سما يوجا... شعلة نوروز التي أحرقت سجون الفاشية

سما يوجا طالبت بحريتها وحرية شعبها ونساء العالم فكانت شعلة لنوروز

مركز الأخبار ـ لأنها طالبت بحريتها وحرية جميع النساء، تم اعتقالها، ووجهت لها العديد من التهم، ومع تعنت النظام التركي في البت بقضيتها وإطلاق سراحها اختارت أن تكون شعلة لنوروز.  

أي كلمة أو مطالبة بالحقوق هي سبب ليقبع الكردي رجلاً كان أو امرأة شيخاً أو طفلاً في السجن لسنوات، وتمارس بحقه أسوأ الانتهاكات، لذلك تعرضت المئات من النساء اللواتي دعمن حركة التحرر الكردستاني للاعتقال وكانت من بينهن سما يوجا.

فالعديد من النساء الكرديات في المعتقلات التركية اخترن إشعال النيران في أجسادهن، بعدما لم تجدن استجابة من العالم تجاه قضيتهن، ومن بينهن سما يوجا التي اختارت أن تكون شعلة نوروز في 21 آذار/مارس 1998. 

 

"سرهلدان"

لا توجد الكثير من المعلومات والتفاصيل عن حياتها لكن من المعروف أنها ولدت في آغري بشمال كردستان عام 1970، كما ينقل عن سما يوجا أنها كانت شخصية معطاءة فمنذ طفولتها تتبرع بملابسها الجديدة للأطفال الفقراء، وتبقى هي مرتدية ملابسها القديمة.

كان الجميع يناديها بـ "سرهلدان"، وهو ذات الاسم الذي اختارته عندما انضمت لحركة التحرر الكردستاني، حيث تعرفت على الحركة في وقت مبكر من حياتها عندما كانوا يتحدثون عن المناضلين والمناضلات وهو ما كشفت عنه في رسائلها الأخيرة.

في هذه الرسائل قالت "أنا آخر فرد في عائلة مكونة من 9 أطفال من الطبقة العاملة. عائلتي من أصل تركي. لا ينتمي إلى أي قبيلة. إنها عائلة لا تشدد على هويتها الوطنية أكثر من اللازم، ولا تهتم باللغة والدين والثقافة والعرق".

وقالت في إحدى أحاديثها "كانوا يتحدثون عن ليلى قاسم وليلى خالد كثيراً، لذا ومنذ طفولتي أحببت أن أكون مثلهن، وكنت أراهن كثيراً في أحلامي"، وقالت إنها أيضاً أرادت أن تصبح قدوة للنساء وللشعوب التي تسعى لتحقيق حريتها.

 

"على الجميع النضال من أجل القيم الإنسانية"

انضمت سما يوجا لحركة التحرر الكردستاني في التسعينيات من القرن الماضي ولطالما قالت إنه على الجميع النضال من أجل القيم الإنسانية، ولذلك أصبحت مقاومتها إرثاً للنساء.

تحدثت سما يوجا عن الأسباب التي دفعتها للانضمام إلى حركة التحرر الكردستاني، فرغم أن عائلتها لم تكن طرفاً في أي نزاع إلا أن الانتهاكات التي تعرضوا لها دفعتهم لاختيار طريقهم إلى الحرية عبر المشاركة في حركة التحرر الكردستاني، ونتيجة هذه المشاركة اضطروا إلى الانتقال للعيش في أورفا وتعرضت الأسرة للقمع من قبل أجهزة الدولة التركية.    

تقول "في عام 1986، تم العثور على والدي ميتاً في العمل دون سبب"، وعلى ذلك بدأت مع شقيقها بالعمل بشكل سري مع حركة التحرر الكردستاني. ثم انضمت إلى الثوريين في ولاية ديرسم، وانتقلت بين آمد وديرسم وأرضروم.

وأصيبت في عام 1996 وبعد ثمانية أشهر من العلاج انتقلت للعمل في أوروبا، وشاركت في أنشطة حركة التحرر الكردستانية من هناك حتى عام 1998.  

 

تناقضات ومفاهيم المجتمع

تناقضات ومفاهيم المجتمع ألقت بظلالها على شخصية سما يوجا كما غيرها من أبناء وبنات المجتمع الأبوي المنغلق، لتأتي السلطة وترسخ بشكل أكبر هذه المفاهيم التي لا تخدم المجتمع، سما يوجا عانت من المجتمع الأبوي والقيود التي كبلت النساء، تعاطفت معهن، ومع قضية شعبها، وشعرت بأن عليها أن تقوم بشيء من أجل هؤلاء الضحايا، ضحايا المجتمع والسلطة.

تقول في رسائلها التي تركتها قبيل استشهادها أن شخصيتها مليئة بالتناقضات "بناءً على النتائج التي استنتجتها من جراء تحليل لشخصيتي. ولا أكون قد بالغت إن قلت بأنني أشعر بمستوى التناقضات القائمة في شخصيتي، وكأنها تناقضات آلاف السنين".

لكنها خاضت صراعاً مريراً مع نفسها فلم تقبل أن تخضع لفكرة كونها امرأة عليها الطاعة، أو القيام بدورها التقليدي في المجتمع، لقد آمنت بالحرية وآمنت بالمرأة وبالشعوب في تحقيق حريتها.

 

رسائلها الأخيرة ميراث للنساء  

في رسالتها الأخيرة قالت سما يوجا أن "المرأة هي شرارة النار الكردية المتمردة، كل امرأة تستطيع أن تولد من خيالها مرة أخرى، تستطيع أن تصبح شرارة لهذه النار كل يوم وكل لحظة، لقد سرت على منارة ميراث الثورة والاحتراق فيها، وبحثت كثيراً عن مصدر هذا السر، ريثما استنتجت في نهايته، أن الذي تجاوز ذاته فقط هو القادر على القيام بمثل هذه العمليات، وخضت صراعاً داخلياً مميتاً ريثما اتخذت هذا القرار، رأيت في ذاتي وبشكل واضح للعيان ولآخر مرة كافة أنواع الضعف البشري وقوته، وقمت على إخفاقها في نفسي، طبعاً توقي للحياة الحرة وإلى المرأة الحرة هما اللذان أمراني بذلك".

وصفت سما يوجا عمليتها بـ "عملية الكشف عن الإرادة الحرة في إطار المبادرة الشعبية دون توقع أي شيء من أحد، لقد حددت لنفسي مهمة أن أكون شعلة السلام بين الشعوب. إذا كان هناك عدد قليل من القلوب المتفحمة، إذا كان هناك بريق فيها، إذا كان هناك عدد قليل من الأجسام الخالية من الروح، إذا كان بإمكاني إضافة الحيوية إليها، فسأكون قد حققت هدفي".

كما حذرت في رسائلها الأخيرة من أن تبقى القضية الكردية معلقة وأن يبقى الصراع مستمراً يغذيه نظام الدولة القوموي، وقالت "مثل المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية، سيستمر تجار الموت في الحفاظ على حياتهم بينما نقتل بعضنا البعض إلى ما لا نهاية".

 

شعلة نوروز

لم يكن احتراقاً بل كان ثورة وانتفاضة في وجه الظلم، سما يوجا اختارت يوماً مهماً بالنسبة للشعب الكردي ورمزاً للانتفاضة لتقول لا للظلم، نوروز الـ 21 من آذار/مارس، ثورة كاوا الحداد، على الضحاك، كان ثورة سما يوجا أيضاً على الظلم. لتستشهد في 17 حزيران/يونيو 1998.

في عام 1998 نفذت سما يوجا عمليتها في ليلة "نوروز"، متأثرةً بالعديد من الشهيدات أمثال ذكية الكان التي استشهدت عام 1990، وزينب كناجي 1996، وقالت "نحب الحياة إلى درجة الموت لأجلها... سأحتضن الشمس في الفجر بجناحين عندما أقضي على كافة أنواع الضعف البشري بموتي. لو انتصرت في تحليق جناحي في الفجر، حينها سأوفي ولو بقدر بسيط دين شعبي والإنسانية. ستبقى هذه العملية ميراثي الوحيد والأجمل من بعدي".