من هي أول مصورة صحفية في الوطن العربي؟

تُعتبر فاطمة كرازة إحدى الشاهدات على عصرها، أكثر من مجرد مصورة حيث تروي الأحداث بلغة الصورة، وتعكس بقوةٍ حضور المرأة في عالمٍ يحاول تهميشها.

ابتسام اغفير

ليبيا ـ في عالمٍ كانت عدسات الكاميرا حكراً على الرجال، وقفت فتاة ليبية شجاعة تحمل كاميرتها، كاسرة حاجز التقاليد، وراصدةً بعدستها تفاصيل الحياة كما لم تُرَ من قبل. فاطمة كرازة، المرأة التي حوّلت التصوير الصحفي من مهنةٍ مستحيلة إلى واقعٍ تعيشه الأجيال اللاحقة.

 

عدسة ترصد الحلم

وُلدت فاطمة كرازة عام 1946 في مدينة يفرن، حيث كبرت بين الجبال والمناظر الطبيعية التي غذّت عينها البصرية منذ الطفولة، لكن شرارة شغفها الحقيقي اشتعلت حين رافقت شقيقها محمد إلى طرابلس، الذي كان يعمل في مجال الطباعة والتصوير وهناك وقعت في حب الضوء والظل، وتعلمت كيف تحوّل اللحظات العابرة إلى صور خالدة.

لم يكن الطريق ممهداً لامرأةٍ تحمل كاميرا في مجتمعٍ لم يعتد على رؤية النساء في الميدان الصحفي، لكن الفرصة الذهبية جاءت عندما قدمتها خديجة الجهمي، الصحفية الرائدة، إلى مجلة "المرأة". بدأت فاطمة كرازة كمُتدربة، تلتقط الصور بحذر، تراقب وتتعلم شيئاً فشيئاً لم تعد مجرد متدربة، بل أصبحت العين التي توثق واقع النساء الليبيات، وبدأت بعدستها تنقل قصصاً لم تُروَ من قبل.

 

نضالٌ بعدسة وكاميرا

لم يكن الأمر مجرد عمل؛ بل كان نضالاً ضد الأفكار السائدة، حيث واجهت فاطمة كرازة تحدياتٍ لا حصر لها، من التشكيك في قدراتها إلى المصاعب التقنية والتنقل في أماكن لم تكن معتادةً على وجود النساء فيها، ورغم ذلك لم تتردد في اقتحام الميادين، ورافقت الصحفيات في مهامهن داخل ليبيا وخارجها، لتصبح أول مصورة صحفية معتمدة في الوطن العربي، مسجلةً هذا الإنجاز بتاريخ 4 نيسان/أبريل 1967.

كانت فاطمة كرازة أكثر من مجرد مصورة، كانت شاهدة على عصرها، تروي الأحداث بلغة الصورة، وتعكس بقوةٍ حضور المرأة في عالمٍ يحاول تهميشها، لم تكن مجرد توثيقية للأحداث، بل كانت صانعة لرؤيةٍ جديدة، ملهمةً لجيلٍ من النساء اللواتي رأين فيها نموذجاً يحتذى به.

 

إرثٌ خالد في ذاكرة الزمن

حين صدر القرار الرسمي بتعيينها كمصورة صحفية، لم يكن ذلك مجرد اعتراف بموهبتها، بل كان إعلاناً أن التصوير الصحفي لم يعد حكراً على الرجال، فتحت فاطمة كرازة الأبواب لجيلٍ جديدٍ من المصورات، ورسّخت مفهوم أن المرأة تستطيع أن ترى العالم بعدستها وتنقله كما تشاء.

وحظيت المصورة الليبية فاطمة كرازة في بداية ظهورها فترة الستينيات باهتمام الصحافة المصرية، حيث نشرت صحيفة "الأخبار المصرية" حواراً معها تناول مسيرتها المتميزة في مجال التصوير الفوتوغرافي. وأبرزت الصحيفة شغف كرازة بتوثيق اللحظات المهمة من خلال عدستها، ما جعلها تحظى بتقدير محلي ودولي.

كما نشرت صحيفة "أخبار اليوم" المصرية خبراً حول دورها في تغطية الأحداث البارزة، وأشارت إلى لقطاتها الفريدة التي لفتت انتباه المسؤولين والجمهور، وأكدت التقارير الصحفية أن فاطمة كرازة استطاعت أن تحقق نجاحاً كبيراً، لتكون مثالاً يحتذى به للمرأة العربية في مجال الإعلام والتصوير.

اليوم، وبعد عقودٍ من الزمن، لا أحد يتذكر فاطمة كرازة إلا شقيقها محمد كرازة "شيخ المصورين الليبيين" الذي كان الداعم الأول لها فهو من دربها وأطلقها في عالم الصحافة، وكتب سيرتها بإيجاز في كتابه الذي يسرد فيه سيرتها الذاتية في عالم التصوير.