نادين جوني... ألهمت النساء ووثّقت بصمتها ورحلت

رحلت نادين جوني التي تعتبر إحدى مُؤسسات حملة رفع سن الحضانة عند الطائفة الشيعية في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2019. لم تستطع نادين أن تستعيد حضانة ابنها كرم الذي كانت تراه في الأسبوع 24 ساعة فقط

لم تستسلم يوماً ولم ترحل إلا بعدما تركت بصمتها وهو ما حلمت به طويلاً. رفعت الناشطة اللبنانية نادين ماجدة جوني الصوت عالياً لتطالب بحقها وحق الأمهات اللواتي حُرمن من أولادهن.

كارولين بزي

بيروت ـ رحلت نادين جوني التي تعتبر إحدى مُؤسسات حملة رفع سن الحضانة عند الطائفة الشيعية في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2019. لم تستطع نادين أن تستعيد حضانة ابنها كرم الذي كانت تراه في الأسبوع 24 ساعة فقط، ولكنها حاربت حتى الرمق الأخير لعلّها تلهم نساءً يستكملن الطريق بعدها.

التقت وكالتنا مع مديرة منظمة أبعاد غيدا عناني، الناشطة والفنانة التشكيلية زينة عيّاد التي ربطتها علاقة صداقة وزمالة بنادين جوني، وزينة ابرهيم رئيسة حملة رفع سن الحضانة عند الطائفة الشيعية، ليحدثونا عن مسيرة الراحلة نادين جوني.

"خسرت الحركات النسائية صوتاً لا يتعب"

عملت نادين جوني في منظمة "أبعاد" حتى وفاتها، كانت الصوت الذي لا يتعب حسبما قالت مديرة منظمة "أبعاد" غيدا عناني لوكالتنا "منذ أن تعاونا مع نادين حتى قبل أن تنضم إلى القسم الإعلامي في "أبعاد"، كانت ضمن فريق يعمل بالمساحات الآمنة الخاصة بالنساء والفتيات، كانت حاضرة في الصفوف الأمامية مع النساء وذلك قبل أن تبرز مهاراتها وشخصيتها، الشخصية المناصرة التي تعيش القضية، ثم وجدنا أنه من الأجدى أن تنضم نادين إلى الفريق الإعلامي".

وعن صفات نادين جوني قالت "نادين بالفطرة من الناس وإلى الناس، تمتلك شخصية تعيش ألم الآخرين ولا تتردد بتقديم المساعدة لأي شخص يلجأ إليها، تحاول أن تبتكر حلولاً من العدم، وهي شخصية وفية، ولديها القدرة على الولاء للحق قبل أن يكون لديها ولاء للشخص".

وأضافت "نادين شخصية ديناميكية تحاول أن تخلق حياةً وفرحاً لذلك ترك غيابها فراغاً كبيراً في المكتب، كانت تستطيع أن تحرّك المشاعر والأفكار والابداع وحتى الضحكة، هي بمثابة محرك.. تستطيع أن تحفّزك وتستفزك ايجابياً لكي تُخرج منك فكرة أو ضحكة".

لم يكن يدرك كثيرون ممن يعرفون نادين جوني أنها كانت تعيش الألم والوجع، تقول غيدا عناني "لأنها ليست شخصية درامية ولا تلعب دور الضحية، بل استطاعت أن تخلق من الوجع الكبير قدرة تأثير على حياة الكثير من الناس بشكل كبير وبوقت قصير جداً".

خسرت منظمة "أبعاد" إحدى أبرز الناشطات لديها ولكن ما الذي خسره النضال النسائي، توضح غيدا عناني "خسرت الحركات النسائية صوتاً لا يتعب أبداً، كانت نادين ترفع الصوت دفاعاً عن الحق من دون خوف ولا اعتبارات.. الحركة النسائية اليوم خسرت بشكل أساسي شخصية مثابرة حتى الرمق الأخير".

وأكدت على أنه "على الرغم من أن هناك متابعة ومثابرة ونضال ولكن صدى الصوت ليس عالياً، ربما هناك نشاطات أخرى ولكن بشكل أساسي هي بالنهاية جهود أفراد، جهود أفراد قادرة وغير محكومة بأي اعتبار من الاعتبارات، قادرة على أن تتمتع بحرية التعبير وحرية الكلام، على عكس المحكومين بهياكل مؤسساتية، نادين كانت شخصية حرة بشكل كامل.. خسرنا هذا الصوت العالي".

"هكذا عاشت نادين يومها الأخير"

علاقة صداقة متينة كانت تجمع الناشطة والفنانة التشكيلية زينة عياد مع نادين جوني، وتقول "كنت أنا ونادين نعمل سوياً في القسم نفسه في منظمة "أبعاد"، عملنا لسنوات معاً وكان مكتبها أمام مكتبي مباشرةً وكنت صباح كل يوم أمرّ لاصطحابها إلى العمل، وبعد دوام العمل كنت أوصلها إلى البيت. علاقتي بنادين علاقة صداقة وليست علاقة زمالة فقط، كنا صديقتين لأننا لم نكن نتفق على أغلب المواضيع، لأن كل واحدة منا كان لديها وجهة نظر مختلفة عن الأخرى وفي أغلب المواضيع".

كانت زينة عياد لا تزال في منظمة أبعاد عندما توفيت نادين في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وتقول "كنت لا أزال أعمل في "أبعاد" عندما توفيت نادين، كنت مع نادين قبل يوم واحد من وفاتها. كانت متحمسة جداً، إذ كانت قد استأجرت سيارة وقضت اليوم بأكمله مع ابنها، كانت سعيدة جداً. عاشت ذلك اليوم مع ابنها ثم رحلت".

لطالما رافقت الابتسامة وجه نادين جوني، ولكنها كانت تخفي خلف تلك الابتسامة ألماً وحزناً، وتتحدث زينة عياد عن نادين بعد وفاتها مباشرةً قائلةً "عندما توفيت نادين تلقيت العديد من الاتصالات، اكتشفت أن هناك العديد من الأشخاص لا يعرفون نادين حقيقةً. الجميع يعتقد أن نادين هي المرأة القوية والشجاعة والشخصية الفكاهية التي لا يخيفها شيء، ولكن كان هناك وجه آخر لنادين لا يعرفه أحد، تلك الشخصية المتعبة التي تحتاج إلى سند والتي تكافح بكل عزيمتها. بالتأكيد الجميع كان يدرك أنها كانت تناضل لاسترجاع حضانة ابنها، ولكن هذه الشخصية التي وقفت إلى جانب العديد من النساء، لا يعرف أحد ما الذي كانت تفعله أو تعيشه".

"تربت على أن تكون قوية"

وأضافت "كانت تحتاج نادين إلى دعم معنوي، ففي كثير من الأحيان كنا نجلس معاً، أستمع إليها ولأوجاعها حتى أنا لم أكن أتوقع أن أرى هذه الشخصية في نادين. إذ تحاول نادين حتى مع الأشخاص المقربين منها أن تظهر تلك الشخصية القوية حصراً".

وأكدت على أنه "لم يكن من الصعب على نادين أن تبرز الشخصية القوية دائماً حتى وهي في حالة ضعف، لأنها تربت هكذا والحياة وضعتها بهذه الظروف، وبالتالي لم تكن تبذل مجهوداً لكي تظهر أنها قوية بل المجهود كان بالتعبير عن آلامها.. ففي اللحظات التي كانت تشعر فيها بالتعب كنت أقول بيني وبين نفسي أنه يجب أن أتركها تعبّر عن مشاعرها لأنها لا تفعل ذلك دائماً".

وتروي زينة عياد لحظة عودتها إلى العمل بعد وفاة نادين، وتقول "أذكر جيداً ذلك اليوم، كان يوماً متعباً جداً وكانت وفاتها إحدى الأسباب الأساسية التي دفعتني إلى ترك "أبعاد". توفيت نادين في تشرين الأول/أكتوبر، أنا تركت العمل في كانون الثاني/يناير من العام 2020. ففي البداية وبعد وفاتها مباشرةً بقيت أناديها في العمل ثم أتذكر أنها رحلت، كان الموضوع متعب جداً. وكنا قد وضعنا صورة كبيرة لها عند الاستقبال في "أبعاد" وهو الأمر الذي أثّر عليّ أيضاً"، ولفتت إلى أن فكرة اصطحابها يومياً من البيت إلى العمل كانت مؤلمة ومتعبة جداً لها.

وحول ما خسره النضال النسائي وحملة رفع سن الحضانة، قالت "النضال يستمر بناشطات ونساء مثل نادين، إذ ألهمت نادين العديد من النساء. لكن لا يمكننا أن ننكر أن حملة رفع سن الحضانة خسرت الكثير مع رحيل نادين، إذ أن أكثر الأشخاص الذين يبذلون جهداً كبيراً ويعملون من قلوبهم هم الذين عاشوا الألم ويعرفون مرارته. وكانت نادين تدرك تماماً إلى أي مدى موضوع الحضانة يؤثر على حياة النساء المحرومات من أولادهن، لذلك كانت قادرة على إعطاء هذا الموضوع من قلبها والمحاربة بشراسة لتأخذ حقها وحق صديقاتها وحق النساء الأخريات. لم تحارب نادين يوماً لاسترجاع حق حضانة ابنها حصراً، كانت تتحدث بقضايا النساء الأخريات أكثر مما تتحدث بقضيتها".

"حكمتان آمنت بهما نادين"

وأضافت "كانت نادين تعلم أنها قوية وشجاعة وفي الوقت نفسه كانت تدرك أن هناك العديد من النساء الضعيفات واللواتي لا يستطعن القيام بربع ما تقوم به، لذلك كان هدفها بأن تبذل كل ما بوسعها في هذه القضية بشكل أكبر من إطار قضيتها الشخصية".    

واختتمت زينة عيّاد حديثها بالقول "كانت نادين تكرر دائماً مقولة "لا تستلم أبداً من دون أن تحارب"، كانت تريد أن تحارب إلى الرمق الأخير وبالفعل حاربت حتى الرمق الأخير. وكانت تخبرني دائماً بأنها لا تريد أن ترحل من هذا العالم من دون أن تترك بصمة، وهي لم تترك هذا العالم إلا وتركت بصمتها. هاتان حكمتان أصبحتا جزءاً من قاموسي اليومي في الحياة، وهي أن نترك بصمة في هذا العالم ونحارب من أجل القضايا التي نؤمن بها".

"وصلت نادين بصدقها وألمها إلى الناس"

تحدثت رئيسة حملة رفع سن الحضانة عند الطائفة الشيعية زينة إبراهيم عن نادين جوني، قائلة "نادين كانت من أولى الأمهات اللواتي انضممن إلى حملة رفع سن الحضانة عند الطائفة الشيعية. تعرفت إليها بعدما أطلقت الحملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتقيت بها شخصياً في أول تظاهرة للحملة أمام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وهي تعتبر من المؤسسات للحملة. كانت نادين عنصراً أساسياً في الحملة، وعلى الرغم من أنني أطلقت الحملة ولكنني لست معنية بشكل شخصي بالقضية لأن ابني معي، بالمقابل كانت نادين تعيش الحالة، كانت ترى ابنها 24 ساعة في الأسبوع لذلك عندما كان يتم الحديث عن الحملة من قبل نادين، كانت تصل إلى الناس بصدق أكبر وبألم أعمق، وكانت صرختها تصل بصدق إلى الناس. عملت نادين على الحملة حتى وفاتها. كانت مندفعة طوال الوقت ومتجددة بأفكارها من أجل لفت انتباه العالم إلى القضية".

وأضافت "ألهمت نادين وأثرت كثيراً على النساء ودفعتهن إلى رفع صوتهن عالياً"، وعلى الرغم من أن قضية رفع سن الحضانة عند الطائفة الشيعية من المواضيع المحرمة أو المحظورة، ولكن الحديث عنها وإطلاق الحملة كسر حاجز الصمت حول هذه القضية، وأكدت زينة إبراهيم بأن "نادين كانت جزءاً أساسياً من كسر هذا الحاجز ومن إيصال صوت الأمهات".

"الأمهات خسرن صوتهن"

وعما تذكره عن نادين جوني، قالت زينة ابراهيم "أذكر في نادين صوتها العالي، المليء بالحماس، واندفاعها وحماسها". لا تخفي زينة أن وراء شخصية نادين القوية، امرأة ضعيفة في اللحظة التي تتحدث فيها عن ابنها، مشيرة إلى أنه "عندما تتحدث عن ابنها كانت تشعر بالضعف. كنا نجتمع كثيراً للحديث عن نشاطات الحملة، وعندما نتحدث بالأمور الشخصية وتحديداً عن ابنها كان يظهر ضعفها بعينيها وبأسلوبها ولكن في الوقت نفسه كنت أراها امرأة قوية. إذ عندما كنا ننظم لنشاط أو تظاهرة أو نحضر لإصدار بيان كانت قوية جداً، وأعتقد أنها كانت تستمد قوتها من ضعفها".

وأكدت زينة إبراهيم أن "نادين كانت من المؤسسات للحملة، إذ لم أكن أخطط لأي نشاط بغيابها".

وعما خسرته الحملة بوفاة نادين جوني، قالت "خسرنا أم جريئة تستطيع أن توصل صوتها وتشجع باقي الأمهات. خسرنا شخصية حماسية ومؤمنة بالقضية إلى أقصى الحدود وهذا قلما نشهده. الأمهات خسرن أصواتهن. نحن موجودات ولكننا خسرنا امرأة بجرأة نادين وبوجعها وصدقها".