روزاليند فرانكلين شهيدة الحمض النووي DNA

روزاليند فرانكلين عالمة بريطانية في مجال الأحياء الجزيئية والكيمياء الحيوية، اختصت بعلم البلورات وعلوم الوراثة

مركز الأخبار ـ .
تحدت أقرانها من الذكور العلماء فكانت أول من يكتشف بنية الحمض النووي DNA، كما أعدت بحوثاً مكنتهم من الوصول إلى نماذج علمية أخرى له.
لم تثنها الخيانة العلمية التي تعرضت لها إلى مقاطعة العلوم ودراستها، درست تركيب وشكل الفيروسات والفحم والجرافيت.
 
عالمة أحياء جزيئية بعمر مبكر
ولدت روزاليند فرانكلين عام 1920 بمدينة نوتينغ هيل في العاصمة البريطانية لندن وهي الابنة الكبرى لأسرة يهودية، والدها التاجر المصرفي اليس فرانكلين ووالدتها ميوريل فرانسيس وعمها المندوب السامي للانتداب البريطاني على فلسطين هيربرت صمويل، ارتادت مدرسة سانت بول للبنات وهي من المدارس القليلة التي اهتمت بتدريس العلوم للبنات، واستطاعت نيل درجة امتياز في امتحاناتها النهائية عام 1938.
كانت تتحلى بقدرات استثنائية في دراستها فقد برعت في الرياضيات والعلوم مثل الفيزياء والكيمياء على وجه الخصوص، وكانت الدراسة في تلك الفترة تتسم بالتحيز الجنسي، فقد كان من النادر السماح للنساء بدراسة العلوم بهدف خلق العراقيل لتأخير تقدم المرأة في هذا المجال، حتى أن التفرقة بين الجنسين طالت قاعات الطعام.
ولاستكمال دراستها ذهبت إلى كلية نيونهام النسوية التي تأسست عام 1871 في مدينة كامبريدج البريطانية، حيث ركزت على دراسة الكيمياء وتخرجت منها عام 1941 ونالت المرتبة الثانية مع رتبة شرف، وعملت لمدة عام كامل فيها كمساعد باحث تحت إشراف الكيميائي البريطاني رونالد نوريش من جامعة كامبريدج، ثم انتقلت إلى جمعية أبحاث الفحم البريطانية، وتركز عملها على إثبات نفاذية الفحم الذي شكل فيما بعد أطروحتها للدكتوراه في الكيمياء الفيزيائية للغرويات العضوية عام 1945.
 
متفوقة على أقرانها من العلماء
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عينت روزاليندا فرانكلين في المختبر المركزي للخدمات والبحوث الكيميائية في العاصمة الفرنسية باريس، واتقنت فيه حيود الأشعة السينية تحت إشراف خبير البلورات جاك ميرينج، وشكلت هذه الدراسة منعطفاً غير حياتها العلمية، فقد تعلمت تقنيات الأشعة السينية أو ما يعرف بأشعة X التي استخدمتها لخلق صور من المواد الصلبة لتشكيل بلورات معقدة مترابطة وليس فقط بلورات منفردة كما هو متداول، واستخدمتها فيما بعد لإظهار تركيب الحمض النووي المسؤول عن الصفات الوراثية والتنوع الوراثي لدى الكائنات الحية، التركيب الذي صب العلماء كامل اهتماهم عليه لمعرفة شكله الفراغي وبدأوا يتسابقون لتحقيق ذلك.
عادت إلى بريطانيا عام 1951 بعد أن حصلت على منحة لمدة ثلاثة أعوام، عملت خلالها في قسم الفيزياء الحيوية كمساعد باحث بجامعة الملك في لندن، وطلب منها مديرها جون راندل استخدام خبرتها في حيود الأشعة لدراسة الحمض النووي الذي اكتشفه العالم يوهان ميشر عام 1898 لكنه لم يتوصل إلى بنيته وتركيبه، فقامت بتحليل البلورات عالية النقاوة من الحمض النووي DNA الرطب من خلال إمرار حزمة من أشعة X عليها لمدة 100 ساعة متواصلة، تشتت الأشعة خلالها ثم أعادت تجميعها على لوح فوتوغرافي حساس فظهرت صورة غير واضحة لبنية الحمض، وبتكرار التجربة توصلت إلى نموذج علمي للحمض النووي والذي عرف بالصورة (51)، واستخدم لاحقاً كدليل لمعرفة شكل وبنية الحمض النووي، نجحت في تنفيذ ما سعت إليه بمساعدة زميلها في الدراسات العليا وعالم الفيزياء البريطاني ريموند جوسلينج الذي كان يعمل في أبحاثه الخاصة لإيجاد بنية الحمض النووي.
عقد مؤتمر علمي عام 1951 كانت روزاليندا فرانكلين بين الحاضرين، وأكدت خلال المؤتمر حصولها على حقائق أدت لظهور أول نموذج للحمض النووي، لكنها لم تفصح بشكل واضح عن نتائجها التي توصلت إليها والتي مفادها أن الـ DNA يوجد بصورة حلزون على شكل هيكل مكون من السكر والفوسفات متجهة للخارج بينما القواعد النيتروجينية متجهة للداخل وعمودية على طول الهيكل، وبحسب قطر الحلزون فأن الـ DNA يتكون من أكثر من شريط مؤلف من "النيوكليوتيدات"، وبالتالي استطاعت إثبات أن الـ DNA يحتوي على أكثر من هيكل، وكان من أبرز الحاضرين للمؤتمر العالم جيمس واطسون الذي حاز فيما بعد على جائزة نوبل في الكيمياء بعد أن اكتشف نموذجاً خاص به للحمض النووي في جامعة كامبريدج بمساعدة زميله فرانسيس كريك، لكنهما حتى ذلك الوقت لم يحققا شيئاً، وبذلك أصبحت روزاليندا فرانكلين أول فيزيائية تتقدم على رواد الكيمياء والأحياء في هذا المجال.
 
جريمة علمية حرمتها جائزة نوبل
قام مدير المختبرات المساعد بقسم البلورات عالم الفيزياء النيوزيلاندي موريس ويلكنز عام 1953 بالإفصاح عن الصورة (51) التي توصلت لها روزاليند فرانكلين في تجاربها دون علمها، ويعود سبب قيامه بذلك إلى بعض المشاكل الشخصية بينهما، بالإضافة لتفضيله منافسها جيمس واطسون الذي قال بعد حصوله على هذه النتائج "أصبت بالصدمة حينما رأيت الصورة وارتفع معدل النبض لدي"، طبقاً لما نشرته الكاتبة الأمريكية بريندا مادوكس في كتابها تحت عنوان "روزاليند فرانكلين المرأة المجهولة وراء الحمض النووي" والذي تم نشره عام 2002.
وقام جيمس واطسون وفرانسيس كريك بنشر نموذجهما الخاص عام 1953 في مجلة Nature الذي استخلصاه بعد اعتمادهما بشكل أساسي وكبير على أبحاث روزاليندا فرانكلين، لكنهما لم يشيرا لها في النموذج الجديد، رغم الفضل الكبير العائد لها في عملهما الذي تسلما عنه جائزة نوبل عام 1962، وبعد أن علمت بما فعله موريس ويلكينز والعالمين عندما أدرجا ملاحظة أن نموذج روزاليند فرانكلين وزميلها الذي لم يتم نشره قد ألهمهما في الوصول إلى نموذجهما الخاص، إلا أنها لم تقم بأي رد فعل لاستعادة حقها، لكن فيما بعد قام جون راندال ومدير مخبر جامعة كامبريدج بنشر مقال عن نموذج روزاليند فرانكلين في نفس الفئة التي تم فيها نشر النموذج الخاص بجيمس واطسون.
وبعد انتهاء المنحة غادرت كلية الملك لتلتحق بكلية بيربيك أيضاً في لندن حيث درست هناك بنية فيروس التبغ الموزاييكي الذي يصيب نباتي البندورة والتبع، وأظهرت بنية اللولب للفيروس "الحمض النووي الريبي"، كما عادت لدراسة الفحم وخلال خمسة أعوام تمكنت من نشر أكثر من 17 ورقة بحثية عن الفيروسات والتي شكلت أساساً علمياً لقيام علم الفيروسات.
عملت في كلية بيربيك مع الكيميائي البريطاني آرون كلوغ الذي نال جائزة نوبل عام 1982 لتطويره الفحص المجهري الذي استند بشكل جزئي على عمله معها.
اكتشفت روزاليندا فرانكلين أنها مصابة بسرطان المبيض في عام 1956، وعلى الرغم من خضوعها للكثير من العلاج والعمليات الجراحية إلا أنها استكملت مسيرتها العلمية حتى توفيت عام 1958، وأرجعت إصابتها إلى تعرضها لكم هائل من أشعة X التي استخدمتها على لمدة 100 ساعة متواصلة للكشف عن بنية الحمض النووي، وأطلق عليها فيما بعد لقب شهيدة الحمض النووي.