تينهنان... الملكة الأسطورة

تينهنان شخصية أقرب ما تكون إلى الأسطورة، معظم مصادر المعلومات الواردة عنها قصص شعبية يتناقلها الأمازيغ الطوارق عبر أجيال

مركز الأخبار ـ .
قبل اكتشاف ضريح الملكة الطوارقية تينهنان كانت لا تزال القصص المتناقلة عنها أقرب ما تكون إلى الخيال؛ لكن اكتشاف الضريح أثبت أن هذه المرأة هي المؤسس الحقيقي لمجتمع الطوارق الأمازيغ والأم الروحية لهم.  
تينهنان امرأة حكمت مملكة شاسعة تقدر مساحتها بثلث القارة الأفريقية تمتد من صحراء ليبيا إلى التشاد ومن الجزائر إلى مالي ومن النيجر إلى موريتانيا.  
للنساء تأثير كبير على مجتمع الطوارق وتأسيسه قبل الآلاف السنين فالمجتمع الأمازيغي مجتمع أميسي أي أنه أمومي يأخذ النسب من الأم وليس من الأب بعكس بقية شعوب العالم. يربط الأمازيغ بين الأرض والمرأة وهذا يعود تاريخياً إلى دور النساء في تشكيل مجتمعهم بكافة جوانبه.  
ذكر ابن خلدون في كتابه عن تاريخ البربر أن امرأة عرجاء هي سلف كل الرجال الملثمين ويقصد بهم الطوارق، وبعد اكتشاف قبر تينهنان بينت ابحاث الحفريات أنها فعلاً عرجاء لينطبق عليها ما جاء في كتاب ابن خلدون من صفات. 
تنتشر قبائل الأمازيغ في شمال أفريقيا ويعد الطوارق جزءاً منها وجاء ذكرهم في تاريخ أبن خلدون حيث قال إن أصل الطوارق يرجع لقبيلة صنهاجة الأمازيغية وهؤلاء يعودون بجذورهم إلى اليمن في شبه الجزيرة العربية. يعرف الطوارق عند العرب باسم الملثمين ويعرفون في الغرب باسم الرجال الزرق.
 
ضريح الملكة
في عام 1925 اكتشفت مقبرة ضخمة في الصحراء الكبرى بولاية تمنراست جنوب الجزائر تعود للقرن الخامس الميلادي بحسب علماء الآثار لتؤكد على حقيقة وجود الملكة الأمازيغية المؤسسة لمجتمع الطوارق تينهنان.
لم تحصل الملكة على الشهرة التي تستحقها إذا تزامن اكتشاف ضريحها مع أعظم الاكتشافات الأثرية في مصر والتي مثلت ثورة في التاريخ.  
أما بين الأمازيغ الطوارق فيعتبر الضريح الذي بُني فوق بقايا حصون رومانية تعود لزمن الإمبراطور أغسطس ذا خصوصية كبيرة. 
أطلق اسم اباليسيا على الضريح ويقع غرب ولاية تمنراست ويحيط به سور بسماكة 1.4م وينقسم الضريح إلى 11 غرفة غير منتظمة الشكل مبنية من حجارة ذات شكل بيضوي. أما قبر الملكة الذي يشغل غرفة محاطة برواق دائري فتحيط به معالم جنائزية صغيرة الحجم. بجانب رفاتها وجدت مجموعة من المجوهرات والتحف الخاصة بالطقوس الجنائزية، ففي يدها اليمنى سبع أساور فضية وعلى اليسرى سبع أساور ذهبية، إضافة إلى خاتم وعقد من اللؤلؤ.
البعثة الفرنسية الأمريكية التي اكتشفت الضريح خلال فترة الاستعمار الفرنسي على البلاد قامت بالاستيلاء على المكتشفات؛ الأمريكيين أخذوا المجوهرات، بينما كانت حصة الفرنسيين الهيكل العظمي. لكن تمت استعادتها وهي تعرض الآن في متحف باردو في العاصمة الجزائر.
 
تينهنان ناصبة الخيام تؤسس مملكتها 
لا يوجد تاريخ محدد لميلاد الملكة تينهنان لكن يقدر بانها عاشت في القرن الرابع الميلادي مما يستبعد فرضية أن تكون مسلمة فالإسلام لم يصل لشمال أفريقيا إلا في القرن السابع الميلادي.
السكان الأصليين قالوا بأنها الأساس المتين للهوية الأمازيغية ووصفوها بأنها امرأة جميلة قوية وملهمة، اسرتها حكمت منطقة تافيلالت في المغرب.
فبعد هروبها من والدها الذي أراد اجبارها على الزواج من أمير افريقي كما تقول أشهر الروايات الشعبية أسست مملكتها الخاصة. 
"تينهنان" ويعني اسمها باللغة العربية ناصبة الخيام أو كثيرة السفر والترحال قيل بأنها خلال خروجها من ديارها في منطقة تافيلالت جنوب شرق المغرب الأقصى مع شقيقتها "تكمات" ومجموعة من حاشيتها جالت الصحراء وهي تنصب الخيام في كل منطقة تزورها حتى وجدت مكاناً مناسباً لإقامة مملكتها. وتختلف الروايات منها ما يقول إن تكمات شقيقتها ومنها ما يقول بأنها خادمتها.
لولا فطنتها وذكاءها لمات من معها جوعاً وعطشاً فعندما نفذ ما عندهم من مؤن لاحظت تينهنان وتكمات اسراب من النمل تحمل حبوب الشعير والقش فأمرت حاشيتها بالمشي عكس اتجاهها لتصل إلى الأراضي الخصبة وتسمى الهقار، وهي سلسلة من الجبال في ولاية تمنراست في أقصى جنوب شرق البلاد.
وتعد ولاية تمنراست الموطن الذي تنحدر منه معظم قبائل الطوارق المنتشرة حالياً في شمال أفريقيا (ليبيا، الجزائر، النيجر، مالي، تشاد، موريتانيا، بوركينا فاسو). 
من هاربة إلى ملكة فالذكاء والحكمة يفعلان كل شيء تينهنان استطاعت بما امتلكت من هاتين الصفتين استقطاب القبائل الموجودة في المنطقة التي حلت عليها حديثاً. عملت على حل النزاعات بين القبائل فكانت موضع ثقة لديهم وبسهولة اصبحت ملكتهم. 
تنقل لنا الاساطير التي تروى عن حياتها صفات امرأة خارقة للطبيعة، أما الآثار فتثبت بأنها كانت ملكة شديدة البأس وحدت قبائل الأمازيغ وقادت معارك عديدة ضد قبائل تنحدر من مناطق أفريقيا وتعرف اليوم بالنيجر وموريتانيا وتشاد، وكان هؤلاء معتدون يحاولون غزو أراضي الهقار.
في وقت قصير غيرت تينهينان حياة الطوارق من الترحال الدائم إلى الاستقرار، واستطاعت الاستفادة من القوافل التي تعبر من الشمال إلى الجنوب حيث فرضت الضرائب على مرورها مقابل الحماية عبر أراضي مملكتها، وبذلك حسنت من اقتصاد القبائل الطوارقية. كما أنها نقلت لهم أساليب تخزين الطعام والاستعداد لمواجهة الأعداء وأقامت علاقات دبلوماسية مع قبائل جنوب الصحراء. 
ولشدة ولعهم بها يتناقل الامازيغ الطوارق حكايات عن طيبتها وكيف كانت تستأمنها اسراب الغزلان وكيف كانت قطعان النوق تطمئن لحضورها. 
 
تينهنان... حياة الملكة وموتها 
تزوجت الملكة تينهنان وانجبت ثلاث فتيات وهن "تينغت، تاكناتوت، تامروايت" وأبن سمته (هُكار) ومنه أخذ بعض الطوارق اسم أمازيغ الهُكار، كما أنه أول من وضع اللثام الأزرق الذي يعد أحد تقاليد الطوارق، وأطلق اسمه على جبال الهقار.
كتب الباحث والروائي الفلسطيني كفاح جرار وهو المتخصص بتاريخ الشخصيات الأمازيغية رواية عن حياة الملكة تينهنان، وأكد فيها أن الملكة أصيبت في إحدى المعارك مما جعلها تعرج في مشيتها وهو السبب في وفاتها حيث تحول الجرح إلى غرغرينا أنهت حياة الملكة العظيمة بحسب قوله.
في عام 2010 بدأ الاحتفال بمهرجان تينهنان في الجزائر بشكل رسمي ويبدأ في الفترة الممتدة ما بين (16ـ 20) من شباط/فبراير تحت اسم "المهرجان الثقافي الدولي أبالسة لفنون الأهقار". وكانت قد نظمته عدة جمعيات في السنوات 2006، 2007، 2008.