زينب خاتون... المرأة التي اضحى منزلها رمزاً لنضالها التاريخي

زينب خاتون المرأة التي وقفت في وجه الفرنسيين إبان الحملة الفرنسية، وحولت منزلها إلى مقبرة للفرنسيين، رُبط نضالها بتاريخ مصر

مركز الأخبارـ
 
المرأة الجليلة
كانت زينب خاتون جارية في مصر غير معروفة النسب، نُسب اسمها إلى عبد الله وهو الاسم الذي كانت تنسب له الجواري غير المعروفات النسب والأصل، اعتقها محمد بك الألفي وهو أحد رجال العصر المملوكي فحصلت على حريتها أواخر القرن 18 الميلادي، ولأنها كانت ذات علم، أعجب بها العثماني الشريف حمزة الخربوطلي وتزوج بها، ومنحها لقب "خاتون" ومعناه بالتركية العثمانية المرأة الجليلة، لذا أصبح اسمها زينب خاتون. يقال أن لزينب خاتون أخت تعرف باسم "الست وسيلة" تملك منزلاً مجاوراً لمنزلها في حي الأزهر في مصر القديمة.
تجسدت تفاصل حياة زينب خاتون في منزل اشتراه لها الشريف حمزة من شقراء هانم حفيدة السلطان الناصر حسن بن قلاوون وحمل اسمها منذ عام 1517م، وتوارث اسم هذا المنزل عبر الأجيال الذي عرف باسم "منزل زينب خاتون". يقع المنزل خلف جامع الأزهر بمنطقة الغورية شرق القاهرة، حولته زينب خاتون إلى قاعات وأنماط هندسية امتاز بجمال التصميم وروعة البناء.
 
رُبط نضالها بتاريخ المصريين 
تركت زينب خاتون بصمة مشرفّة في التاريخ المصري، حيث وقفت في وجه الفرنسيين إبان الحملة الفرنسية عام 1798م، وحولت الجناح المخصص لجلسات النساء "الحرملك" في الطابق الأول من منزلها إلى مأوى خاص للجرحى المصريين، بينما خصصت الطابق الثاني لمداواة النساء الثائرات، إلى جانب هذا كانت تمدهن بالمؤن والأموال. يبقى الرابط الذي جمع تاريخها بتاريخ المصريين هو شدة عشقها لمصر ودفاعها عن المقاومة المصرية التي ناهضت الحملة.
امتازت زينب خاتون بالقوة والشجاعة، وكانت معروفة بعملها الإنساني الخيري حيث وهبت بعض ما تملك من كنوز وأموال كصدقه على أرواح المصريين الذين فقدوا حياتهم أثناء الحملة الفرنسية. 
 
معلم أثري
بعد أن توفيت زينب خاتون سنة 1836م، عُدّ منزلها مصدر إلهام للعديد من الفنون لما فيه من بهاء ورونق، حيث قامت وزارة الشؤون الاجتماعية باستئجاره من وزارة الأوقاف فاستخدمته كمشغل لتعليم الفتيات فن الحياكة والتطريز عام 1953م، واستمر على هذا الحال حتى أواخر عام 1981م.
وفي عام 2011 تولت وزارة الآثار المصرية والقبطية بالتعاون مع منظمة اليونسكو الإشراف على منزل زينب خاتون الذي أصبح معلم أثري يزوره السياح كل عام، وعملت الوزارة على ترميمه بعد أن أصابته تشققات طولية وعرضية بالجدران، ليكون مقراً لمشروع الإحياء العمراني للقاهرة. كما تم اكتشاف أنفاق أسفل المنزل والتي كانت مخصصة لدفن الشهداء من الثوار المصريين الذين قتلوا في معاركهم ضد الفرنسيين، وعثر في داخلها على 27 جثة، كما تم العثور على جرتين من الفخار بداخلهما 3611 قطعة ذهبية، كانتا أسفل عتبة غرفة الدفن التي خُصصت للموتى، يعود تاريخ هاتين الجرتين إلى القرن الخامس عشر، بينما المقتنيات التي تركتها زينب خاتون للمصريين، تم حفظها في المتحف الإسلامي بالقاهرة. 
 
إلمامها بفن الهندسة المعمارية
كانت زينب خاتون ذات رؤية بفن الهندسة المعمارية، حيث صممت مدخل منزلها من الداخل على شكل هندسي أطلق عليه "المدخل المنكسر" وهو الممر المؤدي إلى المنزل مباشرة وتقابله فسحة كبيرة تحيط بأركان المنزل على الجهات الأربعة، كما يحتوي المنزل على عناصر معمارية وزخرفة مختلفة من شبابيك وأسقف خشبية وجدران مزخرفة ومذهبة وأرضيات رخامية ثمينة، والذي يعتبر نموذجاً للعمارة المملوكية لما فيه من إبداع فني من حيث البناء والتخطيط.    
كانت حريصة على وجود غرفة خاصة في الطابق الثالث العلوي، لاستقبال المواليد والتي أطلقت عليها اسم "غرفة الولادة"، بينما الغرف التي خصصت لرعاية الحوامل أطلقت عليها اسم "غرفة الصندلة"، حيث تقيم المرأة الحامل في غرفة الولادة وتنال الرعاية الصحية والطبية إلى حين وضع مولودها، بعدها تنتقل إلى غرفة الصندلة وتبقى في عزلة تامة عن الوسط الخارجي مدة 40 يوماً، خوفاً من انتقال عدوة أحد الأمراض اليها. كما يلتحق بالطابق العلوي حمامات وغرف صغيرة خاصة، تعلوها قباب مفرغة مغطاة بقطع زجاج ملونة. وخصصت في المنزل دور لتخزين المياه واحتياجات المطبخ وسلال الطعام. كما يوجد مجلس صيفي لاستقبال الرجال ويعرف هذا المجلس بـ "غرفة الضيافة"، ويلتف إسطبل الخيل المسمى بـ "المزيرة" حول فناء المنزل المكشوف. 
 
اهتمامها بالقراءة والمطالعة
كانت شغوفة بقراءة ومطالعة الكتب، ولخلق جو ثقافي أنشأت مكتبة معرفية في منزلها، وقد احتوت مكتبتها على الكثير من كتب الطب والصحة، والتاريخ، كما وفرت الإضاءة والتهوية الجيدة في مداخل المكتبة، ورتبت الكتب في أماكن مخصصة وفق محتوياتها.