"لالة فاطمة نسومر" من أبرز وجوه المقاومة الشعبية الجزائرية

لالة فاطمة نسومر مناضلة جزائرية تعتبر من أبرز وجوه المقاومة الشعبية. غيرت النظرة الدونية للمرأة المسلمة في المخيال الغربي قبل نحو 300 عام، وكسرت قواعد المجتمع القبلي

مركز الأخبار ـ .   
في العام الذي دخلت فيه قوات الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر فتحت لالة فاطمة نسومر عينيها على الحياة في عائلة مسلمة متدينة.
لالة فاطمة نسومر اسمها الحقيقي فاطمة سيد أحمد أومزيان ولدت في قرية ورجة وتقع بالقرب من عين الحمام شرقي الجزائر عام 1830 في منطقة القبائل.    
يتكون لقبها من كلمة لالة وهي كلمة أمازيغية تدل على احترام النساء بسبب سنهن أو مكانتهن في المجتمع، ثم أخذت لقبها نسومر نسبة إلى قرية سومر التي انتقلت اليها فيما بعد.
والدها محمد بن عيسى شيخ أحد المنظمات الدينية المنتشرة في ذلك الوقت في الجزائر وتسمى زوايا، اغلبها تتبع الطريقة الرحمانية وهي طريقة صوفية كانت قد تأسست منذ عام 1774م على يد أمحمد بوقبرين في الجزائر وانتشرت في شمال أفريقيا. 
تأثرت بعائلتها وخاصة والدها الذي كان من أشراف المنطقة وأحد أكبر سادتها، فانتمت إلى جماعة "الزاوية الرحمانية" كوالدها وأخوتها، فُعرف عنها حفظ القرآن والمواظبة على أداء العبادات، مما خولها أن تكون مدرسة علوم دينية في القرية.
تعلمت أصول الدين والتفسير، خصصت نفسها ووقتها بشكل كامل للعبادة، فكانت معتكفة على دينها حتى عُرفت كإحدى الفقيهات في المجتمع الجزائري.  
عادات المجتمع الجزائري أثرت على حياتها فكان أن أجبرها والدها على الزواج وهي ما تزال بعمر 16 عاماً، من ابن خالها ويدعى يحيى ناث إيخولاف. 
رغم رفضها إلا أن هذا الزواج تم. تقول مصادر تاريخية أنها ادعت المرض وعادت إلى بيت عائلتها لكن زوجها رفض الطلاق فكان زواجاً شكلياً. 
بعد وفاة والدها في أواخر الأربعينيات من القرن التاسع عشر انعزلت عن الناس وتفرغت للعبادة، ثم توجهت إلى قرية سومر حيث يقيم شقيقها سي الطاهر.
تقول دراسات تاريخية أن شقيقها صاحب الفضل الكبير في تعليمها اللغة والتفسير وأصول الدين، عملت معه على رعاية شؤون طلاب الزاوية وأصبحت راعية زاوية ورجة الرحمانية فذاع صيتها في جميع انحاء منطقة القبائل. 
 
زعيمة الجهاد 
كانت بداية تعرفها على الثورة مع مجيء رجال متصوفون يُسمون بالأشراف إلى منطقة زواوة عام 1849 منهم الشريف محمد الهاشمي الملقب بـ "بومعزة" وهو اسم معروف في تاريخ الثورة الجزائرية، ومعه الشريف محمد الأمجد بن عبد الملك الملقب بـ "بوبغلة" ويعتبر أنه صاحب الفضل في إطلاق شرارة الثورة الشعبية بداية الخمسينيات من القرن التاسع عشر، وكان هؤلاء الثوار المجاهدين عازمين على تفجير الثورة في منطقة زواوة الواقعة شمال شرقي البلاد.
معظم الزوايا في البلاد حرمت الخروج على الحاكم الفرنسي لكن بالنسبة لـ لالة فاطمة نسومر كانت محاربة المحتل واجب ديني ووطني. وبتشجيع منها انخرط أهالي المنطقة في القتال إلى جانب قادة الثورة. 
في البداية استعان بها القيادي بومعزة كونها أحد وجهاء المنطقة ولها مكانة خاصة كسيدة من عائلة معروفة ومدرسة علوم الدين ولها شهرة واحترام كبير في منطقتها، لتقوم بحشد الأهالي من أجل دعم الثورة من خلال جمع المال والمقاتلين والعتاد، بعض المصادر التاريخية تشير إلى أنه عرض عليها زواجاً سياسياً لتقوية العلاقات مع أهالي المنطقة لكنها رفضت كونها ما تزال على عصمة ابن خالها.  
تعاونت كذلك مع القائد "بوبغلة" في نيسان/أبريل 1854 حيث شاركت عسكرياً في المعركة التي قادها ضد القوات الفرنسية في "وادي سيباو" كما يلفظ بالأمازيغية أو "وادي النسا" باللغة العربية.
قادت مجموعة من النساء وكانت مهمتهن تشجيع المقاتلين بالأهازيج والزغاريد لرفع معنوياتهم وتحقيق الانتصار على قوات الجيش الفرنسي التي حاولت السيطرة على قرى المنطقة.
في هذه المعركة لم تفلح الأعداد الكبيرة التي جلبها المحتل من أجل السيطرة على المنطقة التي تمتاز بطبيعة جبلية لا يعرف أسرارها إلا سكانها وهو ما مكن الثوار من تكبيد القوات الغازية خسائر في الأرواح والعتاد مستفيدين من خبرتهم بالمنطقة التي حافظت على استقلالها حوالي 20 عاماً بعد دخول القوات الفرنسية إلى البلاد.
كانت الخسائر مدوية بالنسبة لقوات الاحتلال حيث سقط نحو 800 جندي فرنسي و25 ضابطاً وأصيب أكثر من 300 مقاتل.
كذلك ينسب للمناضلة لالة فاطمة نسومر الفضل في انقاذ حياة المجاهد بوبغلة حيث تشير بعض المصادر إلى انها انقذته من موت محقق بعد أن أصيب بجروح خطيرة.
 
المفاوضات... استشهاد المناضلة
لم يستسلم الثوار بقيادة لالة فاطمة نسومر طوال سنوات الحرب، إلا أن الإصرار الفرنسي على احتلال المنطقة والتعبئة الكبيرة لهذه الغاية جعل من معركة إيشريضن في عام 1857 نهاية المقاومة في جبال جرجرة. 
كانت القوات الفرنسية قد احتلت المناطق المحيطة بوادي سيباو وأنشأت المعسكرات فيها، ولكن الثوار استطاعوا الانتصار في عدة معارك في نواحي (يللتن، تيزي بوايبر، عين تاوريغ، تخبت، تحليجت ناث وبورجة) لكن ومع طلب الفرنسيين قوات إضافية وشن هجوم عنيف قاده الجنرال جاك لوي راندون والجنرال باتريس دو ماكماهون نجحت القوات الفرنسية في مهمتها. 
كانت لالة فاطمة نسومر قد حشدت لهذه المعركة ونظمت المجاهدين، وعددهم نحو 7 آلاف رجل وامرأة، كان دورها بارزاً في معركة "تخليجت آيت أتسو" إلا أن قوة الهجوم والآليات التي يمتلكها الفرنسي حالت دون انتصار المجاهدين فكان أن أجبر الثوار على القبول بالمفاوضات. 
قاد شقيقها السي الطاهر المفاوضات وكانت هي وعدد من النساء من بين الحاضرين. شملت مطالب المجاهدين لوقف إطلاق النار تحييد الناس، وعدم الانتقام منهم من خلال اشتراط انتشار القوات الفرنسية خارج التجمعات السكنية، واعفاء السكان من دفع الضرائب والالتزام بحماية الاشخاص والممتلكات، ومن الشروط أيضاً حماية قادة الثورة، وهو ما وافق عليه الطرف الفرنسي لكنه سرعان ما نقض بوعوده واعتقل الوفد المفاوض فور خروجه من المعسكر. لالة فاطمة نسومر كانت من بين المعتقلين ومعها النساء اللواتي شاركن في عملية التفاوض.
بعد إلقاء القبض على قادة الثورة تم نقلها مع النساء المرافقات لها إلى منطقة تابلاط جنوب العاصمة الجزائرية، ثم سجنت في زاوية العيساوية بمنطقة بني سليمان وتبعد 15كم عن تابلاط. 
في المعتقل أصيبت بمرض عضال تسبب في إصابتها بالشلل، وبعد ست سنوات من السجن أي في أيلول/سبتمبر 1863 استشهدت وكان عمرها لا يتجاوز الـ 33 عاماً. 
 
إرثها
دفنت لالة فاطمة نسومر في منطقة تابلاط في مقبرة سيدي عبد الله لكن وبعد استقلال البلاد في عام 1962 تم نقل رفاتها إلى مقبرة العالية في الجزائر العاصمة والتي تضم شخصيات ثورية عديدة.
وصفها الجنرال الفرنسي جاك لوي راندون والمؤرخ الفرنسي لوي ماسينيون بـ جان دارك الجزائر نسبة إلى القديسة الفرنسية جان دارك لكنها رفضت هذا اللقب وفضلت لقب "خولة جرجرة" نسبة إلى المجاهدة خولة بنت الأزور والتي كانت تتنكر بزي فارس وتحارب بجانب الصحابي خالد بن الوليد.
الهمت العديد من الشعراء والشاعرات وكتبت قصائد في مدحها، وألفت أعمال أدبية وفنية عن حياتها ونضالها منها فيلم باسمها أنتج عام 2014 ومسرحية بعنوان "لالة فاطمة نسومر: المرأة الصقر".
أطق اسمها على جمعيات نسوية وشوارع ومدارس في موطنها، ونحتت تماثيل لها.
أطلقت الجزائر اسم فاطمة نسومر على إحدى بواخرها العملاقة الناقلة للغاز الطبيعي المسال.
من أحدث الأعمال التي تخلدها كان إطلاق اسمها على شارع في بروكسل ببلجيكا.
استطاعت لالة فاطمة نسومر تغيير مفاهيم عديدة حول انخراط النساء في الثورة في وقت كان ما يزال فيه المجتمع محافظ على تقاليد تمنع عمل النساء في كثير من المجالات وخاصة القتال الذي احتكره الرجال لآلاف السنين. التغيير الذي قادته شمل أيضاً النظرة الغربية للمرأة المسلمة وبذلك تكون لالة فاطمة نسومر امرأة استثنائية غيرت مفاهيم عديدة حول قدرات النساء.