الأمراض النفسية تفتك بنساء غزة إثر الهجمات المستمرة
دعت الأخصائية النفسية منى أبو علبة، النساء في قطاع غزة للالتحاق بجلسات الدعم النفسي التي تنظمها بعض المراكز بملاجئ النزوح، وتعلم بعض التمارين البسيطة كالتنفس العميق للتكيف مع واقعهن الحالي.
رفيف اسليم
غزة ـ ساهمت الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ ما يقارب العام، في خلق بيئة خصبة لإصابة النساء بالعديد من الأمراض النفسية ومفاقمة البعض الآخر منها، جراء القصف المستمر وأصوات الرصاص والانفجارات التي لا تتوقف على مدار الساعة، والتهجير المتواصل، عدا عن مشاهدتهن للرؤوس والأطراف المقطعة، وتعرضهن المستمر للفقد سواءً منازلهن أو أحبائهن.
قالت الأخصائية النفسية ومديرة الحالة بمركز شؤون المرأة منى أبو علبة، أنه خلال متابعتها للعديد من الحالات الخاصة بالنساء، وجدت أن مدينة غزة كانت وما تزال تشكل بيئة خصبة لظهور العديد من الأمراض النفسية، فقبل نشوب الحرب كانت النساء تعانين من أوضاع اقتصادية صعبة للغاية، عدا عن العنف الذي كن تتعرضن له على الدوام.
وما بعد الهجوم لم يختلف الوضع بحسب منى أبو علبة، فقد ازداد ذلك العنف الممارس عليهن، كون الضغوطات النفسية زادت على الرجل بالتالي أفرغ ذلك الغضب إما بزوجته أو ابنته أو ربما شقيقته، فأصبحت معاناة المرأة مزدوجة الأولى الهجوم وما يسببه لها من مشكلات نفسية والثانية العنف الأسري.
وأوضحت أن النساء خلال الهجوم على قطاع غزة عانين من مشكلات مختلفة أهمها الفقد أي فقدها لأحد أفراد أسرتها أو أحبائها وفقدها لمنزلها الذي يمثل مساحة أمان لها، لافتةً إلى أن التهجير القسري الذي فرض عليهن لعدة مرات متتالية كان له أثر أيضاً، عدا عن تغير رويتنها اليومي كغسل الملابس على يدها والطبخ على النار والمجاعة التي عايشتها على مدار الأشهر الماضية خاصة في شمال قطاع غزة.
وأشارت إلى أن جميع ما سبق كان له دور في ظهور العديد من الأمراض النفسية لدى النساء كاضطراب ما بعد الصدمة "التروما"، والشعور بالقلق المستمر والحساسية الزائدة، الشعور بالعجز، وقلة النوم أو التركيز، والمعاناة من عدة اضطرابات جسدية كالرعشة والألم المستمر بالعضلات، وآلام المعدة والرقبة، والصداع المستمر الذي لا يبرح الرأس، والعصبية الزائدة والتي ربما تظهر تجاه أبسط الأمور.
وأكدت أن النساء لا تعرفن كيف تتعاملن مع كل تلك التحديات فتجدها تفرغ ذلك الغضب في طفلها سواء بالصراخ أو الضرب لتتنبه بعد ذلك ويعتريها الشعور بالذنب حول ما اقترفته، لافتةً إلى أنه على الأم الوصول إلى طريقة مناسبة لإزاحة الغضب عنها وعدم الاستسلام لما تخلفه تلك الضغوطات كي تحافظ على صحة وسلامة طفلها النفسية.
ولأن لكل امرأة طريقتها في إزاحة ذلك الغضب، نوهت إلى أنه لا يمكن الحديث عن طريقة واحدة للتخلص من تلك الأمراض وتبعياتها، فبعض النساء تجدن صعوبة بالغة في التحدث عما عشنه مرة أخرى أو زيارة المكان فتلجن إلى العزلة على الرغم من أنها قد تكون اجتماعية قبل الحدث، وبعضهن لا تتوقفن عن الحديث بل تجدن في اقحام أنفسهن بالتجمعات راحة لهن من تلك الأعباء.
وبالمقابل بعضهن تلجن وفقاً لمنى أبو علبة، للبكاء كردة فعل لحظة الحدث، لكن ذلك يرجع لثقافة المرأة وثقتها بنفسها وقدرتها على تعديل الأفكار السلبية واستبدالها بأخرى إيجابية لمساعدة نفسها، مشددةً على أنه لا ينبغي على النساء الاستماع أو أخذ نصيحة في تلك الحالات من غير الجهات المختصة فقد يكون البكاء مفيد فيما تمنعها إحداهن لحجج واهية وليس لها أي مرجع علمي كخرافة أن البكاء يعذب الميت.
وأكدت أنه على النساء الالتحاق بجلسات الدعم النفسي التي تنظمها بعض المراكز بملاجئ النزوح، كما عليهن تعلم بعض التمارين البسيطة كالتنفس العميق والاسترخاء، وتفريغ الانفعالات من خلال الرسم أو الكتابة، أو التلوين، أو أي نشاط آخر قد تجد المرأة فيه راحة نفسية، "على النساء في غزة العودة إلى عادتهن اليومية السابقة التي كانت تداومن عليها قبل الحرب للتكيف مع واقعهن الحالي".
كما نصحت منى أبو علبة، النساء والأطفال بعدم مشاهدة الأخبار سوى مرة واحدة خلال اليوم وعدم متابعة المقاطع التي تظهر مقطعي الرؤوس أو مبتوري الأطراف، لأن ذلك حتماً سيؤثر على الحالة النفسية وجودة النوم لديهم، ومحاولة مساعدة الأطفال على التفريغ النفسي عبر أنشطة بسيطة كطرقعة الأصابع، وصندوق الأمان وهو مكان مفضل للطفل يلجأ إليه بعد اغماض عينيه في لحظات اشتداد أصوات القصف لينعزل عن المكان.
ولا تنكر منى أبو علبة، أن بعض الأمراض النفسية قد لا تتغلب عليها تلك التمرينات البسيطة فتحتاج المرأة إلى أدوية نفسية مخصصة لاجتياز أزمتها وما يفاقم الوضع في المدينة المنكوبة هو انقطاع الدواء "يجب عدم الاستسلام للمرض والتوجه إلى أقرب نقطة طبية يتواجد داخلها طبيب نفسي مختص لإيجاد بديل مناسب متوافر".