قصيدة يوتوبيا الضائعة "المدينة الفاضلة" نازك الملائكة
للشاعرة العراقية نازك الملائكة، أحد أبرز الأوجه المعاصرة للشعر العربي الحديث، شاعرة وجدانية تشربت روحها بقضايا الدول العربية التي عاصرت ثوراتها وأيام تحررها
، من الشاعرات المتفردات في المشهد الشعريّ العربي، وقدمت إرثاً أدبياً وفكرياً للشعر الحرّ كاسرةً أعمدة المشهد الأدبي آنذاك بقصائدها المتمردة وفكرها الناضج، لتبث روحاً لَسِنة في القصيدة العربية.
ساعدها تفرّد قلمها وتألقه في حياكة ودراسة الأدب العربي، بالاطلاع على أخصب الآداب العالمية، وتخرجت من كلية الفنون الجميلة قسم الموسيقى، ولم تتوقف في دراستها الأدبية والفنية عند هذا الحد، فبالإضافة لتمرسها الأدب الإنجليزي والفرنسي، فقد اتقنت الأدب الألماني والإيطالي والروسي والصيني والهندي، علاوةً على عملها في مجالي الشعر والنقد وترجمتها بعض الأعمال الأدبية عن الإنجليزية، وتأثرت بالشعراء الرومنطيقيين الإنجليزيين، مثل "بيرسي شلي" و"جون كيتس".
ترصد نازك الملائكة من خلال قصيدتها الطوباوية "يوتوبيا الضائعة"، شعور الحزن العميق الذي سيطر عليها عقب النكبة الفلسطينية عام 1948، وتلبس قلمها الخوف والذعر من كأسٍ تجرعته المرأة أمداً طويلاً لم يطغى عليه سوى الظلم الاجتماعي والفكري، فلجأت إلى دائرة الأزمان يوتوبيا، إذ أنها استخدمت يوتوبيا دلالة على مدينة شعرية خيالية طوباوية، وهي منطقة يتعطل فيها حكم الزمان والصفة الثابتة لها أنها أفق أزلي لا يدركه الفناء، فلم يكن الحلم بيوتوبيا هاجس نازك الوحيد بل كان هاجساً لكثيرٍ من الفلاسفة والأدباء والشعراء.
لطالما كان الحلم بمدينة نموذجية مثلى يسودها العدل وتزخر بالسعادة يعانق مداد كل الأدباء الذين يتمتعون بحس أخلاقي رفيع المستوى، ذلك العالم المثالي الذي يجب على المجتمع البشري أن يواصل كماله ورقيه لكي يصل إليه، الأمر الذي دفع الأدباء إلى رفض الواقع واللجوء إلى الطبيعة أو الحلم بمدينة طوباويّة بحثاً عن الخلاص، نتيجة الويلات التي آلت بالمجتمع العربي وانهيار التركيبة المجتمعية ذاك الوقت.
وفي قصيدتها الطوباوية لازمها حلم يوتوبيا، فترك في نفسها أثراً عميق تحيا وتموت وهي تستذكره، وأرادت رسم عالمٍ مغاير لهذا العالم فسكبت ألوانها على لوحةٍ شعرية، تقول فيها:
صدىً ضائعٌ كسرابٍ بعيد يجاذبُ روحي صباح مساء
أنامُ على رجعهِ الأبديّ ويوقظني برقيقٍ الغناء
صدىً لم يشابههُ قطّ صدى تغنّيه قيثارة في الخفاء
إذا سمعته حياتي ارتمت حنيناً ونادتهُ ألف نداء
يموتُ على رجعهِ كلُّ جرحٍ بقلبي ويشرقُ كلُّ رجاء
ويمضي شعوري في نشوةٍ يخدّرهُ حلمُ يوتوبيا
ويوتوبيا حلمٌ في دمي أموتُ وأحيا على ذكره