صديقة دولت أبادي صاحبة أول جريدة نسوية إيرانية

صديقة دولت أبادي ناشطة في مجال حقوق المرأة وصحفية إيرانية، من أبرز رائدات الحركة النسوية في بلادها، وهي مؤسسة أول جريدة نسائية في مدينتي طهران وأصفهان، كرست جهودها لكشف الستار عن الاضطهاد والتهميش الذي تعانيه المرأة في إيران.

مركز الأخبار ـ صديقة دولت أبادي صحفية وناشطة نسوية، أصدرت أول جريدة تعنى بالشأن النسوي في إيران، كانت من أبرز المطالبين بحق المرأة في التصويت وأحد العناصر الرائدة في الفترة الدستورية لإيران، خلال مسيرتها أشادت بدور التعليم والعمل لإخراج المرأة من إطار التخلف المفروض عليها في بلد ذو طابع ديني.

 

أبرز رائدات العصر الحديث

لعبت صديقة دولت أبادي دوراً فعالاً بين رائدات جيلها فقد سعت خلال مسيرتها إلى تسليط الضوء على أهمية تعليم المرأة التي اعتبرتها حجر الأساس في العائلة والمجتمع، سعت لإخراجها من إطار الاحتقار والتخلف المفروض عليها وأن توقظها من كابوس العبودية والتبعية وزيادة مشاركتها في المجتمع، وناضلت لتعزيز التنمية الفكرية والثقافية لنساء بلادها من خلال إنشائها مدرسة للبنات وإصدار صحيفة على الرغم من مواجهتها الكثير من الصعوبات والانتقادات والتهديدات من قبل الذهنية الذكورية.

ولدت صديقة دولت أبادي في مدينة أصفهان الإيرانية عام 1882 اتقنت اللغتين العربية والفرنسية في طفولتها إلى جانب لغتها الأم، وحيث أن رضا الفتاة في الزواج لم يكن أمراً مهماً تزوجت في سن السادسة عشرة من رجل مسن، إلا أن هذا الزواج لم يدم كثيراً وانتهى بالطلاق، كان لفشل هذه التجربة سبباً في انتقادها الشديد لظاهرة زواج القاصرات.

كانت من أوائل النساء اللاتي شاركن في الأنشطة السياسية في إيران، فقد انتقدت السياسات الخارجية منها اتفاقية 1907 التي وضعت إيران تحت نفوذ إنكلترا وروسيا، كما حثت على مقاطعة البضائع المستوردة من خلال الطواف على المقاهي وتشجيعها على عدم استخدام السكر الأجنبي.

بعد نجاح الثورة الدستورية بين عامي (1905ـ1911) باتت من بين المطالبين بالحقوق المدنية والسياسية للمرأة خاصة حقها في التصويت، حيث نشرت العديد من المقالات المعبرة عن رفضها حرمان المرأة من هذا الحق وشاركت في الكثير من الاحتجاجات النسوية المؤيدة لحصول المرأة على حق التصويت، كانت من رواد الحركة النسوية ومؤيدة لإلغاء أحد بنود الدستور الذي يصف المرأة كمجنونة وطفلة ويحرمها من حقوقها الاجتماعية.

سعت خلال مسيرتها إلى رفع المستوى التعليمي للنساء على الرغم من التهديدات التي تلقتها من قبل القوى المذهبية المعارضة لتعليم النساء وقوى الدولة التي ترى أن المرأة المتعلمة ستكتب رسائل غزلية للرجال وبذلك تعتبر خارجة عن سيطرة عائلتها، ولدحض هذه الادعاءات أسست أول مدرسة لتعليم الفتيات حملت اسم "مكتبة الشريعة" في مدينة أصفهان عام 1917 لكنها أغلقت بعد فترة وجيزة من تأسيسها وتم سجن صديقة دولت أبادي لمدة ثلاثة أشهر تعرضت فيها للضرب كما تم تقييدها من العودة إلى مثل هذه النشاطات بحجة مخالفتها للشؤون الدينية وقوانين التعليم، لكن ذلك لم يكن كافياً لتحييدها عن هدفها في إزاحة الستار عن حقوق المرأة في إيران وخاصة حقها في التعليم وعادت للمشاركة بعد عام واحد فقط في تأسيس مدرسة "أم المدارس" في أصفهان ولقت أيضاً ذات مصير مدرسة "مكتبة الشريعة".

بعد إغلاق المدارس التي افتتحتها ثارت على التقاليد والمعتقدات الدينية فعارضت التعليم التقليدي للمرأة الإيرانية وطالبت الحكومة بتوفير تسهيلات لتعليم المرأة، ولأنها لم تحصل على النتيجة التي ترجوها قامت بتأسيس أول جريدة في أصفهان وطهران والثالثة في إيران تحت اسم "لغة المرأة" عام 1919، هدفت من خلالها إلى تعريف المرأة بحقوقها مثل الاستقلال الاقتصادي والتعليم وحقوق الأسرة، وانتقدت الحجاب علناً فتعرضت للتهديد بالقتل على إثر ذلك، لكن الجريدة أغلقت بعد عام واحد من افتتاحها على خلفية أحد المقالات التي أثارت تدريجياً قضايا مثل الاشتراكية والديمقراطية الاجتماعية وواجهت معارضة واضحة من العلماء والطوائف الدينية، إلا أنها بعد عودتها من أوروبا عام 1942 تم افتتاحها ونشر مقالاتها على نطاق واسع في طهران وأصبحت مجلة نسائية شهرية.

 

المرأة الإيرانية أيقونة الحرية

سافرت صديقة دولت أبادي إلى فرنسا عام 1923 للدراسة في كلية البنات للتعليم لمدة أربع سنوات واتمتها بسنتين بكلية الآداب والعلوم التربوية وحصلت في النهاية على درجة البكلوريوس من جامعة السوربون في مجال التعليم عام 1927، كل ذلك حتى تتمكن من اتخاذ خطوات أكثر فعالية في مجال تعليم النساء وهو الأمر الذي كان صعباً في ذلك الوقت فلم يكن يسمح للمرأة بالسفر إلا إذا تجاوزت الـ30 عاماً أو للعلاج، شاركت خلال رحلتها بالمؤتمر الدولي العاشر للمرأة في باريس عام 1926 وتحدثت باسم المرأة الإيرانية وبذلك لفتت أذهان النساء من البلدان الأخرى نحو مستوى وعي المرأة الإيرانية وجدارتها في تولي مناصب في الحكومة وأن تتخذ القرارات المناسبة على عكس ما تروج له الذهنية الذكورية، وأكدت مرة أخرى على أفكارها وآراءها في المؤتمر الدولي العاشر خلال مشاركتها عام 1947 في المؤتمر النسائي العالمي للسلام والحرية في جنيف.

كانت من بين العضوات البارزات في جمعية "النساء محبات الوطن" سعت خلال تواجدها في الجمعية إلى رفع الوعي وإعداد النساء اللواتي لم تكن تمتلكن الخبرة الكافية للعمل في الفضاء العام من خلال عقد المناقشات السياسية والاجتماعية، كما انتقدت الأوضاع الإدارية في البلاد ونوهت إلى ضرورة تعزيز دور ومكانة المرأة في المجتمع والعائلة. لقد كانت من بين أشد النساء انتقاداً للحجاب في إيران فمنذ عودتها إلى البلاد تواجدت في الاجتماعات والتجمعات دون ارتداءها للشادور والحجاب، كما خاطبت النساء في وصية كتبتها قبل وفاتها عام 1961 قالت فيها "لا تشارك ولو امرأة واحدة بالحجاب في جنازتي، ولن أسامح النساء اللاتي يأتين إلى قبري مرتديات الشادور".

ساعدت أنشطتها في خلق فكرة أن رفع الثقافة العامة للمجتمع هو المبدأ الأول في مكافحة اضطهاد المرأة، وهو الأمر الذي لم تتضاءل أهميته على مر السنين، فقد كان للمجلات والصحف والمقالات التي نشرتها أثر كبير في تعزيز التنمية الثقافية والسياسية للمرأة، ورسخت اعتقاد بين المثقفين بأن الشخصية المفقودة للمرأة الإيرانية يجب أن تستعيدها النساء بأنفسهن وعلى المرأة أن تعرف مكانتها حتى تتمكن من اكتشاف شخصيتها الاجتماعية ويكون لها حضور فاعل في مختلف المجالات في المستقبل القريب.

لم تكن صديقة دولت أبادي بسبب نشاطها وشخصيتها من الشخصيات المفضلة في حكومة إيران، لكن الحركة النسائية الإيرانية تعتبرها إحدى قدواتها وقادتها، ففي عام 2004 أنشأ عدد من الناشطين/ات في الحركة النسائية مكتبة وجائزة تحمل اسم صديقة دولت أبادي تُمنح للفائزات بجائزة الكتب النسائية في مجال الأدب الروائي ودراسات المرأة (جنباً إلى جنب مع التمثال البرونزي لصديقة دولت أبادي).