"تو يويو" الطبيبة التي هزمت الملاريا وظفرت بجائزة نوبل

ليست معروفة بالقدر الكافي رغم اكتشافها علاج نهائي لمرض أعيا العالم لآلاف السنين، إنسانة متواضعة قال عنها أحد المختصين في الملاريا أنها لا تعرف الرد على المجاملات لكنها حين تتحدث عن الملاريا والعلاجات تنطلق كلماتها قوية وواثقة

مركز الأخبار ـ ، أخذت السبق باكتشاف علاج الملاريا وعن جدارة استحقت ولو متأخراً جائزة نوبل في الطب لاكتشافها العظيم.
حالها كحال معظم النساء المبدعات حول العالم لم تأخذ الصيدلانية والعالمة الصينية "تو يويو" التقدير الذي تستحقه، وحتى جائزة نوبل التي حصلت عليها في عام 2015 كانت متأخرة لأكثر من 35 عاماً، وحتى الحكومة الصينية لم تكن تعلم أن امرأة هي من اكتشفت علاج الملاريا.
 تو يويو تنهي تاريخ الملاريا
عرفت الملاريا قبل الميلاد، وانتشر هذا الفيروس القاتل بين مختلف الشعوب التي سكنت العالم بشرقها وغربها، كان الوصول لعلاج ينهي هذه المعاناة حلماً لكل طبيب وعالم ومريض وكل إنسان مهتم بإنقاذ البشرية.
بدأت القصة بعد تفشي الملاريا بين أفراد الجيش الأمريكي والفيتنامي أثناء الحرب الفيتنامية التي استمرت عشرين عاماً. وخلال الفترة الممتدة ما بين عام 1965 و1970 أصيب أكثر من أربعين ألف جندي أمريكي بالملاريا.
أطلقت الصين في 23 أيار/مايو 1967 مشروع عسكري سري عرف بمشروع 523 نسبة إلى تاريخ انطلاقه، يهدف للوقاية من الملاريا ومحاولة إيجاد علاج نهائي منها؛ بهدف مساعدة الجيش الفيتنامي للانتصار على المرض الذي كان أشد فتكاً من الأسلحة، واختيرت الصيدلانية تو يويو لتكون ضمن فريق طبي للبحث عن دواء فعّال. 
انضمت "تو يويو" للمشروع في عام 1969 وتوجهت إلى مقاطعة هاينان وهي عبارة عن جزيرة تقع في أقصى جنوب الصين. 
"رأيت أطفالاً كثيرين كانوا في المراحل الأخيرة من المرض، كانوا يموتون بسرعة" تقول تو يويو، كان المرض منتشراً في المقاطعة كالنار في الهشيم، أحوال المرضى وخاصة الأطفال منهم أثارت ألماً كبيراً للصيدلانية التي تستذكر تلك الفترة المفجعة بكثير من الألم.
ومنذ وصولها إلى المقاطعة انخرطت في عمل دؤوب ارتكز على البحث في الوصفات العشبية القديمة المستخدمة في علاج الملاريا.
ترأست فريق ضم ثلاث أشخاص باحثين في الطب الصيني التقليدي وقام الفريق بجمع الوصفات الشعبية من خلال زياراتهم لممارسي الطب التقليدي الذين سجلوا ملاحظاتهم حول الاعشاب والوصفات والأدوية المضادة للملاريا.
كان عدد الوصفات الشعبية كبيراً للغاية وصل إلى 2000 عشبة وتركيبة، ومن الوصفات المميزة والشهيرة كانت وصفة الكيميائي "قه هونغ" الذي له الفضل في إنشاء الإسعافات الأولية في الطب الصيني التقليدي وعاش في الفترة الممتدة من عام 284 حتى 364 م.
جمعت تو يويو هذه الوصفات ولخصتها لتكون 650 وصفة فقط.
بدأت بتجربة الوصفات على الفئران وبدا واضحاً مفعول بعض المركبات، وعند دراسة المواد الفعّالة قادت جميع النتائج إلى مادة الأرتيميستين الموجودة في نبتة الشيح. 
وعشبة الشيح من النباتات العطرية المعمرة، معروفة طبياً بالأرتيميسيا، توجد بكثرة في المناطق البرية والتربة الرملية، لها نوعان مر وحلو والأخير هو الأكثر فائدة، ويستفاد من جميع أجزاء النبات لاستخراج الأدوية ولكن المادة الأهم والأكثر فعالية في الشيح لمعالجة الملاريا هي مادة الأرتيميسينين والتي تعالج السرطان أيضاً.
ركزت تو يويو أبحاثها حول نبتة الشيح واستطاعت في عام 1972 التوصل مع الفريق إلى معرفة فعالية مادة الأرتيميسينين في القضاء على الملاريا، وتمت تجربتها على الفئران لكن لم تكن النتائج مرضية، لأن الدواء لم يقضي إلا على القليل من طفيليات الملاريا في الدم.
بحثت كثيراً في كتب الطب القديمة لمعرفة أسباب فشل العلاج وعندما أعادت دراسة الوصفات التي جمعتها مع الفريق لفت انتباهها طريقة الكيميائي "قه هونغ". 
وكان الكيميائي قه هونغ لا يقوم بغلي الشيح عند تحضير الوصفات لكنه لم يكن يكتب ملاحظة حول سبب ذلك، لكن عند التفكير والتحليل أرجعت تو يويو السبب إلى فقدان المادة لخواصها بالحرارة المرتفعة فلجأت العالمة الصينية إلى استخدام الوصفة القديمة التي استخدمها قه هونغ وهي نقع نبة الشيح دون تعريضها لحرارة عالية لكي لا تفقد خواصها الطبية واستخدمت لذلك اثيل الأثير وهو مركب عضوي يستخدم كمحل عضوي وله استخدامات أخرى.
وجربت المحلول الناتج على الفئران والقرود وكانت النتيجة مفاجئة حيث شفيت الفئران والقرود بنسبة 100%، وقالت تو يويو عن ذلك "كانت سعادتنا لا توصف في تلك اللحظة أخيراً تمكنا من إيجاد علاج للملاريا".
تو يويو تجرب الدواء على نفسها 
عند انتهاء تو يويو من استخلاص الدواء للبدء بالتجارب كان قد انتهى موسم الملاريا والذي يترافق مع انتشار البعوض في موسم الأمطار، وعلى ذلك ستتأخر الأبحاث عاماً كاملاً فما كان منها إلا أن تطوعت لتجرب الدواء بنفسها ومعرفة مدى خطورة آثاره الجانبية على البشر.
حصلت على موافقة رئاسة المشروع وتطوع عضوان معها لتجربة العلاج، وبعد أسبوع من المراقبة لم تسجل أي أعراض جانبية خطيرة على المتطوعين وبدأ اعطاء العلاج للمرضى في عام 1979، كانت النتائج رائعة ففي أقل من يومين انخفضت درجة حرارة المرضى وبدأت الطفيليات تختفي من الدم إلى أن شفوا جميعاً. 
اعتماد الدواء
كانت أهم خطوة في رحلة البحث عن العلاج المناسب لمرض الملاريا هي إيجاده واعتماده كعلاج للمرض في جميع انحاء العالم، ففي عام 1986 حصل المركب على شهادة الدواء، وبدأ يباع في الصيدليات بعد ذلك بعام، مما ساهم في علاج الملايين حول العالم.
نوبل 2015 استحقاق متأخر
قبل سنوات قليلة حصلت الصيدلانية والعالمة الصينية تو يويو على جائزة نوبل لاكتشافها علاج فعال ونهائي لوباء أثقل كاهل العالم لقرون، استحقاق يأتي متأخراً لأكثر من عقدين من الزمن، والسبب هو أن تفاصيل الاكتشاف كانت مجهولة طوال هذه السنين حتى أن باحث الملاريا في المعهد الوطني الأمريكي لويس ميلر قال أنه حين سأل عمن اكتشف مادة الأرتيميسينين وهي المستخدمة في علاج الكوليرا وذلك في عام 2005 خلال اجتماع في شنغهاي أكبر المدن الصينية لم يعرف أحد أن تو هي صاحبة الإنجاز. 
ربما يعود الفضل لميلر وزميله في معرفة أن تو يويو هي المكتشف لهذه المادة التي انقذت ملايين البشر حول العالم، فقد عزم ميلر وزميله على البحث عن أصل الدواء وبعد البحث والمراجعة لمئات الرسائل والبحوث وكل ما يتعلق بتلك الفترة وجدا أن الصيدلانية "تو يويو" هي صاحبة الإنجاز لكن في ذلك الوقت لم تعطي السلطات الصينية أهمية لذلك على مبدأ أن أي انجاز يحققه الكل من أجل الكل.
تشاركت جائزة نوبل مع العالمين وليام كامبل وساتوشي أومورا وقال وقتها الموقع الرسمي لجائزة نوبل أن كامبل وأومورا حصلا على نصف الجائزة عن اكتشافاتهم المتعلقة بالعدوى الناتجة عن الديدان المدورة، بينما انفردت تو بالنصف الآخر لاكتشافها علاج الملاريا.
وبحصولها على جائزة نوبل تكون أول مواطن صيني يحصل على الجائزة الأهم والأشهر في العالم.
أعمالها وجوائزها
تعمل تو يويو حالياً كبيرة الأساتذة في الأكاديمية الصينية للطب الصيني، وكان أول منصب استلمته هو عميدة في قسم الكيمياء بين عامي 1973 و1990 وأستاذة مساعدة بين عامي 1979 و1985.
قدمت لها شركة الأدوية البريطانية غلاكسو في عام 2011 جائزة باسم الشركة، ومن أمريكا وفي نفس العام حصلت على جائزة لاسكر الطبية وهي من أهم الجوائز الأمريكية للعاملين في مجال الطب والصحة.
أما من بلدها فقد حصلت على جائزة المخترع الوطني، وجائزة مؤتمر العلماء الوطني، وجائزة المساهمة المميزة المقدمة من الأكاديمية الصينية لعلوم الطب الصيني.
حياتها العائلية
ولدت تو يويو في مدينة نينغبو الساحلية التابعة لمحافظة جيجيانغ المطلة على بحر الصين الشرقي في 30 كانون الأول/ديسمبر 1930، يعمل والدها موظفاً في أحد البنوك ووالدتها ربة منزل عملت على الاعتناء بالأطفال المكونين من تو وأربعة أخوة.
رغم اصابتها بمرض السل الذي انهكها لعامين إلا أنها تميزت بذكائها بين اقرانها واستطاعت الحصول على درجة مكنتها من تحقيق حلمها بالعمل في المجال الطبي بعد اصابتها بالسل، وذلك بالالتحاق بكلية الصيدلة في بكين والتي كانت ما تزال قيد الإنشاء وتخرجت في عام 1955.
عملت بعد تخرجها في أكاديمية الطب الصيني التابعة لوزارة الصحة وأجرت أبحاثاً عديدة كان أولها عن عشبة "لوبيليا تشينينسيس" التي تستخدم في علاج البلهارسيا المرض الشبيه بالملاريا، وعملت أيضاً على دراسة الخصائص الدوائية لجذر نبتة Stellariae .
نتيجة لاجتهادها التحقت في عام 1959 ببرنامج تدريبي استمر حتى عام 1962 حول الطب الصيني للطلاب المطلعين على علوم الطب الغربي فأصبحت بذلك على علم جيد بالطب الصيني والغربي. 
تزوجت من زميلها في الدراسة يدعى "لي تينغز هاو" وهو مهندس للمعادن، انجبت طفلتين، كان عمر الكبرى أربعة أعوام والصغرى لم تتجاوز العام حين التحقت تو يويو بالمشروع الوطني للبحث عن علاج لمرض الملاريا.
لم تكن لتستطيع المخاطرة بالصغيرتين في منطقة موبوءة فما كان منها إلا أن قررت ترك ابنتها ذات الأربع أعوام في الحضانة والصغيرة لدى جديها.
وبعد غياب ستة أشهر عادت الأم ولم تتعرف عليها الفتاة الصغيرة لكن تو يويو لم تندم لذلك وقالت "كانت الأولوية الأولى للعمل ولذا ما كنت لأتأخر عن التضحية بحياتي الشخصية".