نور النساء عنايت خان ... أول امرأة تقوم بمهمة تشغيل الراديو اللاسلكي خلال الحرب العالمية الثانية

التحقت بفرقة سلاح الجو فكانت أول امرأة تقوم بمهمة تشغيل الراديو اللاسلكي في فترة احتلال ألمانيا لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، نور النساء عنايت خان بحثت في تاريخ الأدب الأوروبي والأساطير والأديان السماوية

مركز الأخبارـ .
 
عرفت بالذكاء والشخصية القوية
ولدت نور النساء عنايت خان في الأول من كانون الثاني/يناير عام 1914 في موسكو الروسية، نشأت وترعرعت ضمن عائلة هندية صوفية، وهي الابنة الكبرى للأمريكية أورا راي بيكر والهندي الموسيقي والصوفي عنايت خان، وتعد نور النساء عنايت خان حفيدة حاكم سلطنة مايسور الهندية السلطان تيبو الذي شن حروب ضد القوة البريطانية عام 1789.
تربت على مبادئ التسامح والمحبة وكره العنف والاحتلال بكافة أشكاله، وتأثرت بمفاهيم الإنسانية البعيدة عن التحيز والتعصب، وهي في العقد العشرين من عمرها اضطرت لترك فرنسا والسفر إلى المملكة المتحدة برفقة عائلتها.
كانت تعرف بالشجاعة والذكاء والشخصية قوية، أتقنت العزف على بعض الآلات الموسيقية أبرزها "القيثارة والبيانو"، إلى جانب إتقانها لعدّة لغات عالمية منها الهندية والفرنسية والإنجليزية.
 
نور النساء عنايت خان... كاتبة وباحثة
كان لها عمود في صحيفة "لافيغارو" الفرنسية، حيث نشرت فيها قصصاً عن حياة الأطفال الهنود، بالإضافة إلى روايتها التي تتجه أغلبها نحو قصص الأبطال الذين ساهموا في منح العالم السلام والاستقرار. 
نشرت عام 1939 كتابها "عشرون حكاية من جاتاكا"، وهي قصص تعليمية عن التجليات الأولى للبوذية ولمحة عامة عن حياة مؤسسها بوذا سيدهارتا غوتاما، وتحدثت فيه عن الملامح الأساسية لعقيدتها ورؤيتها التي تمحورت حول جاهزيتها الكاملة للنضال في سبيل الحرية والسلام لكل البشر.
كانت ترى أن مذهب الصوفية مفهوم فلسفي شامل يستوعب كل الأديان السماوية ولا يختص بعقيدة محددة، وانطلقت من مبدئها هذا في الدفاع عن اليهود ضد العنف النازي، وقد خلّدت في كتب التاريخ بـ "المرأة التي أنقذت أرواح اليهود".
بحثت في تاريخ الأدب الأوروبي، وكتبت عدّة مقالات وقصص حول الأساطير الروسية والبولونية واليونانية والمسيحية، كما عشقت الملاحم الشعرية كـ ملحمة شهرزاد، والموسيقية الصوفية الهندية ميرا باي. وبحثت في قصص الأنبياء والرسل لمعرفة الثقافات الدينية والديانات السماوية، والكشف عن القاسم المشترك بين الديانات وحلّ العوائق والتغلب على الصعوبات التي تعترض درب التواصل بين هذه المعتقدات.
 
أول امرأة تكلّف بمهام عسكرية في فترة احتلال ألمانيا لفرنسا
بعد اندلاع الثورة الشعبية في روسيا، انتقلت نور النساء عنايت خان مع عائلتها للعيش في بريطانيا وبعدها انتقلوا إلى فرنسا عام 1920، واستقروا في ضاحية سيرين الباريسية، تحملت مسؤولية الأسرة بعد وفاة والدها الأمير عنايت خان لذا قررت العمل كممرضة بعد تلقيها دورة تدريبية، فعملت لدى الصليب الأحمر الفرنسي، وبعدها قررت الالتحاق بالجيش البريطاني، بعد أن أنهت دراستها في علم نفس الأطفال في جامعة سوربون في باريس.
وصلت إلى المملكة المتحدة تحت اسم نور بكر هرباً من النازيين، والتحقت بفرقة سلاح الجو كمشغل للراديو اللاسلكي، فكانت أول امرأة تقوم بمهام عسكرية في فترة احتلال ألمانيا لفرنسا. انضمت فيما بعد إلى صفوف قوات النخبة لصالح بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية عام 1942 تحت اسم حركي "مادلين" ، وتم اختيارها من جانب القادة لتكون ضمن فرقة العمليات السرية "SOE"، تمهيداً لإرسالها إلى فرنسا والقيام بمهمة التنسيق بين القيادة وعناصر المقاومة الفرنسية. 
أقلعت طائرة بريطانية بنور النساء عنايت خان لتهبط بواسطة منطاد إلى خلف خطوط النازيين في فرنسا في تموز/يوليو عام 1943، وهناك عملت في فرقة المقاومة في فرنسا، لتصبح آخر وسيلة اتصال لا سلكية بين الحلفاء والمقاومة الفرنسية. بالرغم من انتشار خبر اختراق جاسوس نازي وسطهم، وتصفية العديد من الجواسيس الذين كانوا معها في الفرقة من قبل الشرطة الألمانية السرية الجيستابو، إلا أنها رفضت العودة إلى بريطانيا وظلت مصممة على قرارها والبقاء لأخر رمق في حياتها، وعملت بمفردها في إدارة شبكة كاملة لمدة 3 أشهر.
 
الخطيرة للغاية
تعرضت للخيانة بعد أن وشت بها امرأة فرنسية، مما حدا بالبوليس السري الألماني الجيستابو بالقبض عليها وإرسالها إلى سجن انفرادي في جنوب غرب ألمانيا في مدينة فورتسهايم، وخلال الاعتقال كبلت بقيود تربط اليدين والقدمين معاً، بحيث لا تتمكن من إطعام نفسها أو حتى تنظيف جسدها، لكنها أبت إلا أن تبقى صامدة ولم تدلى بأي معلومات تعرفها عن أسرار الوحدة التي المنتسبة إليها ولا عن مهمتها، ونظراً لصلابتها ومقاومتها وصفها القادة الألمان بـ "الخطيرة للغاية"، حينها وصفها البريطانيون بالشجاعة ولقبوها بـ "البطلة" لعملها المتفاني من أجل الحرية والخلاص.
 لكن انتهى بها المطاف بأعيرة نارية أطلقت على مؤخرة رأسها مع ثلاث من زميلاتها هن "مادلين داميرمين، وإيلين بليمان، ويولاند بيكمان" في 13 أيلول/سبتمبر عام 1944، عندما تم نقلهن إلى معسكر الاعتقال "داخاو" جنوبي ألمانيا، كانت أخر كلماتها "حرية" بحسب ما جاء في سيرتها الذاتية. كما أن النازيين الألمان أحرقوا جسدها بعد إطلاق الرصاص عليها حتى لا يبقى منها أي أثر.
 
نصب تذكاري لها
في المملكة المتحدة وتكريماً لبطولتها وشجاعتها، تم منحها وسام صليب جورج، وإقامة تمثالاً لها وسط العاصمة البريطانية لندن في ساحة "غوردون"، وفي فرنسا قلّدت بوسام صليب الحرب، كما شيّد لها نصبين تذكاريين، إلى جانب إحياء ذكرى وفاتها سنوياً، وفي عام 2012 رفعت الأميرة البريطانية آن الستار عن تمثال برونزي لوجه نور النساء عنايت خان وسط حدائق "جولدن سكوير" في لندن. 
أصبحت مصدر إلهام لمنتجي الأفلام والسينما حيث تحولت سيرة حياتها إلى أفلام سينمائية ووثائقية ومسرحيات على خشبة المسارح في الهند والمملكة المتحدة وفرنسا. كما قامت الفائزة بجائزة نوبل هيلين ميرين بدور الراوي في فيلم "عدوة الرايخ"، الذي يجسد حياة نور النساء عنايت خان ومسيرتها القتالية.
وفي عام 2018، شكل عدد من المؤرخين والسياسيين من بينهم الناشطة زهرة الزيدي، والمذيع بشبكة BBC دان سنو، وعدد من أعضاء البرلمان، بالإضافة إلى المئات من المؤيدين حملة طالبوا فيها بوضع صورة نور النساء عنايت خان على الإصدار الجديد للعملة الورقية فئة 50 جنيهاً إسترلينياً. 
قامت مؤسسة قبور حرب الكومنولث بتسليط الضوء على مقتطفات من حياتها ومسيرتها القتالية في يوم المرأة العالمي عام 2020، وذلك خلال معرض تفاعلي "Englefield Green"، استضافته مؤسسة رونيميد للقوات الجوية التذكارية.