رائدة في علم المحيطات حققت نقلة نوعية في علوم الأرض

عالمة الجيولوجيا والمحيطات الأمريكية ماري ثارب أول من رسمت خريطة علمية لأرضية المحيط الأطلسي، استندت الكثير من الأبحاث والأعمال على اكتشافاتها وحققت نقلة نوعية في علوم الأرض.

مركز الأخبار ـ ماري ثارب عالمة جيولوجيا ومحيطات ورسامة خرائط أمريكية، أول من رسم خريطة علمية لأرضية المحيط الأطلسي بأكمله، ساعدت في الكشف عن تفاصيل تضاريس المشهد الجغرافي متعدد الأبعاد لقاع المحيط، ودور كبير في قبول نظريات الصفائح التكتونية والانجراف القاري العالقة.

 

من علم جيولوجيا الأرض إلى علم المحيطات

ولدت ماري ثارب في ميشيغان عام 1920 وهي الطفلة الوحيدة لوالديها، عمل والدها مساح للتربة وغالباً كانت تساعده في جمع عينات من الصخور والتربة لذلك باتت على علم كافي برسم الخرائط في سن مبكر، ونظراً لطبيعة عمل والدها كان عليها أن تتنقل بين المناطق لذلك التحقت بأكثر من 17 مدرسة قبل تخرجها من الثانوية، وبعد تقاعد والدها استقرت مع عائلتها في ولاية أوهايو والتحقت بجامعة الولاية عام 1939 وتخرجت بدرجة بكالوريوس في اللغة الإنكليزية والموسيقى وأربع تخصصات فرعية أخرى.

قبل الحرب العالمية الثانية تم ردع النساء عن الضلوع في المجالات العلمية واتيحت لهن وظائف محددة كالسكرتيرة أو الممرضة أو معلمة مدرسة أو أمينة مكتبة، لكن مع حلول الحرب تم تعيين النساء في مجالات عدة منها جيولوجيا النفط التي كانت في وقت سابق حكراً على الرجال، وبعد حصولها على درجة في الجيولوجيا من جامعة أوهايو عينت ببرنامج جيولوجيا النفط آن أربور وبذلك استطاعت الحصول على درجة البكلوريوس.

على الرغم من أنه كان هناك عقود من التمييز ضد المرأة في المجالات العلمية إلا أن قفزة ماري ثارب إلى مهنة في علوم الأرض لم تكن عادية فقد كانت نسبة النساء الحاصلات على درجة الدكتوراه لا تتجاوز 4% في ذلك الوقت.

وحصلت على عمل في شركة لإنتاج ونقل وتكرير النقط لكنها لم تكن راضية عن هذا العمل ونالت شهادة البكلوريوس في الرياضات أثناء عملها كجيولوجية في هذه الشركة، كانت واحدة من أوائل النساء اللائي عملن في مختبر لامونت الجيولوجي بجامعة كاليفورنيا أواخر أربعينيات القرن الماضي، حيث عملت رسامة خرائط عامة بعد انتقالها إلى نيويورك مع زوجها الذي انفصلت عنه بعد زواج لم يدم أكثر من خمس أعوام.

في أوائل خمسينيات القرن الماضي لم تكن هناك فكرة كاملة عن هيكل الأرض فقد توقع العلماء أن قاع المحيط مسطحاً وذلك لعدم توفر المعلومات الكافية عن بنية وتطور قاع المحيطات، في بداية عملها في المختبر استخدمت بيانات فوتوغرافية لتحديد مواقع سقوط الطائرات في الحرب العالمية الثانية.

حصلت على ترقية خلال عملها وبحسب سياسة المختبر أصبحت بمنصب الممول بمنحة، تعاونت مع الجيولوجي بروس هيزن الذي عمل على جمع المعلومات حول قياس الأعماق على متن سفينة الأبحاث "فيما" ونظراً لاستبعاد النساء في بداية حياتها المهنية من العمل على ظهر السفن قامت برسم أول خريطة لشمال المحيط الأطلسي عام 1957 اعتماداً على تلك البيانات قبل أن تتمكن لاحقاً من الالتحاق بالعبثة لأول مرة عام 1968

.

أول خارطة كاملة لقاع المحيط الأطلسي

في عام 1952 وظفت ماري ثارب بيانات جمعتهما سفينتي الأبحاث "ستيورات" و"أطلانتس" التابعة لمعهد وودز هول لعلوم المحيطات في أول محاولة منهجية لها لرسم خريطة لقاع المحيط بأكمله، قبل أن تصل إلى هدفها المنشود أنشأت ستة ملفات امتدت من غرب إلى شرق الجهة الشمالية للمحيط الأطلسي، حيث فحصت فيها أعماق الأجزاء الشمالية من منتصف المحيط وحددت بنية اصطفاف على شكل حرف (V) امتدت خلال محور التلال وأكدت أنه وادياً متصدعاً تشكل عندما طفت مادة جليدية إلى السطح مما تسبب في تباعد جانبي التلال.

سخر بروس هيزن من نظرية ماري ثارب كونها تدعم نظرية الانجراف القاري التي كانت آنذاك مستحيلة ومثيرة للجدل كما أنه فضل فرضية تمدد الأرض لفترة من الزمن، إلا أنه لم يمضي وقتاً طويلاً حتى تقبل فرضيتها خاصة بعد أن تماشت بيانات مراكز الزلازل السطحية في المحيطات مع وادي ثارب المتصدع في قمة الأعراف.

في عام 1957 نشر العالمان أول خريطة فيزيوغرافية لشمال الأطلسي إلا أنه لم يظهر اسم ماري ثارب في أي من الأوراق البحثية الخاصة بالصفائح التكتونية والانجراف القاري، لكنها واصلت العمل على توسيع الخريطة لتطال الوادي المتصدع المركزي وأثبتت أن الوادي يمتد على طول أعراف منتصف إلى جنوب المحيط كما أنها اكتشفت هيكلية وادٍ مشابهة في المحيط الهندي وخليج عدن وبحر العرب وهذا دليل على وجود منطقة محيطية متصدعة تلف كوكب الأرض، وبعد ذلك استطاعت مع زميلها من نشر خريط لكامل قاع المحيط عام 1977.

على الرغم من الاعتراف بعملها وفضلها إلا أنها لم تحصل على أي تقدير على عكس زميلها، كما أنها تبرعت بمجموعة من الخرائط والملاحظات الخاصة بها لمكتبة الكونغرس التي تلقت منها مرتبة الشرف المزدوجة وسميت في هذا التكريم كواحدة من أعظم رسامي الخرائط الأربعة في القرن الماضي، كما أدرجت بحوثها في معرض الاحتفال بالذكرى المئوية لشعبة الجغرافيا والخرائط، غيبها مرض السرطان عن الحياة بعد خمس أعوام من تسلمها جائزة لامونت دونرتي هيرتج السنوية الأولى عن عملها كرائدة في علم المحيطات عام 2001.