البرلمانيات... هل تساهمن في النهوض بواقع النساء المغربيات؟

أكدت عدة برلمانيات أن تمثيل النساء في البرلمان يبقى طفيفاً، ولا يرقى إلى مستوى تطلعات النساء المغربيات، فمبدأ المناصفة الذي نص عليه الدستور يعتبر مفقوداً.

حنان حارت

المغرب ـ ارتفع عدد النساء في البرلمان المغربي بين عامي 2002 و2021، الأمر الذي يعكس الديناميكية والتعبئة التي خلقها نظام "الكوتا" رغم الجدل المثار حوله، حيث رفع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب رقم 27.11 الذي جاء في سياق الإصلاحات الدستورية والقانونية، من عدد المقاعد المحجوزة للنساء من 30 مقعداً إلى 60 مقعداً، ثم رفع مشرعو البرلمان عدد مقاعد "الكوتا" النسائية إلى 90 من أصل 395 مقعداً، مما إلى أدى وصول 95 امرأة لقبة البرلمان.

فكيف تقيم النساء البرلمانيات في المغرب حضورهن داخل مجلس النواب؟ وكيف هي مساهمتهن؟ وماهي القيمة المضافة التي يقدمنها؟ وكيف يسعين إلى تغيير واقع النساء في المجتمع؟

 

تمثيلية وازنة

اعتبرت البرلمانية النائبة عن حزب الحركة الشعبية عزيزة بوجريدة، التعديلات التي عرفتها القوانين الانتخابية بالمغرب في نهاية الولاية الحكومية السابقة، بمثابة إصلاحات هامة، تعزز المسار الديمقراطي للبلد.

وفيما يرتبط بالحضور النسائي في مختلف المؤسسات المنتخبة، أوضحت "الولاية البرلمانية الحالية عرفت تمثيلية نسائية وازنة انطلاقاً من الجهات، وهو ما يمكن اعتباره مكسباً مهماً، لأن كل الجهات ممثلة بمجلس النواب، بالإضافة إلى بعض الفعاليات النسائية".

وأضافت "حضور النساء في البرلمان هو حضور وازن، ليس على مستوى العدد فقط، وإن كان أملنا الارتقاء بتواجد النساء بالبرلمان، ولكن أيضاً من خلال الحضور الفعلي سواء في اللجان الدائمة أو أثناء الجلسات العامة، أو من خلال المبادرات التشريعية والرقابية التي تقدمن بها".

 

قيمة مضافة

وعن القيمة المضافة التي تقدمها النساء بالبرلمان المغربي، أوضحت "النساء يعتبرن أصلاً قيمة مضافة للبرلمان، ولا يمكن تصور مؤسسات منتخبة بدون حضور نسائي"، مضيفةً "أعتقد بأن السؤال يمكن طرحه أيضاً بطريقة معاكسة أي عن القيمة المضافة التي يقدمها الرجال للبرلمان؟ ما يعني أن المسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة في هذا النطاق، وعلى الاثنين معاً أن يقوما بالدور المنوط بهما دستورياً، ويمكنهما معاً أن يقدما القيمة المضافة إذا تحليا بروح المسؤولية العالية، لأن الهدف في نهاية المطاف هو خدمة البلد والشعب".

وعن الدور الذي تقدمه البرلمانيات من أجل النهوض بوضعية المرأة المغربية، قالت "منذ مشاركة أول مرأتين بالبرلمان، ومروراً بمختلف الولايات التشريعية التي ارتفع فيها عدد النساء البرلمانيات، كان هاجس النهوض بوضعية المرأة المغربية دائماً حاضراً، وفي هذا الصدد، أشير إلى طرح موضوع المرأة في الأسئلة الشفهية والكتابية، واستحضارها في التشريع وتقييم السياسات العامة؛ كما أن النظام الداخلي لمجلس النواب أفرد لها باباً خاصا تحت عنوان "المساواة والمناصفة"، إذ يهدف إلى دعم وتقوية المكتسبات في كل المجالات وتعزيزها على مستوى التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية والدبلوماسية البرلمانية، كما يتعين التذكير بأن هذا النظام الداخلي ينص على تشكيل مجموعة العمل المكلفة بالمساواة والمناصفة، التي تمثل فيها كل الفرق والمجموعات النيابية بنساء برلمانيات".

وأكدت النائبة البرلمانية عزيزة بوجريدة أن المجموعة كان لها دور مهم خلال الولاية السابقة في العمل على قضايا المرأة، معربة عن تمنياتها لإحداث هذه المجموعة خلال هذه الولاية التشريعية لاستكمال الورش المرتبطة بالنهوض بوضعية المرأة، مشيرة إلى أن البرلمانيات يترافعن على القضايا ذات العلاقة بانشغالات المواطنين، وضمنها بالطبع قضايا المرأة.

 

تمييز إيجابي

ومن جانبها؛ أكدت البرلمانية سلوى الدمناتي عضو الفريق الإشتراكي بمجلس النواب، أن الحضور النسائي تحت قبة البرلمان المغربي، أصبح أكثر تمثيلية بعد انتخابات 8 أيلول/سبتمبر الماضي، خاصة بعد حذف لائحة الشباب وإضافتها إلى اللائحة الجهوية للنساء، ما يجعله تمييزاً إيجابياً أدى إلى الرفع من تمثيلية النساء في البرلمان.

وأشارت إلى أنه بالمقابل تظل "الكوتا" هي الآلية الوحيدة القادرة على تفعيل وتواجد المرأة داخل المؤسسة التشريعية، إلا أنها لا تتجاوب مع استمرارية العمل والمجهودات الكبيرة التي تقوم بها، نظراً لأن عدم إمكانية تواجد النساء لأكثر من فترة انتدابية لا يوفر الاستمرارية وتراكم العمل التشريعي للنساء، مما يجعله عملاً متقطعاً يتجدد بعد كل عملية انتخابات تشريعية، بخلاف التميز وتراكم الخبرات الذي يعرفه عمل النواب الرجال.

وأوضحت سلوى دمناتي أن التواجد الكمي للنائبات البرلمانيات لا يتناسب من الناحية الكيفية في أغلب الأحيان وخصوصاً في الفترة الإنتدابية الحالية؛ نظراً لنهج تقييد حرية التعبير لممثليها داخل البرلمان وحصر إمكانية النقد أو التعليق على العمل البرلماني عموماً، وأيضاً يرجع ذلك إلى قلة الخبرة السياسية لمعظم النائبات البرلمانيات، مما يضيق عليهن حيز المناقشة السياسية لجل المواضيع ذات الأهمية.

 

تفاوت ملحوظ

وحول القضايا النسائية التي تسعى البرلمانيات إلى الدفاع عنها، كشفت سلوى دمناتي أنه حالياً يثار داخل أروقة البرلمان نقاشاً لحد الآن حول ضرورة إعادة النظر حول مدونة الأسرة، نظراً للتداعيات التي تعاني منها الأسرة المغربية خاصة في ظل ارتفاع نسب التفكك الأسري، وبالتالي ارتفاع نسبة الطلاق.

وعن تقيم المساهمة النسائية في البرلمان المغربي، قالت "هناك تفاوت ملحوظ خاصة بين فرق الأغلبية والمعارضة"، مضيفة "لكن تظل مساهمة النساء في البرلمان جد فعالة، حيث تقوم أغلبهن بمجهود كبير، بحيث يطرحن الإكراهات التي تواجهها المرأة المغربية وخصوصاً في المناطق القروية لما تتعرض له من حيف خصوصاً من ناحية هضم لحقوقها الشرعية إذا ما حددناه في حرمانها من الاستفادة من أراضي الورثة؛ وكذلك لتجذر الموروث الثقافي في جل المناطق القروية التي تعتمد بالأساس على الأعمال الشاقة التي تزاولها النساء القرويات بدون مقابل وبدون أدنى رد لاعتبارها".

 

تقدم طفيف

وبدورها ترى النائبة الاتحادية حنان فطراس، أن تمثيلية النساء في البرلمان المغربي رغم ارتفاعها في المجلس الحالي، إلا أن هذا التقدم يبقى طفيفاً، ولا يرقى إلى مستوى تطلعات النساء المغربيات، فمبدأ المناصفة الذي نص عليه الدستور يعتبر مفقوداً.

ولفتت إلى أنه في هذا السياق يجب توضيح دور الأحزاب السياسية في تحقيق المساواة، سواء الأحزاب السياسية المشكلة للحكومة أو المشكلة للمعارضة، تماشياً مع الدستور المغربي.

وأضافت "تتدخل الأحزاب السياسية المشكلة للحكومة مباشرة في صياغة السياسات الحكومية، وهي بيدها إعداد مشاريع القوانين والوقوف على تنفيذها وكذلك المساهمة الفعالة في تحقيق المساواة من خلال إعادة النظر في القوانين الانتخابية على سبيل المثال، وذلك بما يكفل المساواة بين الجنسين إذ لا يكفي تخصيص "كوتا" للنساء وإنما يجب العمل على الدفع بترشيحهن كوكيلات في اللوائح الوطنية والمحلية".                                                                                                                         

وترى حنان فطراس أنه يجب على الأحزاب المشكلة للحكومة التحلي بالحكمة داخل أحزابها من خلال إشراك النساء في التسيير الحزبي والوصول لدفة القيادة، لأن التجربة الميدانية أثبتت بأنها قادرة على تحمل المسؤولية.

وأشارت إلى أن الفصل 92 من الدستور المغربي، حدد مهام الحكومة ومن بينها وضع السياسة العامة للبلد والتي تنهل من برامج أحزابها، مضيفة أن المساواة لا تقتصر فقط على سن القوانين المكرسة لها بين الرجال والنساء، بل يجب تجسيد ذلك في الواقع من خلال تخصيص نصف المقاعد للنساء في المجالس المحلية ومجالس الجهات والعمالات والأقاليم، وذلك من خلال ترشيح هذه الأحزاب للنساء، بل والعمل على حسن تأطيرهن حتى تتحقق المردودية المطلوبة.

وقالت حنان فطراس أن واقع الحال يثبت أن الأحزاب السياسية المشكلة للحكومة بعيدة كل البعد عن تحقيق المساواة المنشودة سواء داخل هياكلها الداخلية؛ بسبب غلبة العقلية الأبوية عليها أو غياب إرادة حقيقية في سن قوانين عملية هادفة لتحقيق المساواة فعلياً وهو ما ينعكس على مختلف أجهزة التسيير المؤسساتي من حكومة ومجالس الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات المحلية التي تخضع لهيمنة الرجل.

وأوضحت أن الفقرة الثانية من الفصل 60 من الدستور المغربي، نصت على أن المعارضة مكون أساسي وتختص أيضاً بوظيفة التشريع والرقابة من موقعها، ولهذا فإن أحزاب المعارضة لها اختصاص ثابت في التقدم بمشاريع قوانين ووضع السياسات العمومية، ولا سيما الهادفة إلى تكريس المساواة سواء ما تعلق منها بتعديل القوانين الإنتخابية أو القوانين الأخرى ذات الصلة بالجنسين كالقانون الجنائي أو مدونة التجارة، أو الاقتراح لمناصب المسؤولية.

 

تغيير الواقع

وبينت البرلمانية حنان فطراس أن الأحزاب السياسية كفاعل سياسي، لازالت بعيدة كل البعد عن تحقيق المساواة بين الجنسين وهو ما يتضح في تركيبة هياكلها الداخلية.

وأكدت أنه اليوم باتت الحاجة ملحة لتغيير هذا الواقع من خلال إرادة حقيقية في تكريس المساواة من خلال تأطير النساء وإشراكهن في مصدر القرار بالتساوي، إذ لا يكفي وجود ترسانة قانونية متميزة في الحديث عن الإنصاف والمساواة، إنما يجب تجسيد ذلك على أرض الواقع في مجال الوظيفة العمومية ومختلف المجالس المنتخبة وفي كافة مناصب المسؤولية.

وأوضحت حنان فطراس، أنه رغم كون النساء يشكلن أقلية في البرلمان، إلا أن لهن تأثيرات إيجابية على مجموعة من القضايا، كالرفع من ميزانيات مخصصة لبعض القطاعات، ومراجعة أو تعديل التشريعات المتعلقة بالنوع الاجتماعي، وتشريع أكثر صرامة حول العنف القائم على النوع الاجتماعي وتزويج القاصرات، بالإضافة إلى تشريعات أكثر فعالية بشأن التنمر الإلكتروني، ودعم التدابير الرسمية إلى تعزيز المساواة الاقتصادية بين الجنسين.                                                                          

وأكدت على أن النساء البرلمانيات لهن تأثيرات إيجابية أيضاً، من خلال تشكيل تحالفات استراتيجية مع النواب الرجال واللجان البرلمانية، والعمل بمثابة جسر وحلقة وصل للمجتمع المدني، والتعريف ببعض القضايا تجاه النواب البرلمانيين الآخرين؛ بالإضافة إلى الدور التمثيلي للنساء البرلمانيات في اللجان لضبط التشريعات.

 

توافق الآراء

وأوضحت أن النساء في البرلمان يعملن كذلك على توافق الآراء، وخصوصاً عندما تكون هناك أقلية من المقاعد، للعمل بصوت واحد وبمجموعة مشتركة من الطلبات، لأن الموافقة بالإجماع تعتبر الأهم.

واختتمت النائبة الاتحادية حنان فطراس حديثها بالقول "رغم ضعف حضور النساء في البرلمان، إلا أن حضورهن يعد أمراً إيجابياً؛ فحتماً لا يمكن إلا أن يخدم قضية المرأة، والدفاع عن حقوقها، وصون مكتسبات القوانين المرتبطة بها".

يشار إلى أن البرلمان المغربي، كان قد عدل قانون تنظيم الانتخابات التشريعية خلال انتخابات 8 أيلول/سبتمبر الماضية، بهدف تحقيق المناصفة وتكافؤ الفرص بين النساء والرجال، من خلال استبدال الدائرة الانتخابية الوطنية بـ "الدوائر الجهوية (الإدارية)" مع اشتراط ضم كل لائحة مرشحات لا يقل عددهن عن ثلثي عدد المقاعد المخصصة لكل "دائرة انتخابية جهوية".