كليوباترا حاكمة عرش مصر

كملكة على عرش مصر، كليوباترا كانت آخر الفراعنة في تاريخ مصر القديم، لم تستلم لواقعها، امتلكت من الثقافة والمهارة والذكاء والدهاء الكثير لتحكم مصر عشرين عاماً تقريباً من عام 51 ق.م إلى عام 30 ق.م

مركز الأخبار ـ مع والدها بطليموس الثاني عشر، وبعدها مع أخيها بطليموس الثالث عشر الذي كان دائم النزاع معها، كما عقدت تحالفاً مع يوليوس قيصر الذي أحكم قبضتها على كرسي العرش.
كليوباترا هي ابنة الملك بطليموس الثاني عشر أوليتيس، ولدت عام 69 ق.م، كان قدرها تصبح آخر ملكة للسلالة البطلمية التي حكمت مصر بعد موت الاسكندر الأكبر في 323 ق.م، وضمها إلى روما في 30 ق.م، وعندما توفي بطليموس الثاني عشر في 51 ق.م، انتقل العرش إلى ابنه الصغير بطليموس الثالث عشر البالغ من العمر 10 سنوات، وابنته كليوباترا السابعة البالغة من العمر 18 سنة.
أصبحت كليوباترا ملكة عند وفاة والداها بطليموس الثاني عشر، وحكمت تباعاً مع شقيقاها بطليموس الثالث عشر وبطليموس الرابع عشر وابنها بطليموس الخامس عشر قيصرون، بعد انتصار جيوش الروم أوكتافيان "الإمبراطور أوغسطس الجديد" على قواتها المشتركة.
 
كليوباترا تجسيد حي للآلهة ايزيس
كتبت كليوباترا أسطورتها بنفسها، ومثلت معتقد الأم ايزيس لتقوية حكمها كآلهة حية، حيث ارتبطت الأسرة الحاكمة دوماً بالآلهة، وكان يُستبعد الأناس العاديين بشكلٍ كبير من عبادة آلهة الدولة.
فلقبت كليوباترا بـ "ايزيس الجديدة"، التي تعد تجسيد حي للآلهة ايزيس، وهو لقب ميزها عن الملكة كليوباترا الثالثة الذي يعود إلى أسباب سياسية، مما يعكس مدى ذكائها السياسي وجديتها في أن تحكم مصر بنجاح.
وايزيس هي إلهة رئيسية في الديانة المصرية القديمة التي انتشرت عبادتها في العالم اليوناني الروماني، وكان معتقد ايزيس يؤخذ بمنتهى الجدية، حيث كانت ترشد الموتى إلى الحياة الآخرة، والتي قامت بإحياء زوجها المذبوح الملك الإلهي أوزوريس. وكان دور كليوباترا كوسيطة بين الإلهة وشعبها، فوجدت الملكة نفسها في وضع محير بين أن تصبح نصف إلهة أو إلهة كاملة.
 
أبرز ما قامت به الملكة كليوباترا
تميزت الملكة كليوباترا بالموهبة والإبداع، فقد تحدثت بعدة لغات، حيث كانت تحمل ثلاث ثقافات إغريقية ومصرية ورومانية، كما استطاعت رغم صغر سنها وهي 21 من عمرها قيادة الجيوش، وفي عصرها تعلمت منارة العلم، وعملت على استرداد أمجاد أسرتها الحاكمة، وتمكنت من بسط الاستقرار والسلام في البلاد أثناء فترة حكمها.
قاومت الفساد بأشكاله وكافحته، كما شهد لها بفتح مخازن الحبوب لشعبها إبان فترة المجاعات ورفع الضرائب عنهم، فكانت مصر حينها دولة في أوج ازدهارها حيث امتازت بحسن الإدارة. والانتصارات التي حققتها وجعلت منها ملكة على عرش مصر كما حصلت على لقب "ملكة الملوك".
 
التوجه العسكري والتجربة السياسية
بحسب قول المؤرخون أن كليوباترا كانت عازمة على الاحتفاظ بعرشها، وإذا أمكن استعادة أمجاد أسرتها البطالمة التي تشمل سوريا وفلسطين وقبرص، بينما القيصر سعى في الحصول على المال من أجل تسديد الديون التي تكبدها أوليتيس، من أجل الاحتفاظ بالعرش، فتوطدت أواصر العلاقة بينهما.
وعمل مستشاري الملك بطليموس الثالث عشر على إبعاد كليوباترا وطردها من الإسكندرية للانفراد بالسلطة والحكم، فلجأت إلى شرقي مصر، واستطاعت تجنيد جيش من البدو لاستعادة موقعها، وعند وصلوها إلى بيلوزيوم المعروفة حالياً "بور سعيد"، تصدى لها جيش أخيها، وصلت سفينة القائد الروماني بومبي على إثر هزيمتها في معركة فرسالوس التي جرت سنة 48 ق.م، حيث دبر أوصياء الملك مقتله، وتقديم رأسه للقائد المنتصر يوليوس قيصر الذي وصل الإسكندرية في 2 تشرين الأول/أكتوبر عام 48 ق.م.
نجحت الملكة في اختراق صفوف الأعداء المخاصمة لها بعد أن حاول أخيها بطليموس الثالث عشر التقرب إلى القيصر، حيث وجده فرصة لإعلان ولائه الكامل والتقرب إليه، كما أمل أن يحظى على دعم ومساعدة الرومان للانفراد بعرض مصر، إلا أنه تبين لبطليموس أنه أخطأ في حساباته، واستدعى القيصر كلاً من بطليموس وكليوباترا إلى الإسكندرية، وأعلن دعمه للملكية.
وصلت التعزيزات الرومانية بحلول آذار/مارس عام 47 ق.م، حيث غدا يوليوس وكليوباترا حلفاء سياسيين ومحبين، وعند تحرير قيصر هرب بطليموس الثالث عشر وفرق في نهر النيل، بينما أسرت ملكة مصر "أرسينو الرابعة" التي حكمت مصر لفترة قصيرة من الزمن، وأخذت إلى روما.
أصبحت كليوباترا أرملة بعد أن أُعيدت إلى عرشها بكامل الدعم الروماني، وتزوجت فيما بعد من أخاها بطليموس الرابع عشر، وولدت ابناً له في حزيران/يونيو عام 47 ق.م، سمته بطليموس قيصر نسبة إلى والده. 
 
علاقات ودية للملكة كليوباترا
كانت العلاقة بين الملكة كليوباترا وقيصر متينة وقوية، وقد ساعدت وحدتهما في تمتين التحالف السياسي، حيث كان لهذا الأمر مدلول سياسي مثالي في استقلالية مصر، إلا أنها وقعت تحت حماية روما، وبذلك تكون روما هي المستفادة من خيرات مصر وأراضيها.
شجع قيصر كليوباترا في حكمها لمصر لحين مغادرته البلاد، وفي عام 46 قبل الميلاد، حاز على النصر في روما، كما قيد الملكة أرسينو بالسلاسل أمام الشعب الروماني، واتبعت الملكة كليوباترا وبطليموس الرابع عشر قيصر إلى روما، وبقيا هناك لمدة عام على نفقة القيصر الخاصة، وقد منح قيصر حينها تمثالاً ذهبياً لكليوباترا في معبد "فينوس جينتريكس"، عادا إلى مصر عند مقتل قيصر "بطليموس الرابع عشر" في 15 آذار/مارس 44 ق.م.
تفرّدت كليوباترا بمقاليد الأمور، واتخذت قراراً بالتحالف مع "مارك أنتوني وأوكتافيان وماركوس ليبيدوس" للقبض على من أغتال القيصر، فرفعت أسطولاً للإبحار نحو أوكتافيان ومارك أنتوني، إلا أن سفنها قد دمرها الإعصار، وأثناء تجهيزها الأسطول الثاني جاءت الأخبار بهزيمة القتلة.
وبعد اغتيال القيصر، انقسمت الإمبراطورية الرومانية بين أكتافيان ومارك أنتوني، حيث قرر أوكتافيان ضم مصر إلى الإمبراطورية الرومانية لكن العوائق التي كانت أمامه حالت دون ذلك، منها انفراد مارك أنتوني بحكم الإمبراطورية الرومانية، راودت كليوباترا فكرة الارتباط به، وبذلك أصبح مارك أنتوني حليفاً لها بدلاً من ضم مصر لروما، مما سبب العداوة بين أوكتافيان ومارك أنتوني، لأن أوكتافيان كان أخو أوكتفيا زوجة مارك أنتوني.
تم تقسيم الإمبراطورية الرومانية إلى شرق وغرب، كان الشرق بما فيه مصر من نصيب مارك أنتوني ومن الطبيعي أن تصبح كليوباترا تحت سلطة مارك الذي أُعجب بذكائها وقوة شخصيتها، ووقع في غرامها وفي عام 40 ق.م، أنجبت منه توأميه "كليوباترا سيلين وألكسندر هليوس".
تدهورت العلاقة بين أوكتافيان وأنتوني، وفي عام 37 ق.م غادر أنتوني روما إلى أنطاكية بسوريا، وأرسل طلب كليوباترا وقاما بوضع خطة كبرى لتحالف شرقي يرد لمصر بعضاً من مجدها والأراضي التي فقدتها.
في عام 32 ق.م، طُلقت أوكتفيا من أنتوني وأصبحت علاقة كليوباترا بأنتوني علاقة رسمية كزوجين رسميين، وأثناء تجول أنتوني وكليوباترا حول البحر المتوسط الشرقي، كان أوكتافيان يتحضر للحرب.
 
معركة أكتيوم البحرية
جرت معركة أكتيوم البحرية في عام 31 ق.م، حيث انتصر في هذه المعركة أوكتافيان وقد أجبر أنتوني على الهروب، بينما عادت كليوباترا إلى الإسكندرية، وعملت قدر المستطاع لتفادي الكارثة بعد وصول أنباء الهزيمة إلى مصر، فتحصنت كليوباترا في ضريح استُخدم أيضاً كخزينتها.
وحين تلقى أنتوني خبر انتحار كليوباترا ألقى بنفسه على سيفه، إلا أن خبر موت كليوباترا كان غير صحيح، وتم نقله إلى الإسكندرية وسُحب لأعلى حائط الضريح، كي يتمكن من الموت بين أذرع كليوباترا.
 
وفاة الملكة كليوباترا
عندما سمعت كليوباترا بنبأ هزيمة زوجها القائد الروماني مارك أنتوني في الحرب، قررت الانتحار وسط حالة من اليأس، في فجر أحد أيام منتصف آب/أغسطس 30 ق.م، قدّم أحد الخدم ثعبان الكوبرا المصرية لكليوباترا.
وذكر أن هذا الثعبان قد لدغ كتف الملكة اليسرى، بينما ذكر البعض أن ثدي كليوباترا الأيسر العاري هو الجزء الملدوغ من قبل الثعبان، حيث قامت الملكة بوضع هذا الثعبان على صدرها.
بعد وفاة كليوباترا قتل الرومان ابنها قيصرون خشية أن يطالب بالإمبراطورية الرومانية كوريث ليوليوس قيصر وولي عهده.
وقد سجل المؤرخ اليوناني كاسيوس ديو وفاتها قائلاً "لم يعرف أحد على وجه اليقين كيف ماتت، فقد وجدوا فقط ثقوباً صغيرة في ذراعها، وقد افترض البعض أنها جلبت أفعى صغيرة سامة لنفسها".
وكتب المؤرخ القديم "بلوترك" أنهما دفنا بأسلوب ملكي رائع في قبر بالقرب من الإسكندرية، ويعتقد البعض أن الضريح أصبح في أعماق البحر بعد الزلزال الرابع الذي حدث في القرن الثامن، حيث تغيرت تضاريس الإسكندرية، في حين يدعي البعض الآخر أن الزوجين قد دفنا بالقرب من "تابوزيريس ماجنا" وهو معبد قديم يحوي على العشرات من القبور والمومياوات. 
وبموت كليوباترا أُسدلت الستار على عصر البطالمة بعد خمسة أيام من كتابة وصيتها التي نفذها أوكتافيوس لتدفن بجوار أنتوني. 
 
الطابع الجمالي وما قيل عنها 
قيل أن الملكة كليوباترا كتبت كتاباً عن أسرارها للجمال كي تتناقله النساء الأخريات، حيث قيمّها المؤرخ الرومان بلوترك على أنها أزيد قليلاً من المتوسط الجيد، بينما المؤرخ اليوناني كاسيوس ديو قيمها على أنها أجمل نساء العالم قائلاً "كان في النظر والاستماع إليها وهج وبريق".
وقال عنها الكاتب الروماني هوراس فلاكس "كل من رأوها اتفق أنها الفتنة بعينها التي تكمن في شخصيتها، ولم يتفق اثنان على تحديد موضع هذه الفتنة"، والذي زاد من سحرها وجمالها وتألقها هو سحر وجودها الذي لا يمكن مقاومته، وذكائها وقوتها الذي اكسبها النفوذ القوي.
كانت تعتمد على سحر صوتها حيث اندهش المؤرخ بلوترك من قدراتها اللغوية قائلاً "كان من دواعي السرور الاستماع لصوتها، والذي استطاعت به، كأي أداة موسيقية ذات أوتار، أن تنتقل من لغة لأخرى، حتى أنها لجأت لمترجم مرات قليلة أثناء حديثها مع الأمم البربرية".
وقد وصفها أحد أساقفة الأقباط من القرن السابع بأنها "أكثر النساء شهرة وحكمة".
 
الأثر التاريخي القديم للملكة هو مصدر إلهام 
ملكة مصر "كليوباترا" كان لها أثر تاريخي عريق وقديم، حيث ألهمت الشعراء وكُتّاب القصص والفنانين، فرسمها الفنان الإنجليزي جون وليام واتر هاوس عام 1888، في أجمل تجسيد لها عبر لوحة زيتية، كما عُرضت صورتها على عملة في متحف الإسكندرية.
كما استعرضت العديد من الأفلام قصة حياة الملكة، وما تتضمنه من قصص وحكايات جذابة حملت كلها اسم كليوباترا.
وكانت قصة كليوباترا مادة لمسرحية "أنتوني وكليوباترا" لويليم شكسبير، ومسرحية "كل شيء من أجل الحب" عام 1977 لجون درايدن، ومسرحية "قيصر وكليوباترا" لجورج برناردشو، ومسرد شعري في انتحار كليوباترا للشاعر أحمد شوقي، كما تغنى بها الموسيقار محمد عبد الوهاب ضمن رائعته "كليوباترا".