمة الاقتصادية".
ولفتت إلى أن "النظام السياسي في لبنان اليوم موجود والقوى السياسية التي تمثله موجودة ولكن بنيته أصبحت هشة، وزادت الأزمة الاقتصادية من ارتباكه. بالإضافة إلى أننا شهدنا على ولادة ما يُسمى بقوى التغيير، وأصبح هناك طفرة بالقوى الموجودة في البلاد، وبتنا أمام مشهد فوضوي. إذا تأملنا اللوائح الانتخابية لا نرى وجهة أو قبلة أو برنامج سياسي حتى أنه لا يوجد وضوح عند الناخب، وعدم تحديد وجهة الناخب دفعت القوى المرشحة إن كانت في السلطة أو المعارضة إلى رفع منسوب حملات التحريض فيما بينها لحث الناخبين على الاقتراع لصالحها. حتى أن بعض قوى المعارضة أو "التغيير" لا تختلف كثيراً عن قوى السلطة وهي صورة عن المنظومة الحاكمة".
وأكدت ميسم رزق على أنه من بين الأفكار التي تطرحها بعض القوى السياسية والتغييرية هي "فكرة العداء لخيار مقاومة العدو الإسرائيلي، والذهاب نحو التطبيع وهذه الأفكار تجذب بعض اللبنانيين الذين لا يعتبرون أنفسهم معنيين بالعداء للاحتلال الإسرائيلي... من هذا المنطلق تركز بعض خطابات أو مشاريع بعض المرشحين على الهجوم على سلاح حزب الله".
وتضيف "إذا نظرنا إلى المشهد اللبناني نرى أن هناك منظومة حاكمة وقوى تدّعي التغيير وتطرح نفسها كبديل من دون مشروع ولا رؤية واضحة للخروج من الأزمة الحالية، وبالتالي نحن أمام مشهد فوضوي".
"المرحلة الأصعب ما بعد الانتخابات"
وتلفت إلى أن الجميع ينتظر الانتخابات ولكن المشكلة ليست في الانتخابات ولا بالنتيجة ولكن الخطورة هي ما بعد الانتخابات، وتوضح "في 15 أيار/مايو سيتوجه اللبنانيون إلى صناديق الاقتراع وسيمتنع البعض عن التصويت، النتيجة لن تكون تغييرية بالمعنى الجذري، إذ لا يزال هناك جمهور حزبي، والقوى التغييرية في حال استطاعت أن تخرق بعدد من المقاعد لن يشكل هذا الخرق نسبة كبيرة".
وأوضحت "أقول بأن المرحلة الأصعب ستكون بعد الانتخابات لأن هذا البلد وكل التطورات فيه مرتبطة بالخارج. أولاً نعيش أزمة داخلية، أزمة اقتصادية ومالية، اليوم يوجد سيولة في الشارع بسبب المال الانتخابي، أي أن هناك أموال تدخل إلى لبنان، ما يساهم بتنشيط الدورة الاقتصادية، ولكن بعد الانتخابات سيجف هذا المال بنسبة 50 إلى 60% وبالتالي سنشهد مزيداً من الارتفاع بسعر صرف الدولار، سنرى تفاقم إضافي للأزمة الاقتصادية، وسنشهد مشكلة بالمحروقات والقمح وأخرى بالدواء، ومن كان يدفع المال ليصل إلى الناخبين سيتوقف عن دفع المال".
وتضيف "الأزمة الاقتصادية بعد الانتخابات ستستفحل والأزمة السياسية أصلاً قائمة، سنرى المشهد نفسه في المؤسسات، إذ سنحتاج إلى نحو عشرة أشهر لتشكيل الحكومة كما أن هناك مشكلة بالوصول إلى مرشح جدي لرئاسة الجمهورية. مجلس النواب لا يستطيع بمفرده أن يحل مشاكل البلاد كافة، وبالتالي هذا التعطيل وعدم الاستقرار يخلق جو من الفوضى الأمنية بدأت مظاهرها منذ فترة".
"الفوضى أصعب من الحرب الأهلية"
ونوهت إلى أنه "نردد دائماً مقولة "تنذكر وما تنعاد" ولكن الفوضى الأهلية أخطر من الحرب. لذلك فترة ما بعد الانتخابات هي المرحلة التي يجب على اللبنانيين أن يتنبهوا لها لأنها ربما تكون أخطر، هذا فيما يتعلق بالعوامل الداخلية... فكيف بوجود عوامل خارجية مثل الحرب الروسية - الأوكرانية، والاتفاق النووي الأميركي الإيراني، حتى أن الصحافة الإسرائيلية عندما تتحدث عن احتمال توقيع الاتفاق النووي الإيراني تذكر لبنان، وترجح فرضية شن حرب إسرائيلية على لبنان".
فيما يتعلق بالعودة الخليجية المتمثلة بالسعودية إلى لبنان، تؤكد أن لبنان لم يعد أولوية بالنسبة لدول الخليج. الساحة اللبنانية أصبحت لدول الخليج ساحة ثانوية، يمكن أن تكون ورقة يتم استخدامها أو الاستفادة منها إذا أمكن.
وتصف التحالفات الانتخابية التي تولد في فترة الانتخابات حصراً وتذهب القوى السياسية المتخاصمة لشتم بعضها البعض واتهام بعضها بالفساد طوال الأربع سنوات أي قبل الانتخابات وبعدها، "بالنفاق السياسي".
"اللبناني يتقرب من حزبه في الأزمات"
على الرغم من كل ما تمر به البلاد من أزمات اقتصادية وسرقة المصارف لأموال المودعين، وارتفاع الأسعار وغياب الرقابة، لكن كل ذلك لن يدفع المواطن اللبناني إلى السؤال عن مشروع أو برنامج القوى السياسية المرشحة، على حد قول ميسم رزق، وتوضح "لم ترتبط يوماً الانتخابات عند المواطن اللبناني بمشروع اقتصادي أو اجتماعي أو صحي ومعيشي... الانتخابات بالنسبة للناخب اللبناني هي انتخابات سياسية".
وأشارت إلى أن البعض يعتقد أن الأزمات الاقتصادية تباعد بين الشعب والأحزاب أو التيارات السياسية، بل على العكس هي تقرّبهم أكثر، "في ظل غياب الدولة نحن كشعب طائفي ومذهبي وفئوي نتمسك بطوائفنا لأن المواطن يعتبر أنه في ظل غياب الدولة زعيمه سيحميه، وهذه هي الفكرة القائمة في البلد، وفكرة أن الناس خلعت ثوبها الطائفي ما هي إلا كذبة".
وتعتبر أن من يراهن على الانتخابات كمحطة تغييرية هو واهم والذي يراهن على تحسن الأوضاع بعد الانتخابات النيابية أيضاً واهم، ومن يعتقد أن الخارج يريد لنا دولة في الداخل هو أيضاً واهم، "هذا النظام القائم في لبنان يمكن أن يتغير بحالة واحدة وهي أن نعيش حرباً جديدة لـ 15 عاماً لكي نذهب إلى نظام تأسيسي جديد، وبالتالي لا يمكننا أن نصل إلى تغيير فعلي في المدى المنظور".
"المرأة مغيبة بقرار منها"
عن مشاركة المرأة في السياسية، تحمل ميسم رزق المرأة جزءاً من مسؤولية غيابها، وتقول "المرأة مغيبة بقرار منها وبقرار من القوى السياسية". وتسأل "لماذا نريد أن نحدد وجود المرأة في المجلس النيابي أو في العمل السياسي بكوتا نسائية؟ لماذا علينا أن نحدد للمرأة نسبة مشاركة؟".
وتعليقاً على فكرة أن الكوتا تساهم في تهيئة المجتمع والناخب لاختيار المرأة لتمثيله سياسياً، تقول "هل المرأة كائن غريب أو مختلف عن البشر؟"، وتتابع "المرأة مغيبة لأن عقلية القوى السياسية والحزبية ذكورية، كما أنهم يعتبرون أن المرأة كائن ضعيف... الأحزاب لا يهمها العمل التشريعي والخدماتي الذي ينص عليه القانون لكل من النائب والوزير بقدر ما يعنيها الخطاب السياسي... حتى المرأة نفسها لم تكن مدركة لدورها وحجمها في المجتمع لذلك لم تكن مقدامة، فإذا عدنا بالذاكرة إلى الدورات السابقة نرى أن هناك نسبة ضئيلة من النساء المرشحات للانتخابات. حتى أن المرأة غائبة عن بعض لوائح بعض القوى التي تعتبر نفسها تغييرية، وإذا كانت موجودة على لوائح القوى السياسية لا تحصل على الأفضلية أو ليست متبناة من قبل هذه القوى وناخبيها، لذلك كل العوامل السابقة ساهمت بتحجيم دورها".
فيما يتعلق بالحضور النسائي حالياً في هذه الانتخابات، فإن أغلب النساء الموجودات على لوائح السلطة أو المعارضة وجودها جاء لاستكمال اللوائح" أو لمسايرة بعض المنظمات الدولية كما تقول ميسم رزق، "علماً أن المرأة داخل الأحزاب تشارك بمجالس وهيئات ونشاطات تطوعية ولكن في الوزارات ومجلس النواب غائبة لأن عمل النائب والوزير بالنسبة للنظام القائم ليس عملاً لا خدماتياً ولا تشريعياً بل هو عمل سياسي، يتمحور حول إلقاء الخطابات السياسية، وربما يعتبرون أن المرأة كائن ضعيف وليس لها القدرة على لعب هذا الدور"، منتقدةً غياب الحركات النسائية السياسية الفعالة التي تستطيع أن تعزز دور المرأة وتفرضه في السياسة.