الفارسة اللبنانية أحلام يوسف... من ركوب الخيل إلى تحدي الصورة النمطية للمرأة

تحدت الفارسة اللبنانية أحلام يوسف التقاليد والموروث الاجتماعي في بيئة اجتماعية متشددة، محققة أكبر أحلامها ألا وهو امتطاء الخيل، وتأسس نادٍ محلي للفروسية إلى جانب العمل في مهنة التمريض.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ بأنَفَة وكبرياء امتطت الفرس وسارت بها خبباً بثقة الفارس المتمكن، وراحت تسابق الريح فوق مرمح شهد تدريب المئات من الهواة، في بلدتها عاصون في قضاء الضنية شمالي لبنان.

أوضحت الفارسة اللبنانية أحلام يوسف أن هواية ركوب الخيل لم تعد حكراً على الطبقات الثرية في المدن ونواديها الباذخة، لا بل صارت متاحة في الريف اللبناني، مشيرةً إلى أنها تحدت ونجحت وصارت في دائرة الضوء امرأة تخطت التقاليد والموروث الاجتماعي في بيئة اجتماعية متشددة، ولا تزال تحلم بما هو أكبر.

هذا باختصار، ما أوصلته لنا أحلام يوسف، ثقة تحاكي الفروسية بأروع معانيها، هي التي حلمت منذ الطفولة بركوب الخيل، لتنطلق اليوم إلى تعميم هذه الرياضة عبر تدريب الجيل الجديد على ممارسة هذه الهواية، والتي تعتبرها رياضة روحية وجسدية، متحدية النظرة النمطية للمرأة في مجتمع محافظ.

 

مواجهة العادات والتقاليد

تؤكد أحلام يوسف أن "تأخر تحقيق هذا الحلم، كان بسبب العادات والتقاليد التي تحكم المجتمع"، وتضيف "لقد عارض أهلي فكرة أن أكون فارسة انطلاقاً من معايير اجتماعية قائمة على العيب والخطأ والتي تفرض على المرأة قيوداً معروفة، تمنعها من القيام بما ترغب به"، مشيرةً إلى أنه "بعد زواجي التحقت بالتدريبات وممارسة هذه الهواية في نادٍ للخيول في قرية مرياطة القريبة من بلدتنا عاصون، وكانت فترة التدريب قصيرة، حيث لم يتطلب مني الأمر وقتا كثيراً، لرغبتي وتأكيداً من النادي بأني فارسة بالفطرة، لأنتقل بعدها لتحقيق حلمي في مجال أوسع، بأن أقتني الخيول وأعتني بها وأدرّب كل راغب بهذه الهواية ولا سيما النساء والفتيات".

وقالت "ممارستي لهذه الرياضة ليست نابعة من هواية فحسب، بل لمواجهة العادات والتقاليد التي تقوّض إمكانيات المرأة".

 

من التمريض إلى الفروسية

وكانت الفرس "أمل" باكورة الخيول التي اقتنتها أحلام يوسف منذ ست سنوات، وخصصت جزءاً كبيراً من وقتها في ممارسة رياضة ركوب الخيل والاهتمام بها، لتستأجر منذ ثلاث سنوات أرضاً، قامت باستصلاحها وحولتها إلى مضمار (مرمح)، ساعيةً إلى نشر هذه الرياضة التاريخية، كما تخطط الآن لتحسين المضمار، وتوسيع نشاطاتها، واستقبال العشرات من الراغبين، خصوصاً الفئة العمرية بين سن السادسة والخامسة عشرة، لتنمية هذه الهواية وتعميمها لتصبح جزءا من حياة الكثيرين، كما ودربت أولادها وأصدقاءهم.

وأضافت "اقتنيت "أمل" التي انجبت لي مهرين، وكذلك الفرس السوداء "عبير"، ولكني اضطررت لبيع المهرين والفرس "عبير" لأتمكن من الاستمرار في ظل الأحوال الاقتصادية الصعبة، خصوصاً من حيث تأمين ثمن الأعلاف والعلاج والعناية الطبية والجسدية للخيول، وحاليا (أمل) حامل، وآمل أن تنجب لي مهرة هذه المرة بدلاً من مهرين اضطررت لبيعهما".

وتابعت "بدأت حياتي العملية بمهنة التمريض في المستشفى، لكني في الوقت نفسه وبعد انتهائي من مهامي في العمل ومتابعة أمور عائلتي قمت بتدريب عشرات الشباب على ركوب الخيل ولا سيما الفتيات، وحاليا لدي 12 متدرباً ملتزما، وعلى الرغم من كل العقبات لا زلت مستمرة بتحقيق وتطوير هذا الهدف الذي أصبو إليه، من حيث تأسيس ناد محلي للفروسية وتأسيس جمعية متخصصة في هذا الميدان، لاستقطاب عدد أكبر من كل أنحاء منطقة الضنية شمالاً ومن كافة المناطق اللبنانية".

 

مصاعب وعقبات

وعن المصاعب والعقبات التي تعترضها تقول "تربية الخيول أصبحت مضنية لجهة التكلفة المادية، من الأعلاف التي شهدت زيادة مضطردة في أسعارها بالدولار، إلى تدني القيمة الشرائية لليرة اللبنانية، ووصولاً إلى تكلفة العناية البيطرية من علاجات وأدوية وتركيب حدوات للخيول وغيرها، ونحتاج كفرسان وخيالة ونواد خيول في المنطقة إلى الكثير من الدعم للاستمرار، لكن كل هذا لم يمنعني من استمرار تشجيعي للراغبين بتعلم ركوب الخيل بفرض رسوم ضئيلة يومياً على المشاركين".

وأكدت أنها لن ترفع قيمة هذا الرسم "لأتمكن من استقطاب أكبر عدد ممكن من الشباب وصغار السن، لمنفعة هذه الهواية والرياضة على كافة المستويات الجسدية والروحية ومن كافة الفئات العمرية، إذ تعلم الكبار والصغار الرفق بالحيوان واحترام المخلوقات والمحافظة على الطبيعة والبيئة، وتجعلهم على تماس مع أحد أرقى وأجمل المخلوقات وهي الخيل".

وأشارت أحلام يوسف إلى أن "رياضة ركوب الخيل تساهم بغرس قيم أخلاقية وقوة بدنية ليس لها مثيل"، وتتطلع لفتح الطريق أمام شابات أخريات لتمارسن هذه الرياضة.

 

الفارسة الوحيدة

وخلال مواكبتنا لأحلام يوسف وهي ممتطية فرسها على الطريق المؤدية إلى المضمار الذي أعدته قبل سنوات، كان واضحاً نظرات القرويين إليها، بين الاستهجان والإعجاب، وتقول "كانت البداية صعبة وخصوصاً من قبل كبار مجتمعنا المحافظ ولا سيما النساء، فمشاهدتهم لامرأة تركب الخيل في شوارع قريتي عاصون، كان لافتاً للأنظار، وأثار الكثير من الاستغراب في البداية، ولكنني مستمرة في هوايتي التي أعشقها منذ الطفولة، وقد أصبح هذا المشهد اعتيادياً لهم، وساهم في كسر هذه النظرة، لا بل شجع العديد من النساء على الخروج من هذا السجن المفروض عليهن، ومتابعة ما يحلمن بتحقيقه، كما وساهم تدريبي لهم في تشجيعهم لتشجيع وتدريب غيرهم، وهو استمرارية لعملي وتحقيقاً لأحلامي منذ البدايات".

وتفتخر أحلام يوسف بأنها الفارسة الوحيدة ضمن مجموعة "خيالة الضنية" التي تضم حوالي العشرين فارساً، وأنها الوحيدة التي تقتني وتعتني بالخيول، وتتشارك المجموعة في التجوال ضمن أحراج عاصون وداريا ومرياطة والجرود، ومن مهام هذه المجموعة استكشاف البيئة والتنوع البيولوجي في المنطقة والمحافظة عليها، والتشجيع على العادات المفيدة للبيئة والحفاظ عليها، وخصوصاً على ممارسة رياضة ركوب الخيل.