اليوم العالمي للشطرنج... لعبة العظماء والعباقرة

نظراً للقدرة الهائلة التي تتميز بها لعبة الشطرنج في كسر الحواجز ومكافحة التمييز ودورها البارز في النهوض بالتعليم والتنمية المستدامة، ولكونها زهيدة التكلفة ويمكن ممارستها في أي مكان وبدون أي قيود مفروضة، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2019 أن 20 تموز/يوليو من كل عام، يوماً عالمياً للشطرنج

مركز الأخبار ـ .
 
منصة الترفيه والتعليم والتنمية المستدامة
أدركت الأمم المتحدة المكانة العريقة للعبة الشطرنج التي تعد من أشهر الألعاب العقلية التي اتسمت بالفكر والثقافة، وقدرتها على تغيير سلوكيات ومعتقدات ممارسيها ومحبيها، ومساهمتها في خلق أجواء يعمها التسامح والتفاهم ونجحت خلال قرون عديدة في الترفيه عن الملايين، دون أي اعتبار للغة والعمر أو حتى الجنس أو القدرة البدنية أو المركز الاجتماعي.
كما أنها تكسر حواجز الخوف والقلق لدى محبيها ولاعبيها وتمنع الإصابة بمرض الزهايمر كونها سبباً في تحفيز خلايا المخ ويرفع معدلات الذكاء لدى الأطفال، وهي فرصة لتعزيز التعليم ودحض العنصرية وتحقيق المساواة بين الجنسين وأداة لتحقيق السلام، واعتبرت الجمعية لعبة الشطرنج أنها أحد مقومات التمكين للتنمية المستدامة والاندماج بالمجتمع ومن أبرز الألعاب التي تتصف بالنزاهة والاحترام المتبادل.
وتكريماً للدور الهام الذي قام به الاتحاد الدولي للشطرنج في دعم التعاون الدولي للأنشطة والسعي إلى تحسين الانسجام بين جميع شعوب العالم فضلاً عن إتاحة منصّة مهمّة لتعزيز الحوار والتضامن وثقافة السلام، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قراراها 72/278 أنّ 20 تموز/يوليو، يوماً عالمياً للشطرنج.
ويتزامن هذا اليوم مع تاريخ تأسيس الاتحاد الدولي للشطرنج في العاصمة الفرنسية باريس عام 1924، وبمبادرة أطلقها الاتحاد عام 1966 قضت بتعليم العشرات من محبي الشطرنج، واحتفل اللاعبون بهذه اللعبة في جميع أنحاء العالم منذ ذلك العام على الرغم من أنه لم يكن يوماً عالمياً.
يلعب الشطرنج ملايين الأشخاص سواءً المحترفين أو الهواة، وبلغ عدد الأشخاص الذين يمارسون اللعبة بانتظام حوالي 605 مليون شخص، وبذلك تصبح فئة لاعبيها أحد أكبر الفئات الاجتماعية في العالم.
 
لعبة ستحسن من مستقبل العالم
كان 2020 عام الشطرنج بكل امتياز حيث حققت اللعبة أرقام عالية خصوصاً بعد تضاعف أعداد محبيها والأعمال التي تهتم بها، ففي هذا العام أثر فيروس كورونا على غالبية الألعاب والرياضات في جميع أنحاء العالم، إلا أن لعبة الشطرنج أظهرت مرونة وقدرة عالية في التكيف مع الجائحة من خلال البطولات التي نظمت على المنصات الإلكترونية، حيث سجل الموقع المتخصص بالشطرنج com.Chess أرقاماً قياسية فقد بلغ عدد أعضائه 100 ألف عضو جديد في اليوم الواحد.
كما أن تنزيلات التطبيقات الخاصة باللعبة تجاوزت المليار تحميل في عام 2020، وتضاعف البحث عنها عبر موقع Google وعن قوانين لعبها لأول مرة، وحققت النسخة الأولى من استوديو تحليلي ومسابقات للشطرنج نجاحاً مذهلاً تجاوزت مشاهداته 15 مليون مشاهدة في الأشهر الأولى من العام في 7 دول فقط.
بالإضافة للنجاح الذي حققه المسلسل القصير "The Queen is Gambit"، حيث تجاوزت مشاهداته 62 مليون خلال الـ 28 يوم الأولى من إطلاقه وتم ضمه لقائمة أعلى 10 مسلسلات في 92 دولة، صور المسلسل قصة فتاة يتيمة تدعى بيت هارومون تقطن في دار للأيتام، تعلمت لعبة الشطرنج التي كان لرقعتها سحر خاص أثر بها، حيث شعرت بالأمان من خلال قطعها التي شكلت عالماً صغيراً أصبحت هي المسيطر الوحيد عليه بكل تفاصيله، ولحبها الشديد لهذه اللعبة استطاعت الوصول لعالم الشهرة وباتت ملكتها.
وتجسد نجاح المسلسل بالإقبال الشديد على تعلم ولعب الشطرنج، حيث وصل عدد اللاعبين النشطين يومياً إلى 3.1 مليون لاعب أي بزيادة قدرها 1.2 مليون لاعب ما قبل عرض المسلسل، بحسب ما أكده أكبر موقعين للعبة "com."Chess و"org.Lichess"، ووثق الموقع الأخير زيادة تجاوزت 25% في عدد اللاعبين النشطين آنياً فور عرض المسلسل مباشرة.
كما أن الرواية التي صدرت عام 1983 للكاتب الأمريكي ولاعب الشطرنج وولتر تيفيز، واستوحي منها المسلسل الذي حمل العنوان نفسه للرواية، حققت نسبة مبيعات ضخمة وبذلك استحقت الانضمام لقائمة الكتب الأكثر مبيعاً New York Times. 
 
ألقابهن اثبتت أنها لم تكن لعبة ذكورية بامتياز 
كانت الشطرنج لعبة اجتماعية لكلا الجنسين خلال الفترة التي امتدت من العصور الوسطى حتى القرن الثامن الميلادي، واعتبرت البارونة الصقلية ماكالدا دي سكاليتا وملكة اسكتلندا والملكة إليزابيث الأولى من أقدم لاعبات الشطرنج في القرن الثالث عشر، وأصبحت ممارسة النساء لهذه اللعبة محور المواضيع التي تناولها الكتاب والفلاسفة أمثال الفيلسوف الأمريكي توماس جيفرسون.
أما في الفترة الممتدة من القرن الرابع عشر وحتى القرن الثامن عشر فقد اعتبرت المنافسة بين النساء والرجال موضوعاً مشتركاً بين الفن الأوروبي والأدب، ومع حلول القرن التاسع عشر لم يعد عالم الشطرنج مشتركاً للجنسين بل هيمن عليه الرجال، ومع حلول القرن العشرين عادت النساء إلى واجهة اللعبة وبذلك كسرن هيمنة الذكور عليها.
ففي عام 1927 كانت اللاعبة الروسية فيرا مينشيك أول بطلة شطرنج في العالم ودافعت عن اللقب ست مرات حيث فازت بكل بطولة حتى وفاتها عام 1944، وبعد أكثر من عقدين أصبحت ليودميلا رودينكو من الاتحاد السوفيتي أول امرأة تحصل على الماجستير الدولي في اللعبة، وفي عام 1976 أصبحت اللاعبة الهندية روهيني كاديلكار أول امرأة تنافس في بطولة الشطرنج للرجال في الهند، الأمر الذي غير من قوانين اللعبة لتصبح النساء غير ممنوعات من المشاركة في البطولات الوطنية والدولية وذلك بقرار من رئيس الاتحاد العالمي للشطرنج.
وكانت أول امرأة تخطف لقب "غراند ماستر"، ولقب بطولة العالم لشطرنج السيدات على مدى ما يزيد عن عقد من الزمن هي اللاعبة نونا جابربنداشفيلي من ولاية جورجيا الأمريكية، أما عن المرأة الوحيدة التي صنفت صمن قائمة أفضل عشر لاعبي شطرنج في العالم وصاحبة لقب "موزارت الشطرنج" فهي اللاعبة المجرية جوديت بولغار التي فازت بأوسكار الشطرنج ثماني مرات، وحملت أعلى لقب في اللعبة "الأستاذ الكبير" محطمة الرقم القياسي لأصغر حامل لهذا اللقب الذي كان من نصيب الأمريكي بوبي فيشر.
وتعتبر اللاعبة الصينية هوى ييفان أول لاعبة شطرنج على مستوى النساء والرجال تحرز لقب دولي وهي في سن التاسعة، وأصغر لاعبة تتأهل للفوز بلقب "أستاذ دولي" إلى جانب نيلها لقب بطولة العالم أربع مرات، وهي ثالث امرأة في تصنيف أفضل 100 لاعب في العالم.
وتعتبر الجورجية مايا تشيبوردانيدزي اللاعبة الوحيدة في تاريخ اللعبة التي حققت تسعة ألقاب أولمبية منذ أن بدأت مسيرتها في سن الثامنة، وأصبحت بطلة الاتحاد السوفيتي للفتيات، وعندما بلغت الـ 13 من عمرها حصلت على لقب البطولة الدولية للمرأة، وبعد خمسة أعوام أصبحت السابعة في بطولة العالم للشطرنج.
 
قطع تتحرك لتجسد عالم حقيقي
بتعلم أساسيات لعبة الشطرنج يكون اللاعب قد أدرك استراتيجيات المعركة الودية التي تجري على رقعة الشطرنج، يتنافس شخصان لكل واحد منهما قطعه الخاصة تتوزع على رقعة الشطرنج المكونة من 64 مربعاً، ويعتبر الملك صافرة البداية والنهاية للعبة بصموده تستمر اللعبة وبموته تنتهي.
أما ثاني قطعة من حيث الأهمية بعد الملك الذي يعتبر محور اللعبة، فهي الملكة أو الوزير حيث أن خروجه من اللعبة بمثابة فقدان نصف القوة، فهو حارس الملك إلى جانب قطعة الفيل الأولى المحاطة بحصانين، وتحرك الملكة مربعين في كل اتجاه، أما الفيل الثاني لحمايته، ويمتلك كل لاعب قلعتين تتحركان أفقياً أو رأسياً.
تحول اسم القطعة الثانية من وزير إلى Queen للدلالة على أقوى قطعة في اللعبة، بعد تقلد الملكة إيزابيلا عرش قشتالة عام 1475، ومع ازدياد دورها في السلطة وتأثيرها الكبير على الأحداث تجاوزت دور الملك فرديناند، وأصبحت الملكة أقوى قطعة بمنشور رسمي.
أما العناصر الأكثر حركة والحلقة الأضعف في اللعبة هم الجنود، حيث يمتلك كل لاعب ثماني جنود يتحركون نحو الأمام فقط.
وتحكم لعبة الشطرنج مجموعة من القوانين التي ظهرت منذ القرون الوسطى مع الكثير من التعديلات التي جرت عليها حتى وصلت إلى شكلها الحالي، والاتحاد الدولي هو المسؤول عن تحديدها وتعديلها، وتقسم هذه القوانين والقواعد على اللاعبين حيث تكون صافرة البداية بيد اللاعب الذي يمتلك القطع البيضاء.
يتم اللعب بشكل متناوب بين اللاعبين، وتنتهي اللعبة في خمسة حالات وهي "التعادل بالاتفاق، استخدام وضعية الردب، تكرار الوضعية ثلاثاً، قاعدة الخمسين تحريكة"، ومن المحتمل أن تنتهي اللعبة بخسارة أحد اللاعبين في حال  كش مات، أو الاستسلام، أو خسارة الوقت، وأخيراً التعرض لعقوبة.