كورازون أكينو... أول امرأة تتولى رئاسة الفلبين

كورازون أكينو رئيسة الفلبين الحادية عشر أنهت حكم الديكتاتور فرناند ماركوس الذي استمر عشرين عاماً، نفذت خلال مسيرتها برامج كثيرة للإصلاح السياسي والاقتصادي، وضعت بصمتها المميزة في تاريخ الفلبين.

مركز الأخبارـ كورازون أكينو أول امرأة تشغل منصب رئاسة جمهورية الفلبين، وأبرز رموز ثورة "سلطة الشعب" أطاحت بحكم الرئيس فرديناند ماركوس الذي دام 20 عام، وأسست جمهورية الفلبين الخامسة الديمقراطية الحالية.

 

بداية بسيطة صنعت مكانة كبيرة

ولدت ماريا كورازون سومولونغ كونجوانجو عام 1933في مقاطعة تارلاك الفلبينية، لعائلة ذات أصل صيني مختلط بين الفلبينية والإسبانية، والدها خوسيه كونجوانجو عضو سابق في الكونغريس، درست في مدارس خاصة في مانيلا حتى سن 13عام، وبعدها أرسلها الدها إلى الولايات المتحدة لدراسة المرحلة الثانوية حيث درست أولاً في أكاديمية رافينهيل في فيلادلفيا، ثم التحقت بمدرسة دير نوتردام بنيويورك، وتخصصت بدراسة اللغة الفرنسية تخرجت عام 1953مع اتقانها للغة الإنكليزية واليابانية والفرنسية والإسبانية ولغتها الأم التغالوغ.

من ثم التحقت بكلية الحقوق في جامعة الشرق الأقصى في مدينة مانيلا، ألا أنها توقفت عن متابعة دراستها بعد زواجها من نينوي أكينو عام 1954، كان آنذاك صحفياً وسياسياً ثم أصبح أصغر عضواً في مجلس الشيوخ الفلبيني 1967 وقاد المعارضة لحكم رئيس الفلبين فرديناند ماركوس الذي قام بسجنه لمدة ثماني سنوات ثم نفيه إلى الولايات المتحدة في عام 1980 ورافقته كورازون أكينو إلى المنفى وكانت آنذاك بعيدة كل البعد عن عالم السياسة ومنشغلة في تربية أبنائها إلا أن اغتيال زوجها عند عودته إلى الفلبين 1983على يد فرديناند ماركوس دفعها للضلوع في عالم السياسة. 

قادت المعارضة ونظمت احتجاجات ومظاهرات سياسية عرفت باسم "سلطة الشعب"، بهدف الإطاحة بنظام فرديناند ماركوس الذي شعر بالقلق من مظاهرات الشعب ضده بعد أن كان يعتقد أنه يحظى بدعم شعبي كبير، لذلك دعا لإجراء انتخابات رئاسية جديدة عام 1986، وكانت كورازون سومولونغ منافسته التي لم يأخذها على محمل الجد كونها كانت مريضة وقتها وتجاوز عمرها آنذاك الخمسين عاماً، كما قال "أنها مجرد امرأة والمكان المناسب لها هو غرفة النوم".

أجريت الانتخابات المبكرة وشابتها عمليات تزوير واسعة النطاق وأعمال عنف واغتيالات وأعلن البرلمان فوز فريناند ماركوس، الأمر الذي دفع المحتجين للخروج إلى الشوارع وطعنوا بالنتائج، كما أن كبار القادة العسكريين انضموا إلى معسكر كورازون سومولونغ، وبعد أربع أيام من الفوضى هرب فرديناند ماركوس إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لتصبح بذلك أول امرأة تحكم الفلبين في 25 شباط / فبراير عام 1986، أعادت الديمقراطية للبلاد مع العلم أنها لم تشغل أي منصب من قبل وبقيت فيه حتى عام 1992.

بعد توليها الحكم نظم أنصار الرئيس السابق في الفلبين ستة محاولات انقلاب ضدها خلال فترة ولايتها، إلا أنها بائت بالفشل بسبب حب الشعب لها واخلاصها لخدمتهم وتحسين أوضاعهم.

أصدرت في عام 1987دستوراً جديداً تم التصديق عليه باستفتاء وطني حد من صلاحيات الرئيس وأعاد هذا الدستور تأسيس الكونغريس المكون من مجلسين الذي كان قد ألغي في عهد الرئيس السابق، ودعت جميع المسؤولين الذين عينهم الرئيس السابق للاستقالة بدءاً من أعضاء المحكمة العليا وبذلك أزالت هيكل الحكومة الديكتاتورية السابقة.

ركزت سياساتها على تحسين المكانة الاقتصادية لبلادها مع المجتمع الدولي بالإضافة لإلغاء الاحتكارات الرأسمالية مع التركيز على السوق الحرة، وأصدرت عدة قوانين أبرزها قانون الأسرة لعام 1987 الذي أصلح القانون المدني للعلاقات الأسرية، وأصدرت القانون الإداري في نفس العام الذي أعاد تنظيم هيكل الفرع التنفيذي للحكومة، ومن القوانين التاريخية التي سنتها قانون الحكم المحلي لعام 1991 الذي نقل صلاحيات الحكومة الوطنية إلى وحدات الحكومة المحلية وبذلك عززت سلطة هيئات الحكم المحلي لسن تدابير ضريبية محلية.

وسنت قانون البناء والتشغيل والتحويل وقانون الاستثمارات الأجنبية، حيث سجلت البلاد نمواً اقتصادياً ملحوظاً خلال عامها الأول في المنصب، إلا أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عانى من انخفاض في أعقاب محاولة انقلاب عام 1989 الذي قامت به حركة إصلاح القوات المسلحة هزت به الثقة الدولية بالاقتصاد الفلبيني وأعاق الاستثمار الأجنبي في البلاد، وكافحت كورازوان أكينو التضخم الذي عانت منه البلاد بعد ارتفاع الأسعار خلال سنوات حكم الرئيس السابق.

كما أنها شاركت في العديد من الأنشطة الخيرية والمبادرات الاجتماعية والاقتصادية، بصرف النظر عن ظهورها في مختلف التجمعات والمظاهرات السياسية. كما أنها عملت على الحد من العنف والتشرد في الفلبين.

على الرغم من أنها كانت لا تزال مؤهلة للترشح للرئاسة مرة أخرى في انتخابات 1992 كونها لم تنصب بموجب دستور 1987 إلا أنها رفضت ذلك وبشدة مؤكدة أن الرئاسة ليست منصباً مدى الحياة، لذلك دعمت ترشيح الجنرال فيدال راموس للانتخابات التي فاز بها وعين رئيساً ثاني عشر للفلبين.

 

الكثير من النشاطات والعديد من الجوائز والأوسمة

بعد فترة وجيزة من تركها الرئاسة سافرت خارج الفلبين حيث ألقت المحاضرات والخطابات حول قضايا الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان وتمكين المرأة، وشاركت بعد فترة ولايتها كرئيسة وحتى وفاتها في العديد من الأنشطة الخيرية والمبادرات الاقتصادية ففي عام 1992 أنشأت مؤسسة "بينيوس، أكينو الابن"، وساعدت في إنشاء مؤسسة PinoyME وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى توفير برامج ومشاريع التمويل الأصغر للفقراء، كما دعمت مشروع جواد كالينجا للإسكان الاجتماعي للفقراء والمشردين مكرسة للقضاء على الفقر واستعادة الكرامة الإنسانية وفق نهجاً متكامل وشامل للتمكين مع تكوين القيم وتنمية المهارات القيادية، وكانت ترسم وتبيع لوحاتها بالمزادات وتتبرع بالعائدات للأعمال الخيرية.

بقيت نشطة في المشهد السياسي وقادت مسيرة معارضة لسياسات حكومة فيدال راموس التي اعتبرتها تهديداً للأسس الديمقراطية للبلاد عندما حاول تمديد فترة ولايته من خلال تعديل الدستور الذي أقر أن حدود الولاية الرئاسية ستة أعوام، في الانتخابات الرئاسية لعام 1999 فاز نائب الرئيس جوزيف استردادا بأغلبية ساحقة الذي أيضاً حاول تعديل الدستور لإزالة حدود الولاية لذلك انضمت كورازون أكينو في عام 2000 للدعوات المتزايدة لاستقالته وسط سلسلة من فضائح الفساد التي تخللتها مزاعم بتهم الرشوة وعمولات القمار وتم عزله.

أيدت صعود نائبة الرئيس آنذاك جلوريا ماكاباجال أرويو لمنصب الرئيس في انتخابات 2004 إلا أنها بعد عام فقط تم الكشف عن تورطها في تزوير الانتخابات وقادت كورازوان أكينو مرة أخرى مظاهرات حاشدة على مستوى الشوارع دعت فيها ماكاباجال أرويو إلى تقديم استقالتها لمنع أراقة الدماء والعنف والمزيد من التدهور السياسي، وبعد أقل من عام على وفاتها فاز ابنها بينينو أكينو بالانتخابات الرئاسية عام 2010 ليكون الرئيس الخامس عشر للفلبين.

وخلال حياتها وبعد توليها الحكم حصدت كورازون أكينو الكثير من الجوائز المحلية والعالمية منها وسام جوقة الشرف الفلبيني (القائد العام) والياقة الكبرى من وسام سيكاتونا، فيما نالت لقب امرأة العام من مجلة تايم البريطانية عام 1986 وجائزة الديمقراطية الدولية من الرابطة الدولية للمستشارين السياسيين، وجائزة إليانور روزفلت لحقوق الإنسان والجائزة الكندية الدولية للحرية.

ونالت جائزة الحرية من ليبرال إنترناشيونال عام 1987، وجائزة السلام من مؤسسة أورورا أراغون كويزون للسلام والمرأة المعنية في الفلبين عام 1993، بالإضافة لجائزة الطريق إلى السلام عام 1995.

أما عام 1996 فنالت جائزة J. William Fulbright للتفاهم الدولي من وزارة الخارجية الأمريكية، وبعد عامين حصلت على جائزة رامون ماجسايساي تقديراً لدورها في الثورة السلمية لتحقيق الديمقراطية، كما صنفت في عام 1999 كواحدة من بين 20 شخصية آسيوية أكثر تأثيراً في القرن العشرين لمجلة تايم، وفي عام2001 نالت جائزة المواطنة العالمية، وجائزة ديفيد روكفلر لتجسير القيادة عام 2005، أما عام 2006 فاختيرت كواحدة من الأبطال الآسيويين الـ 65 لمجلة تايم.

ونالت جائزة بناء مجتمع آسيا والمحيط الهادئ EWC، وجائزة الإرث الحي للقيادة الدولية للمركز الدولي للمرأة، وجائزة مارتن لوثر كينغ للسلام اللاعنفي.