محطات من سيرة المناضلة اللبنانية ليندا مطر
هي المتمردة حتى على طبيعة المرأة البيولوجية، إذ وُلدت ليندا مطر بعدما تجاوزت والدتها الخمسين من عمرها. هي علم من أعلام النضال النسائي على الصعيدين المحلي والعالمي
كارولين بزي
بيروت ـ هي المتمردة حتى على طبيعة المرأة البيولوجية، إذ وُلدت ليندا مطر بعدما تجاوزت والدتها الخمسين من عمرها. هي علم من أعلام النضال النسائي على الصعيدين المحلي والعالمي. وخاضت المعترك النضالي من أجل تحقيق المساواة.
بعدما ألّح عليها الأصدقاء بكتابة سيرة حياتها، بالفعل لبّت ليندا مطر طلبهم وأصدرت كتاب "ليندا مطر.. محطات من سيرة حياتي" في العام 2013، الذي تتطرق فيه إلى العديد من المحطات الهامة في حياتها، بدءاً من طفولتها، مروراً بدراستها وزواجها ومساندة زوجها لها في العمل النضالي، وصولاً إلى خوض النضال على الصعيدين المحلي والعالمي.
"من أهم المناضلات على الصعيد العالمي"
تحدثت رئيسة جمعية "وردة بطرس" الدكتورة ماري ناصيف الدبس التي تعرفت على ليندا مطر في العام 1968 وتربطها علاقة متينة قائلةً "هي من أهم المناضلات على الصعيد العالمي بالنسبة لقضايا المرأة. إذ تم اختيار ليندا من بين مئة امرأة مؤثرة في العالم من قبل مجلة "ماري كلير" الفرنسية، لأنها لم تتوقف عن النضال منذ صغرها من أجل المرأة وكل المستضعفين الذين يواجهون القمع والاستغلال في العالم".
وأضافت "ليندا نشأت كمناضلة في لجنة حقوق المرأة اللبنانية، وقف إلى جانبها وساندها زوجها بوزانت بانجاريان الذي دفعها باتجاه النضال، وكان ذلك أمر نادر في مجتمع متسلط يعتبر الرجل فيه أن دور المرأة هو في المنزل أو عليها أن تعمل داخل البيت وخارجه".
وأوضحت "دخلت ليندا معترك الحياة السياسية والتحقت بالحزب الشيوعي اللبناني وانتخبت كأول امرأة في اللجنة المركزية، ثم تركت الحزب وتفرغت للعمل النسائي. كانت تجمع بين العمل النسائي والسياسي، ولا أعتقد أنه يمكن لأحد أن يحل قضايا المرأة من دون أن يكون لديه موقف سياسي وموقف أيديولوجي واعي فيما يتعلق بقضية المرأة".
وقالت "قدمت ليندا مطر مع رفيقاتها في العمل السياسي والعمل النسائي الكثير، مثلاً عملت بشكل أساسي على القانون المدني للأحوال الشخصية، بالتأكيد قمنا بتطويره لاحقاً إذ كنا نتحدث حينها عن قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية اليوم نطرح قانون موحد للأحوال الشخصية. وهي أول امرأة طرحت موضوع الكوتا النسائية وأسبابها كتمييز إيجابي لدفع قضية المرأة ودورها في تبوأ مراكز سياسية وفي المشاركة بمواقع القرار السياسي وعقدت حينها مؤتمراً كبيراً على صعيد لبنان والعالم العربي لهذا الهدف. كانت مبادرة مع مجموعة من النساء كنت من بينهن في مسألة تغيير القوانين وإعادة النظر فيها بعدما وقع لبنان على الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز ضد المرأة، وتم تنظيم اللقاء الوطني للقضاء على التمييز ضد المرأة الذي كانت ليندا مطر مساهمة أساسية فيه".
"التحركات الشعبية"
عملت ليندا مطر على صعيد الحراك الشعبي، منها المطالبة بتغيير أنظمة الموظفين لمساواة المرأة بالرجل في قضايا الرعاية الصحية للأولاد والعائلة، قضية الأجور وغيرها، وفق ما تقول ماري الدبس "عملت على تعديل مواد في قانون العمل تتعلق بإجازة الأمومة وكذلك تعديل النظام الضريبي، إذ كانت المرأة حينها تعتبر كالرجل العازب حتى لو كان لديها أولاد فكانت تدفع ضريبة مرتفعة. عملت على موضوع إعطاء الجنسية لأولاد المرأة اللبنانية وقادت حملةً كانت في طليعتها".
وأوضحت "تعرفت على ليندا في العام 1968، ولكنها قبل ذلك كان له دور بالإضرابات التي شهدتها تلك المرحلة من أجل حقوق المياومين الذين كانت جزءاً منهم، عملت على جبهات متعددة ولم يكن هدفها حصراً القضية النسائية".
ولفتت إلى تحرك واسع تم تنظيمه ضد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس وتصريحاتها التي تتحدث فيها عن الشرق الأوسط الجديد والذي سيولد بعد مخاض عسير في لبنان، وكانت السيدة ليندا مطر في طليعة هذا التحرك.
وأضافت "كذلك كنا قد نظمنا في العام 1982 تظاهرة أمام السفارة الأميركية بسبب العدوان الصهيوني على لبنان.. عملت ليندا خلال الحرب في الملاجئ لمساعدة الأطفال والنساء، كما كان لها دور في دعم المقاومة الوطنية ضد العدوان الصهيوني".
وعن الشخصيات التي تأثرت ليندا مطر بها، قالت الدكتورة ماري الدبس بأن "ليندا كانت تقول بأنها عندما أطلّعت أكثر على النضال النسائي، تأثرت بمجموعة من النساء الرائدات على الصعيد العربي والعالمي ومنهن أوجيني كوتون أول رئيسة للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، ومناضلات في الثورة الجزائرية وفي مصر".
"محطات من سيرة حياتي"
طرحت ليندا مطر في العام 2013 كتاب يتناول محطات من حياتها، أطلقت عليه عنوان "محطات من سيرة حياتي". عن الكتاب تتحدث الدكتورة ماري الدبس وتشير إلى أن "ليندا مطر تتحدث في الكتاب عن مراحل طفولتها، والمشاكل التي كانت تواجهها في تلك المرحلة مع والدها في الوقت الذي كانت فيه والدتها أكثر انفتاحاً وتقبلاً لنشاطاتها، كانت تتعرض للمضايقة من قبل شقيقها الذي كان يكبرها بعشرين عاماً بسبب تحركاتها السياسية ونشاطها على صعيد العمل النسائي. وتحدثت كذلك عن عملها ودور المدرسة والمواجهة مع الراهبات كيف أثرت على شخصيتها"، وتؤكد بأن ليندا كانت شخصية متمردة منذ صغرها، ذكرت في كتابها لجنة حقوق المرأة والمؤتمرات الدولية التي شاركت فيها ونضالها في الشأن العام.
وتلفت إلى صور النساء اللواتي زيّن غلاف كتاب "محطات في سيرة حياتي" لليندا مطر، وتذكر ليندا في الكتاب روز عكاوي وجورجيت عكاوي اللتين نظمتا تظاهرة من أجل المطالبة بإنشاء مدارس رسمية للبنات ففي تلك الفترة وبعد اعلان استقلال لبنان مباشرةً لم يكن هناك مدارس رسمية خاصة بالبنات. وأكدت بأن هذه الشخصيات أثرت بالنضال النسوي وبها شخصياً "أثرت هذه الشخصيات بنا ولاسيما عندما علمنا كيف احتفلن للمرة الأولى بيوم الثامن من آذار، حيث كانوا يزعمون بأن هذا اليوم عيداً غربياً لا يجوز الاحتفال به، لكن الناشطات كن يحتفلن بالسر ويتحدثن عن كيفية مواجهة عاملات شيكاغو لأصحاب العمل ليس فقط من أجل الحصول على حقوقهن بل أيضاً من أجل عمل الأطفال ومن أجل الوصول إلى قانون عمل يسّير حياتهم".
واختتمت حديثها بالقول "بالإضافة إلى كل النضالات على الصعيد اللبناني والعربي والدولي، أنوّه أنه كان لليندا مطر دور كبير على صعيد الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، هذا الاتحاد الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية من أجل العمل النسائي، وعندما تطور تنظيم الاتحاد واتجه نحو القيام بنشاطات على صعيد القرارات المختلفة، تم انتخابها بالإجماع ولا تزال لغاية اليوم رئيسة المركز الإقليمي العربي للاتحاد النسائي الديمقراطي، ويضم المركز جمعيات من مختلف الدول العربية".
"منارة في مسيرة النضال النسائي والوطني"
وبدورها قالت رئيسة لجنة حقوق المرأة عايدة نصرالله "أن ليندا مطر لا تزال بالنسبة لنا منارة نسترشد بها ونفتش في دفاترها عن الصائب في مسيرتنا النضالية النسائية والوطنية. هذا البلد الذي أرادته ليندا بلداً ديمقراطياً علمانياً مدنياً بعيداً عن الطائفية والمحاصصة والفساد الذي نرزح تحته، في هذه الأيام".
وأضافت "ليندا مطر علم من أعلام الحركة النسائية اللبنانية. لا بد من أن نشير إلى أن ليندا شاركت في أكثر من ستين مؤتمراً عربياً وعالمياً، ومن هذه المؤتمرات: مؤتمرات الأمم المتحدة، من كوبنهاغن إلى المكسيك ونيروبي إلى المؤتمر النسائي العالمي الرابع في بكين عام 1995، وكانت ليندا مطر من أهم المشاركات في هذا المؤتمر، وكانت لي فرصة أن أكون إلى جانبها في هذا المؤتمر الذي لا يزال البوصلة التي نتحرك على أساس برنامج عمله وتوصياته".
نالت ليندا مطر جوائز عالمية هامة وكان لها مواقف عالمية هامة، منها اختيار مجلة "ماري كلير" الفرنسية ليندا مطر من بين أكثر مئة امرأة يحركن العالم. نذرت ليندا نفسها في سبيل قضية المرأة، وتنزيه القوانين اللبنانية من كل تمييز بين الجنسين وكذلك على الصعيد الوطني سعت دائماً إلى التغييرات باتجاه الديمقراطية والمدنية.
ولفتت إلى أن ليندا مطر ترشحت للمجلس النسائي اللبناني، وأصبحت رئيسة لهذا المجلس لمدة أربع سنوات، كما كانت عضواً في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهي المرة الأولى التي تدخل فيه المرأة إلى هذا المجلس. وتشير إلى أن ليندا ترشحت للانتخابات النيابية مرتين وحصلت في المرة الأولى على تسعة آلاف صوت وكانت مرشحة بصورة منفردة.
وأكدت "ليندا تتميز بقيم النبل والأخلاق والتواضع إلى جانب القوة والعزم والمثابرة والايمان بالمستقبل، لم تفقد ليندا الأمل أبداً بمستقبل لبنان والنساء في لبنان. كانت دائماً متفائلة وهي لا تزال إلى الآن بالرغم من تقدمها بالعمر، لا تزال دائماً مبتسمة ولا تزال تشجعنا على أن نكون كذلك ونحن سنبقى على مسيرتها".
ووجهت عايدة نصرالله تحية لليندا مطر بمناسبة يوم المرأة العالمي من خلال وكالتنا، قالت فيها "تحية لليندا مطر في يوم المرأة العالمي، وتحية للمرأة اللبنانية الصامدة في وجه كل هذا الظلم والفساد، وتحية إلى المرأة العربية المناضلة".