النوادي الرياضية النسائية في ليبيا... مساحات آمنة وملاذ نفسي
ظهرت النوادي الرياضية النسائية في ليبيا كفضاءات آمنة توفر الخصوصية والدعم النفسي، وتطورت منذ التسعينيات لتصبح ضرورة للنساء الساعيات إلى التوازن بين الصحة الجسدية والراحة النفسية وسط ضغوط الحياة.

ابتسام اغفير
بنغازي ـ لطالما سعت المرأة الليبية إلى إيجاد مساحات آمنة تجمعها بنساء أخريات بعيداً عن أحكام المجتمع، ورغم محاولاتها السابقة في خلق بيئات خاصة بها، سواء في صالونات التجميل أو قاعات الأفراح، إلا أن تلك المساحات غالباً ما كانت عرضة للهجوم والانتقاد.
لكن في السنوات الأخيرة، وجدت النساء أخيراً ملاذاً يوفر لهن الخصوصية والراحة، وهو النوادي الرياضية النسائية التي سرعان ما أصبحت أكثر من مجرد أماكن للرياضة، بل فضاءات اجتماعية ونفسية مريحة.
في هذه النوادي، تشعر المرأة بأنها في مأمن من القيود، فتتخلص من حجابها أحياناً لتجلس بحرية تامة، وتشارك غيرها من المتدربات تجاربهن بعيداً عن الضوضاء وضغوطات الحياة اليومية، غير أن هذه الخصوصية تجعل بعض النساء متحفظات على أي وجود للصحافة أو التصوير داخل هذه المساحات، خوفاً من تسريب صور قد تثير الجدل أو تعرّضهن للتنمر.
"الرياضة غيّرت حياتي"
ورغم هذا التحفظ، وافقت بعض النساء على مشاركة قصصهن وتجاربهن مع الرياضة، من بينهن ريهام العمامي التي روت قصتها مع النادي بعد حادث سير أليم جعلها طريحة الفراش لسنوات، تقول إنها وجدت في الرياضة طريقاً لاستعادة حركتها الجسدية وتحسين حالتها النفسية، حتى باتت ترتاد النادي يومياً منذ ثلاث سنوات، مؤكدة أن الرياضة غيرت حياتها بالكامل، غير أنها رفضت التصوير وظهور وجهها.
أما الدكتورة منال الحوتي، طبيبة الأسنان وعضو هيئة التدريس بجامعة بنغازي، فتصف تجربتها في النادي بأنها مصدر للراحة الجسدية والنفسية، دخلت إليه في البداية لإنقاص الوزن بناءً على نصيحة طبية، لكنها وجدت في الرياضة ملاذاً لتخفيف الضغوطات اليومية.
وأضافت أن سر شعورها بالأمان يكمن في ثقتها بمدربتها، مؤكدة أن انتشار مقاطع مسربة من أماكن نسائية عبر مواقع التواصل الافتراضي جعلها أكثر حذراً في اختيار النادي والمدربة، لافتةً إلى أن هذه النوادي تشدد على منع استخدام الهواتف، حفاظاً على خصوصية المتدربات.
الرياضة النسائية... من التهميش إلى ثقافة الحياة
من جهتها ترى آمال الزلاوي، مدربة اللياقة البدنية ومعلمة التربية البدنية، أن أهمية النوادي الرياضية لا تقتصر على تحسين الصحة الجسدية فقط، بل تمتد لتشمل الصحة النفسية، خصوصاً للنساء اللواتي يعانين أمراضاً مزمنة كضغط الدم أو السكري أو حتى من مررن بتجارب مرضية قاسية مثل السرطان، مشيرةً إلى أن ممارسة الرياضة تساعد على إعادة التوازن الهرموني والتخفيف من الضغوط النفسية، فضلاً عن كونها وسيلة فعالة لتقوية القلب والشرايين.
وتعود بذاكرتها إلى عام 1996 عندما بدأت عملها في التدريب الرياضي، حيث لم يكن في بنغازي سوى أربعة نوادٍ نسائية، أبرزها "نادي المرأة والطفل"، وأوضحت أن انتشار النوادي لاحقاً منح النساء فرصاً أوسع لممارسة الرياضة، كما أن تغير النظرة الاجتماعية جعل النوادي مقبولة أكثر، بل ومقصودة من قبل نساء من مختلف الشرائح، خاصة الطبيبات والأكاديميات اللواتي أصبحن ينقلن بدورهن هذه الثقافة إلى مريضاتهن.
وأكدت آمال الزلاوي أن مسألة الأمان والخصوصية تشكل جوهر تجربة النوادي النسائية، إذ تُمنع الهواتف المحمولة غالباً أو تُغطى بوسائل تمنع استخدامها داخل القاعات، وحتى في حال حضور وسائل الإعلام، تشترط إدارة النوادي ارتداء المتدربات للحجاب أثناء التصوير والاكتفاء باللقطات الخلفية.
كما تشرح أن المدربة لا تقتصر مهمتها على التدريب الرياضي فقط، بل تشمل كذلك متابعة الحالة الصحية للمتدربات، والتعامل بمرونة مع الحالات الخاصة، إضافة إلى ضرورة امتلاكها خبرة في الإسعافات الأولية للتعامل مع أي طارئ صحي، مضيفةً "لم تعد النساء يخترن النوادي عشوائياً كما في السابق، بل يسألن عن مؤهلات المدربات وخبرتهن، ويبحثن عمن يجمع بين المعرفة الأكاديمية والخبرة العملية".
وترى أن النوادي النسائية أصبحت أيضاً بديلاً لبعض النساء اللواتي لا يستطعن تحمل تكاليف الجمع بين مراجعة أخصائية التغذية والاشتراك في النادي، إذ باتت بعض المدربات مؤهلات لتقديم استشارات غذائية أساسية تساعد المتدربات على تحسين صحتهن العامة.
وتقول "اليوم وبعد مرور ما يقارب ثلاثة عقود على ظهور أول النوادي النسائية في بنغازي، لم تعد الرياضة مجرد وسيلة لإنقاص الوزن أو تحسين المظهر، بل تحولت إلى ثقافة راسخة لدى النساء، تتعلق بالصحة الجسدية والذهنية على حد سواء"، مضيفةً إن ما يسميه البعض سن اليأس "أراه أنا سن الحياة، فالرياضة تجعل هذه المرحلة انتقالاً سلساً، وتساعد المرأة على مواجهة تغيراتها النفسية والجسدية بثقة أكبر".
وتختم المدربة آمال الزلاوي قائلة "بين قصص المتدربات وتجارب المدربات، يظل القاسم المشترك أن النوادي الرياضية النسائية في ليبيا وفرت أخيراً مساحات آمنة للنساء، تمنحهن حرية الحركة، وتدعم توازنهن النفسي، وتعيد رسم صورة جديدة لعلاقة المرأة الليبية بالرياضة والحياة".