ماه شرف خانم... بصمة واضحة في تاريخ أردلان

شاعرة كردية تركت إرثاً ثقافياً وتاريخياً غنياً بأعمالها الأدبية في القرن الثامن عشر، وناهضت الذهنية الذكورية في مجتمع لا يعلو فيه صوت المرأة على صوت الرجل

مركز الأخبار ـ ، المؤرخة ماه شرف خانم دونّت تاريخ أردلان.
 
أساطير الأولين اكسبها سعة الأفق والفكر
اشتهرت ماه شرف خانم باسمها الأدبي "مستورة خانم"، التي برزت في النصف الأول من القرن الثامن عشر، وتركت خلفها بصمة واضحة على الثقافة الكردية، ولدت عاصمة الإمارة الأردلانية سنندج شرق كردستان عام 1805، ضمن عائلة أرستقراطية ثرية المعروفة بنفوذها القوي، وكرّس والدها محمد القادري أبو الحسن بك اهتمامه البالغ بابنته البكر "ماه شرف خان"، التي كانت ترافقه في جولاته للمناطق الأثرية وملتقى وجهاء العشائر، مما اكسبها سعة الأفق والفكر من قصصهم وأساطيرهم التي كانت تُروى أمامها.
تلقت ماه شرف خانم علومها في دار الإحسان، وعاصرت في تلك الحقبة الشاعر نالي الذي كتب فيها قصيدة يقول ببدايتها "مستورة الحسناء، والأديبة جاءتني الليلة في حلمي، مفعمة بالدلال معاتبة إياي"، لكن الشاعرة غضبت منه كثيراً، فردّت عليه بقصيدة هجائية توبخه على أسلوبه غير اللائق في كتابة قصائده، وتشبهه بإنسان بذيء وسليط اللسان.
حولت ماه شرف خانم بيتها إلى مدرسة لنشر العلم والثقافة بين عامة الشباب وخاصة بين الفتيات، كي يسهل تأريخ الحقب الزمنية ويستعين بها جيل المستقبل في أخذ الحكم والعبر.
 
كتابها التاريخي 'تاريخ أردلان'
في عام 1826، تزوجت من والي روجهلات شرق كردستان خسرو خان الملقب ناكام، وهي بعمر الواحد والعشرين عاماً، حظيت بمرافقة خاصة من زوجها في الزيارات وحدها دون نساء الأخريات في بلاط الوالي، وانتهى زواجها بوفاة خسرو خان إثر وعكة صحية في الكبد في 9 تموز/يوليو عام 1835.
تقلدت في عهد زوجها منصب وزيرة "الأندرون"، تولت شؤون الأسرة الحاكمة والبلاط والتشريفات، وذلك لما امتازت به من الثقافة والوعي. كانت تعمل على تفقد الأوضاع الداخلية للرعية وتسمع قصصهم ومعاناتهم، وعملت على حماية القلاع والآثار التاريخية، مما مكنها من جمع مادة غنية ساعدتها في تأليف كتابها التاريخي الشهير "تاريخ أردلان" والذي يعد المصدر المهم في الدراسة التاريخية لتاريخ الكرد في تلك الحقبة، التي أرخت توجهات عشيرة أردلان ومساراتها الأدبية والتاريخية، وكتبت في خاتمة الكتاب "منذ بضعة أيام تنتابني حمى، وأعاني من آلام شديدة، وقد تركت أمري لله، الذي لا يحمد على مكروه سواه". 
في عام 1834، انتقلت ماه شرف خانم مع أهلها إلى عاصمة البابانيين مدينة السليمانية في إقليم كردستان، عندما تم عزل الأردلانيين من إمارة أردلان، بعد انقلاب الشاه محمد القاجاري عليهم، حتى أنها كتبت قصائد تهجو فيها القاجاريين. 
عاشت حياتها أرملة ثلاثة عشرة عاماً باحترام وتقدير، وتوفيت في كانون الأول/ديسمبر عام 1848 إثر وباء أصابها، ودفنت في مقبرة شهيرة إلى جانب مشاهير أكراد "كردي سيوان".
 
كتاباتها في قوافي الوزن الشعبي
برعت ماه شرف خانم في الشعر الكردي الكلاسيكي، واستجلت تقلبات الحياة في مداراتها الكثيرة، واعتمدت في تجاربها على الكم الثقافي والمعنوي السائد في عصرها من شعر كردي وفارسي. نظّمت قصائدها الشعرية والنثرية باللغتين الكردية والفارسية، واستطاعت أن تتوج أعمالها الأدبية بديوان شعري كامل يحتوي على أكثر من عشرين ألف بيت باسم "ديوان ماه شرف خانم كردستاني"، ويُعدّ ديوانها الشهير وثيقة نصر للمرأة في خضم مجتمع قبلي تقليدي لا صوت يعلو فيها على صوت الرجل.
كانت على علم ودراية ببحور الشعر العربي، فكتبت أغلب قصائدها على الوزن الشعبي العراقي السلس القريب من بحر الهزج والرجز، لها عدة مؤلفات منها كتاب "مجمع الأدباء" تناولت فيه بالحديث عن أساليب الشعراء في الصياغة الأدبية، وكتاب "رسال في العقائد" تمحور حول الديانات والعقائد الإسلامية، وكتاب "عقائد وشرعيات" كتب باللغة الفارسية وتناولت فيه أصول الدين والشرع الإسلامي والعبادات.
 
صدق الإحساس والشعور في قصائدها 
نظّمت عدة قصائد في الغزل والرثاء والهجاء والحب والموت المدونة على شكل ثنائيات ورباعيات، إلى جانب أسلوبها في البساطة والغرابة، برزت في أغلب مفرداتها رغبة ملحّة في الاختفاء خلف جمال الكائنات، أو جلب المعاني خلف طبيعة صامتة عند فقدها زوجها، فنظّمت فيه عدة قصائد شعرية بالفارسية وباللهجتين الكرديتين الصورانية والكورانية، لكن معظم أبياتها تعرّضت للضياع ولم يتبق منها سوى القليل.
دمجت مفرداتها الغنية بمكونات طبيعية وربطتها بين العالم والوسط الخارجي، وقللت في أغلب معانيها من التزويق اللفظي والحبكة كي يفيض شعرها عفوية وحيوية، ولا تنقطع مجموعة أشعارها عن التاريخ وأخبار الأولين التي تُعد من ركائزها الأدبية، وتعدّ جميع قصائدها هو الشعور الأمثل النابع من صدق الإحساس. فقد خاطبت شريك حياتها الفقيد بقصيدة تناولت كلماتها:
وحدي وبعيون خسرو
أتأمل الربيع
أروي بدموعي الزهور
وقدمي المكسورتين 
وجنات ألتهبت آهات
يضحك لها الشامتون، وتتوجع الأشجار
فحتى العشب في الصباح يبكي لكثرة غيابك
وتقول في إحدى قصائدها بعد وفاة خسرو، وهي خارج الحكم والولاية:
أنا ملكة في مملكة العفّة
ليست لي شبيه في جماعة النسّاك في هذا الزمن
رأسي جدير بتاج
يا لعبث أوهامي، فالقدر المتقلب أخزاني
وحطّ من قدري
فلا حاجب مطيع يقف الآن عند عتبة ولايتي
 
نالت الاهتمام والتقدير
حظيت باهتمام الكتّاب والمؤرخين ومنهم الكاتب رضا قلي خان هدايت في كتابه "مجمع الفصحاء" قال عنها "شمس الحسن والدلال، جالسة على عرش ملكوت الطهر والعفة، تفيض دفئاً ونوراً على الجميع".
كرّم إقليم كردستان الشاعرة ماه شرف خانم بنصب تمثال لها وسط ساحة الشهيد سامي عبد الرحمن، وفي ذكرى ميلادها الـ 200 عام 2005، أقيم مهرجان أربيل في إقليم كردستان رفع خلالها الستار عن تمثالها، وتضمن المهرجان ندوات عن حياتها وأعمالها الأدبية ودورها في مجال كتابة التاريخ والأدب، كما وزعت مؤسسة أراس للكتب جوائز على الكتّاب. وعقد مؤتمر في كردستان للإشادة بأعمالها، وحضر أكثر من مئة شخصية ثقافية وعلمية أدبية من مختلف أنحاء العالم وقُدم ضمن المؤتمر 30 مقالة باللغة الكردية والفارسية والعربية والإنكليزية.  
ماه شرف خانم أيقونة الأدب الكردي، التي خلدها التاريخ وأحيا ذكراها بكتاباتها القيمة من الأدب والتاريخ.