العلاج النفسي بالموسيقى وأهمية التربية الموسيقية
الموسيقى سيف ذو حدين، وبينما هناك أمثلة إيجابية من التاريخ على العلاج النفسي بالموسيقى، ولكن بالمقابل هناك نماذج موسيقية خطرة أو ما يعرف بالمخدرات الرقمية، قد تؤدي إلى آثار سلبية على الفرد والمجتمع.
سوزان أبو سعيد
بيروت ـ يعود العلاج النفسي بالموسيقى إلى الحضارات القديمة بداية لطرد الأرواح الشريرة، وفي مصر القديمة لتحسين الصحة العقلية والجسدية وفي اليونان ربطها الفلاسفة بالصحة النفسية، وفي الصين القديمة لتنظيم تدفق الطاقة بالجسم، ولدى الأطباء العرب الموسيقى لعلاج الأرق والاكتئاب والصداع وأمراض المفاصل.
اتجه الباحثين في الموسيقى بالعصر الحديث لتطوير العلاج النفسي لعلاج أمراض نفسية وجسدية عدة تناولت الفئات العمرية المختلفة ومن الجنسين، ومنها علاج الاكتئاب لدى النساء وخصوصاً في مرحلة بعد الحمل، فضلاً عن العدائية لدى الأطفال واليافعين.
حول ذلك قالت مدرسة الموسيقى وعازفة البيانو وعضو الاتحاد العالمي للموسيقى العلاجية رامونا الجردي "العلاج النفسي يرجع إلى قديم الأزمان، وهناك أمثلة كثيرة في التاريخ العربي مثل الفارابي، الهندي وغيرهما، حيث عمل هؤلاء الأطباء والمعالجين العرب على العلاج النفسي بالموسيقى، كما عمل الغرب على علاج الاكتئاب بالموسيقى، وذلك عبر تقنيات عدة وعلى فترات زمنية معينة، ولكن الموسيقى سلاح ذو حدين يمكن استخدامها مثل كل شيء بالحياة في المنحى الإيجابي والسلبي، لذا نجد أنه تم تحريم الموسيقى من قبل بعض الديانات السماوية والأرضية حيث استعملت في الشعوذة والسحر الأسود، حيث يقوم أفراد بتأليف "موسيقى سوداء"، تعمل على ذبذبات معينة في الدماغ وتخدره وبالتالي يتجه المتلقي نحو الأفعال الشاذة والانحراف والشعوذة".
وأوضحت "للأسف تستخدم الموسيقى حالياً لأغراض سلبية، وذلك عبر قنوات وإذاعات معينة بما يسمى المخدرات الرقمية وهي نوع من المخدرات الصوتية، ويتم استهداف المراهقين بها، حيث يتجه البعض لاستهداف الحضارات العريقة وإزالتها مع الوقت، وأن يؤسسوا لانحراف وتعميم الأفعال المنافية للأخلاق وتقاليد المجتمع وأن يتبع الفرد غرائزه، ويتم تنزيلها مجاناً عبر الإنترنت، على شكل ملفات صوتية، ويتم سماعها عبر سماعات الأذن، حيث تكون الذبذبات مختلفة بين الأذنين، وتؤثر على أمواج الألفا والبيتا والغاما في الدماغ، وقد تناولتها دراسات عدة، بحيث يصبح المستمع وكأنه تحت تأثير المواد المخدرة، ويتصرف مثل الزومبي كما رأيناهم مؤخراً في ولاية كاليفورنيا وفي أستراليا، حيث يتصرفون مثل الكلاب، وظواهر أخرى غريبة وعجيبة لم نشهدها من قبل، وبتأثير موسيقى على أنواعها، ومنها بدون كلمات مثل اللحن الموسيقي melodic أو التناسق الموسيقي harmonic أو الإيقاعي rythmic، أو موسيقى الراب Rap وهي الأخطر وهنا أود التوضيح بأني لا أعمم، فهناك أغاني راب جيدة، ولكن وبطريقة غير مباشرة يمكن باستخدام الكلمات والجمل والموسيقى في هذا النوع مما يحفز على الانتحار، وعلى الاتجاه للمساكنة، والخروج من المنزل عبر الأغاني، ولذا فمن واجبنا كأمهات الانتباه إلى ما يستمع إليه أطفالنا، للحد من آثار هذا النوع من المخدرات على الأجيال القادمة، فهو واجبنا، كوننا من أعطاهم الهاتف المحمول، فعلينا مراقبتهم فيما يستمعون إليه ويشاهدونه عبرها".
وأكدت على أنه "من الضروري تغذية أولادنا بالتربية والثقافة الموسيقية والحضارية وأنصح الحامل بأن تسمع جنينها الموسيقى، فمن المهم جداً أن نغذي الأذن الموسيقية لأطفالنا، فعندما يكون الجنين في فترة التكون يبدأ بتلقي الأصوات وتحديداً منذ الشهر الرابع، وكذلك يشعر بالإيقاع في الشهر السابع، أي أنه عندما ترفع الأم صوتها فهو يشعر بالإيقاع وبالنبض الموسيقي، لذلك من المهم في هذه الفترة أن تستمع الأم إلى موسيقى راقية، ونحن كأمهات مسؤولات لجهة ما نسمع أولادنا، ويجب أن نُسمعهم موسيقى تعلمهم الأخلاق والتربية والانضباط".
وأضافت رامونا الجردي "تؤثر الموسيقى على الناحية الجسدية والنفسية والعاطفية، ويعتبر تردد 440 هيرتز (ارتجاج الوتر في الثانية) مثل صوت البحر وصوت الطبيعة عموماً من الموسيقى التي تؤثر كثيراً على الإنسان، وكل إنسان يحب صوت البحر لأن الـ 440 هيرتز تؤثر مباشرة على الدماغ، وتحديداً منطقة الاسترخاء، هذه الذبذبات نتلقاها عبر آذاننا وتدخل مباشرة على موجات ألفا التي هي مسؤولة عن الاسترخاء وعن التخيل والراحة، ولماذا نحب الطبيعة ولماذا نحب البحر؟ لأننا جزء من هذا الكون، جزء من البحر والتراب والنباتات، حتى النباتات والكواكب لها أصوات وتصدر ذبذبات معينة، لذلك، وتلقائياً عندما نتوجه إلى البحر نرتاح، ولذلك الموسيقى هي خطرة تدخل إلى آذاننا وأجسامنا وهرموناتنا دون أن تسألنا ودون أن نشعر، وهي تعمل أيضاً على الهرمونات في الجسم مثل الـ "دوبامين" والـ "سيروتونين" دون أي رادع". لافتةً إلى أن التذوق الموسيقي، يعود إلى "أصولنا التربوية الموسيقية وأين نشأنا وفي أي بيئة".
وعن العدائية لدى الأطفال والعلاج بالموسيقى، قالت "عملت على إحصاءات وكلها أعطت نتائج مذهلة، إذ وصلت إلى نسبة 85 بالمئة من النجاح، واستخدمت طريقتين في هذا المجال، فهناك علاج نفسي جماعي أو فردي، ففي حالة الأطفال الذين لديهم خجل، اتجه للعلاج الجماعي، ما يؤثر إيجابياً بتخفيف الخجل لديهم، ويسمح لهم بالاندماج ضمن المجموعة، وعادة ما اتجه للعلاج الجماعي، وخصوصاً في حالة العدائية لدى الأطفال، سواء لجهة العنف اللفظي والجسدي، حيث لا يظهر الطفل أمامي كبالغ في هذه التصرفات والمنحى العدواني، ولكن عند الانخراط ضمن مجموعة أطفال من عمره وبالمتابعة والمراقبة وتحليل كل حالة، اتجهت للعلاج الفردي وعلى فترات مختلفة وضمن تقنيات معينة، وقد تابعت حالات منها لديها أطياف التوحد وفرط النشاط وقلة الانتباه مع العدائية اللفظية والجسدية، وهناك نجاحات جيدة في هذه الحالات".
وأشارت إلى أن "علاج العدائية لدى الأطفال، يجب أن يبدأ منذ عمر 3 سنوات وحتى 7 سنوات، على أن يتم التشخيص من قبل مختص لا من قبل الأهل أو المعلمة في المدرسة، وفي هذا المجال، يمكن علاج العدائية حتى في أعمار متقدمة ولدى المراهقين والبالغين، ولكن من الأفضل البدء في هذه الأعمار".
وقالت إنه بالنسبة إلى النساء اللواتي تعانين من الاكتئاب عليهن عدم تناول الأدوية والمهدئات وأدوية الأعصاب بكثرة لأن لها أعراض جانبية، والأفضل هو العلاج بالموسيقى، وحالياً في لبنان هناك مختصون يعالجون عبر تقنيات موسيقى الاكتئاب والـ ADHD (اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى الأطفال)، العدوانية وبعض حالات من طيف التوحد، كل هذه تعالج عبر تقنيات موسيقية، وحتى مرضى السرطان "يمكن أن نحد من هذا المرض ونخفف من عدد الخلايا السرطانية في جسم الإنسان عبر الموسيقى، وهناك الاكتئاب ما بعد فترة الحمل أو خلال فترة الحمل أو الاكتئاب والضغط النفسي في حياتنا اليومية، خاصةً في لبنان، يمكننا أن ننعزل عن العالم ونخضع للعلاج بالموسيقى، ونسمع موسيقى كل يوم وأن نختار الموسيقى التي نحبها، فتتغير الهرمونات في جسمنا، بحيث تعمل على "الأدرينالين" و"السيروتونين" Serotonin والـ "دوبامين"، وكل هذه المواد الكيميائية والهرمونات في جسمنا، تعتبر من هرمونات السعادة وهرمونات الفرح وتعمل جميعها معاً بانسجام، وبذلك تؤثر بالاسترخاء والراحة نفسياً وجسدياً وعقلياً وعاطفياً".