صورة نموذجية عن نضال المرأة في باكستان

بينظير بوتو سياسية باكستانية شغلت منصب رئيسة وزراء بلادها مرتين، وهي أول امرأة في باكستان تشغل هذا المنصب، تعرضت لأكثر من محاولة اغتيال أودت الأخيرة بحياتها.

مركز الأخبار ـ بينظير بوتو أول وأصغر حاكمة منتخبة تشغل منصب رئيسة وزراء في العصر الحديث، هي السياسية الباكستانية الحاصلة على جائزة الليبرالية الدولية لتعزيز الحرية والديمقراطية، تعرضت لأكثر من محاولة اغتيال ولقت حتفها في آخر واحدة منها.

 

بنت بينظير بوتو تاريخها السياسي بنفسها

ولدت بينظير بوتو الأبنة الكبرى لرئيس باكستان السابق ذو الفقار علي بوتو عام 1953 في مدينة كاتشي بباكستان، درست العلوم السياسية ونظم الحكم بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية وكانت آنذاك من أشد المعارضين للحرب على فيتنام، ولشدة مناصرتها لباكستان تبرعت في عام 1995 بمبلغ من المال لدعم اقتصاد الطلبة الباكستانيين في جامعة هارفارد وكذلك للمساعدة في دعم البحوث والمؤتمرات المتعلقة ببلادها.

ومثولاً عند رغبة والدها انتقلت إلى جامعة أوكسفورد البريطانية عام 1973 درست فيها علم الاقتصاد ووضعت بصمتها في تاريخ الجامعة عندما أصبحت أول امرأة آسيوية تشغل منصب رئيس اتحاد الطلاب المنتخب، عادت إلى بلادها بعد تخرجها وقبيل سيطرة الجيش بقيادة الجنرال ضياء الحق على السلطة والإطاحة بوالدها وإعدامه عام 1979.

وقُبيل تنفيذ حكم الإعدام بيوم واحد اعتُقلت بينظير بوتو ووالدتها وزج بهما في سجن روالبندي المركزي حيث والدها، وطُلب منهن رؤيته للمرة الأخيرة لكنها أدعت أنها مريضة حتى تتمكن من إرسال رسالة إلى صديقتها وحدث ذلك بالفعل وذكرت فيها أن ضياء الحق سيعدم والدها في صبيحة اليوم التالي وطلبت منها أن توصل هذا الخبر إلى وسائل الإعلام العالمية بهدف قلب الرأي العام على الجنرال المتمرد، ونالت مرادها حيث أذاعت الصحف والإذاعة البريطانية الخبر ونوهت في رسالتها أنه على الرغم من النداءات الدولية التي أطلقت في العالم للعفو عن والدها إلا أن ضياء الحق أبى أن ينصت لهذه النداءات وتحدى العالم وسيعدم أباها.

وبقيتا تحت الإقامة الجبرية في باكستان لمدة عامين وبعد ضغط دولي على ضياء الحق سمح لهما بالمغادرة إلى الولايات المتحدة التي نُفيتا فيها لمدة عشرة أعوام تقريباً، مقتل والدها كان من أبرز الأسباب لضلوعها في الحياة السياسية حيث أسست رسمياً حركة استعادة الديمقراطية التي دعت إلى إنهاء الأحكام العرفية واستعادة دستور عام 1973 والانتخابات البرلمانية ونقل السلطة السياسية من الجيش إلى الممثلين المنتخبين، كما أصبحت شقتها المقر غير الرسمي لتجمع أعضاء حزب الشعب الباكستاني المنفيين خارج البلاد، ووظفت جهود الحزب لرفع مستوى الوعي الدولي حول السجناء السياسيين المحتجزين في باكستان.

 

العودة إلى باكستان وتولي رئاسة الحكومة

عادت بينظير بوتو إلى بلادها بعد أن لقي ضياء الحق الذي تولى رئاسة باكستان حتفه بتحطم طائرة وخلفه رئيس مجلس الشيوخ بالنيابة، وتم إعلان أن الانتخابات ستكون على أساس حزبي وليس كأفراد وبذلك تمكنت من خوض أول انتخابات برلمانية تجري منذ تولي ضياء الحق حكم باكستان وطالبت بإلغاء المرسوم الذي ينص على إقصاء الأحزاب السياسية من أي انتخابات تقوم في البلاد كما انتقدت إلزام كل ناخب تقديم بطاقة هوية لتسجيله في قوائم الناخبين فقد رأت أن هذا الأمر يقلل من نسبة ناخبيها وهو القانون الذي فشلت في إبطاله دستورياً.

وبعد كم هائل من الانتقادات والتشهير خاصة كونها امرأة تترشح لقيادة بلد ذو طابع ديني ومحاولات لتزوير الأصوات، أثمرت جهودها في إنجاح حملتها الانتخابية وتمكن حزب الشعب الباكستاني الذي أسسه والدها قبل وفاته بتسعة أعوام تقريباً، برئاستها من تحقيق فوز ساحق وحصد غالبية مقاعد المجلس الوطني الباكستاني، وشغلت لأول مرة منصب رئيس الحكومة الائتلافية عام 1988 وأصبحت أول وأصغر امرأة ترأس حكومة في العصر الحديث، سعت خلال فترة توليها لاستعادة الديمقراطية بعد حكم عسكري.

وكانت قد تزوجت عام 1987 من عضو في البرلمان الباكستاني وأنجبت منه ثلاث أبناء وهي في بلاد المنفى، تأثرت كثيراً بوالدها والحياة الغربية، ألفت كتاب عن حياتها الخاصة والعامة أسمته "ابنة القدر" بعد عامان من زواجها، وكانت من أشد المنتقدين للأحزاب والتيارات الباكستانية المؤيدة لحركة طالبان في المحافل والمؤتمرات وعارضت إنشاء المدارس الدينية واعتبرتها بيئة حاضنة لانتشار الإرهاب، وأيدت ما سمي آنذاك بالحرب على الإرهاب.

أكدت في مذكراتها عدم تلقيها أي دعم من الدول الغربية خلال تواجدها في الحكومة، وحصلت بعد عام واحد من فوزها بالانتخابات على جائزة الليبرالية الدولية تكريماً لجهودها في تعزيز الحرية والديمقراطية، كانت رئاستها للوزارة بمثابة حقبة جديدة من الديمقراطية المتعددة الأحزاب وتزايد المساواة بين الجنسين وتحسين العلاقات مع الهند، فقد ذكرت في إحدى تصريحاتها أن فوزها كان نقطة التحول في الجدل المحتدم عن دور المرأة من وجهة نظر دينية وليست سياسية.

 

نجاحها لم يلقى استحسان الذهنية الذكورية

على الرغم من فوز بينظير بوتو إلا أن الثقة بينها وبين كبار الشخصيات في الإدارة العسكرية اليمينية معدومة حيث رأوا أنها تشكل تهديداً لدورهم المهيمن على الساحة السياسية، وانعدام الثقة هذه اجبرتها على عدم تمرير أي تشريع رئيسي خلال فترة ولايتها الأولى، ونظراً إلى أن باكستان كانت مفلسة بسبب اقتراض ضياء الحق بأسعار فائدة مرتفعة لدفع الأجور الحكومية، لم تتمكن من الوفاء بالكثير من وعودها الانتخابية كما أن البلاد كانت تواجه مشكلة متنامية مع تجار المخدرات.

وشجعت على تطوير المجتمع المدني وضمنت إطلاق سراح عدد من السجناء السياسيين المحتجزين منذ عهد ضياء الحق ورفعت الحظر عن عدد من وسائل الإعلام والنقابات العمالية والجمعيات الطلابية، وأزالت العديد من القيود المفروضة على المنظمات غير الحكومية وقدمت تدابير لرفع الرقابة عن وسائل الإعلام التي فرضتها الإدارة العسكرية، وقامت بالعديد من الإصلاحات الاجتماعية منها إنشاء مراكز جديدة لمحو الأمية.

وخلال فترة رئاستها الأولى للوزارة قامت بعدد من الرحلات الخارجية مما عزز صورتها كأول رئيسة وزراء لباكستان، وتمكنت من إعادة قبول بلادها في اجتماع رؤساء حكومات الكومنولث، كما حسنت علاقات باكستان مع الهند خاصة بعد إلغاء بعض القوانين التي أقرها ضياء الحق واتفقت البلدان على خفض مستوياتهما العسكرية على طول الحدود وعدم مهاجمة منشآتهما النووية وهذا الدفء في العلاقات مع الهند أثار غضب المحافظين الذين اتهموها بأنها عميلة سرية لها.

ومع اقتراب الانتخابات التشريعية عام 1990 حل الرئيس المجلس الوطني الباكستاني والمجالس المحلية بعد عشرين شهر فقط من توليها منصبها وأقالها لتنتهي ولايتها الأولى بحجة الفساد وسوء استخدام السلطة كما أنها مثلت أمام المحكمة في ذات العام واعتقل زوجها وبعد ثلاث أعوام أثبتت براءتها، وفي عام 1992 نظمت مسيرة لمسافة 10 أميال احتجاجاً على حكومة المعهد الدولي للجهاد الإسلامي بقيادة نواز شريف الذي أمر بوضع بينظير بوتو تحت الإقامة الجبرية لمنعها من التحريض على أي انتفاضات ضد سياسته.

 

محاولات جمة لعرقلة خطواتها السياسية

عادت بينظير بوتو إلى الحكومة مرة أخرى عام 1993 بعد أن تخطت الأصوات اللازمة للأغلبية المطلقة بصوتين لتُكلف برئاسة حكومة ائتلافية اتصفت بالهشة نظراً لتكونها من أحزاب صغيرة، وكونها كانت من أشد المعارضين للرئيس الانتقالي آنذاك رشح حزبها فاروق ليغاري للانتخابات الرئاسية التي فاز بها، وكانت القيادة الكاملة بيد الجيش آنذاك يتلقى أوامره من بينظير بوتو.

وانطلاقاً من وعيها الكامن بأهمية النهوض بواقع المرأة في البلاد سعت لتعزيز حقوق المرأة فوقعت في ولايتها الثانية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وكانت أيضاً عضواً مؤسساً في مجلس القيادات النسائية العالمية، كما أشرفت على إنشاء قسم نسائي في الحكومة وبنك نسائي، بالإضافة لافتتاح سلسلة من مراكز الشرطة النسائية بالكامل عملت بها ضابطات لجعل النساء يشعرن بأمان أكبر عند التقدم للإبلاغ عن الجرائم، وأنشأت محاكم الأسرة مع قاضيات للتعامل مع حضانة الأطفال وقضايا الأسرة.

استمرت ولايتها الثانية ثلاث سنوات ورغم كل الإصلاحات التي قامت بها إلا أن الاتهامات ضدها عادت إلى الواجهة مما أجبرها على مغادرة البلاد وبقيت ملاحقة قضائياً، ظلت تتنقل بين الولايات المتحدة والإمارات حتى عام 2007 حيث سُمح لها بالعودة إلى البلاد بشرط تقاسم السلطة مع رئيس باكستان، وافقت على هذا الاتفاق وفي ذات اليوم الذي عادت فيه تعرضت لعملية اغتيال نجت منها بأعجوبة لكن راح ضحيتها 125 شخصاً من مناصريها.

وبعد مرور قرابة الشهرين على عملية الاستهداف الأولى، قام شخص بإطلاق النار عليها لتلقى حتفها برصاصتين إحداهما في العنق والأخرى في الرأس وتبعها عملية تفجير قوية هزت المنطقة التي كان يمر بها موكبها في مدينة روالبندي بعد خروجها من أحد المؤتمرات الانتخابية الذي عقدته لمناصريها.

لطالما كانت بينظير بوتو شخصية مثيرة للجدل فقد مثلت رمزاً للديمقراطية في بلاد ذات طابع ديني، كما تعرضت للكثير من الانتقادات بسبب أجندتها العلمانية والتحديثية والشعبية الواسعة محلياً ودولياً، بالإضافة لكونها امرأة شغلت منصباً في حكومة تهيمن عليها الذهنية الذكورية.