كلارا زيتكن أم الحركة النسوية ومؤسسة اليوم العالمي للمرأة

حكاية ناشطة تملأها المغامرة والتحدي، شاركت مع أوائل المجموعات النسوية في المانيا، وحملت راية الدفاع عن حقوق المرأة منذ منتصف القرن الثامن عشر

مركز الأخبارـ حكاية ناشطة تملأها المغامرة والتحدي، شاركت مع أوائل المجموعات النسوية في المانيا، وحملت راية الدفاع عن حقوق المرأة منذ منتصف القرن الثامن عشر، لقبت بأم الحركة النسوية كونها من أوائل النساء اللواتي دافعن عن حقوق النساء العاملات في المانيا، هي كلارا زيتكن.

لخصت كلارا زيتكن أهمية نضال المرأة لتحصيل حقوقها وخاصة في العمل وإرساء دعائم المساواة بين الجنسين بقولها "إن النشاط النسائي صعب، فهو يتطلب عملا كثيراً وتفانياً كبيراً وتضحيات ضخمة، لكنها تضحيات ستثمر ولا مفر منها".

نشأتها وبدايتها الاشتراكية

في قرية صغيرة تابعة لولاية ساكسونيا الحدودية مع بولندا والتشيك ولدت كلارا أيسنير في الخامس من تموز/يوليو 1857، لأب يعمل في التدريس وأم من أصول برجوازية، عرفت باسم كلارا زيتكن بعد ارتباطها بأوسيب زيتكين.

كانت ولاية ساكسونيا صناعية وبالتالي تعمل معظم نسائها في المعامل، وكان في المنطقة عدد من التنظيمات العمالية والنسوية، ومن بين هذه التنظيمات "اتحاد عمال النسيج"، الذي تأسس عام 1869، وكان يضم في عضويته الرجال والنساء التي لم تتجاوز نسبتهن سدس العضوية أي اقل بكثير من نسبة الرجال.

عملت كلارا زيتكن في التدريس كوالدها وتأثرت بمديرة المدرسة "أوجست شميت"، ذات التوجه الاشتراكي، أحدى عضوات الحركة النسوية الألمانية، هذا التأثر ترجم إلى انضمام كلارا إلى حزب العمال الاشتراكي الألماني عندما كان عمرها 21 عاماً.

كان حزب العمال الاشتراكي حديث العهد تأسس باندماج كل من الحزب الاشتراكي الديمقراطي ADAV وحزب العمال الديمقراطي SDAP في 1875، وتغير اسمه في عام 1980 إلى الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني(SPD)، استمرت كلارا زيتكن في عضويته حتى عام 1917.

ارتباطها بماركسي روسي وبداية النضال

تأثرت كلارا زيتكن بشكل كبير بمن حولها فكانت البداية من مديرة المدرسة الاشتراكية، ثم انتهت بالمهاجر الروسي صاحب التوجه الماركسي "أوسيب زيتكين".

تغيرت حياة كلارا زيتكن بشكل كبير بعد أقل من نصف سنة على انضمامها إلى الحركة الاشتراكية، ففي 21 تشرين الأول/أكتوبر 1878، تم حظر جميع الاحزاب والصحف الاشتراكية من قبل "بسمارك"، الرجل الذي شكل الاتحاد الألماني الشمالي كأول دولة قومية ألمانية في عام 1867، وتحالف مع حزب الوسط الكاثوليكي لمحاربة الاشتراكيين في ألمانيا.

بعد ذلك تحول العمل الاشتراكي في ألمانيا إلى السرية، واستمرت كلارا زيتكن وأوسيب ومجموعة من الناشطين آخرين في العمل السري وتطورت علاقتها مع أوسيب خلال عملهما معاً لتصبح علاقة غرامية.

خلال هذه الفترة وقبل عهد بسمارك شاركت كلارا زيتكن بالحركات النسوية التي كانت تناضل من أجل الحرية وتوعية العاملات الألمانيات بحقوقهن ودعتهن للمطالبة بمساواة أجورهن وساعات العمل.

لم تستمر سرية النشاط طويلاً ففي بداية خريف عام 1880، تم القبض على شريكها أوسيب زيتكين وعدد من رفاقه وطردوا من المانيا، وبعد عدة أشهر لحقت به كلارا زيتكن إلى العاصمة الفرنسية باريس، وارتبطت به دون زواج واستخدمت اسمه لتسهيل الأمور الاجتماعية أثناء وجودها في روسيا.

انجبت ابنها ماكسيم في عام 1883، ثم انجبت قسطنطين عام 1885، واستمر نشاطها مع والد طفليها في الحركة الاشتراكية بعدة دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا والنمسا وبريطانيا إضافة إلى روسيا.

تعد هذه الفترة اللبنة الأساسية التي فتحت الباب أمام معرفتها بالحركة العمالية العالمية.

 

 

بعد وفاة أوسيب زيتكين في شتاء 1889، شاركت كلارا زيتكن في المؤتمر التأسيسي للأممية الثانية، الذي عقد في نفس العام في أيلول/سبتمبر، وتحدثت عن وجوب تنظيم النساء العاملات.

استمرت الأممية الثانية وهي عبارة عن منظمة تأسست في باريس بدعوة من الفيلسوف الشهير إنجلز، وجمعت احزاب اشتراكية وعمالية حتى عام 1916، حين انحلت بعد تغيير خطابها الرافض للحرب العالمية الأولى واستغلال العمال من قبل البرجوازيات الحاكمة لدعم الحرب.

أثناء وجودها في باريس عملت مع المنظمة الاشتراكية الدولية، وركزت على موضوعات متعلقة في مجال تعنيف المرأة والدفاع عن المرأة المضطهدة، والنسوية البرجوازية، وحررت ورقة الحزب للنساء والتي تسمى "دي غلايشهايت"، وتعني المساواة، ثم أسست في عام 1891، صحيفة المساواة التي تصدر بشكل دوري كل 15 عشر يوماً وترأستها كلارا زيتكن لـ 25 عاماً.

عقدت أول مؤتمر نسوي اشتراكي دولي مع المنظرة والفيلسوفة الاشتراكية روزا لوكسمبورغ في عام 1907، وفي ذات العام تزعمت مكتب المرأة الذي تشكل من رحم الحزب الديمقراطي الاشتراكي.

كلارا زيتكن والحركة النسوية البرجوازية والعمالية

فصلت كلارا زيتكن بين الحركة النسوية البرجوازية والعمالية وقالت خلال كلمة ألقتها في مؤتمر للحزب الاشتراكي الديمقراطي عقد عام 1896 "ليس بين هاتين الحركتين ارتباط أكثر مما هنالك بين الاشتراكية الديمقراطية والمجتمع البرجوازي"، وترجم رفضها لأفكار الحركة النسوية البرجوازية في الثامن من آذار/مارس 1908، إلى مظاهرة حاشدة ضد النساء المطالبات بحق الاقتراع لنساء الطبقة البرجوازية.

لم تكن رؤية كلارا زيتكن للحركة النسوية البرجوازية غريبة على امرأة اشتراكية تؤمن بأهمية نضال العمال وخصوصاً المرأة لتحصيل حقوقها، وكان انتقاد كلارا للنسوية البرجوازية والتي تقتصر مطالبها على حق الاقتراع والمساواة في مكانه باعتبار أن وصول المرأة إلى مواقع مهمة في السلطة لا يمنع استغلال الطبقة العاملة سواء كانوا رجالاً أو نساء من قبل السلطة والطبقة البرجوازية.

وبدا واضحاً الاختلاف بين الحركتين النسويتين العمالية والبرجوازية خلال مؤتمر شتوتغارت الذي عقد في عام 1907، وشاركت فيه 59 امرأة من 15 بلد، حيث طالبت ممثلات بريطانيا وفرنسا والنمسا وبلجيكا منح حق الاقتراع للنساء المتعلمات واللواتي يملكن ثروة وانتقدن كلارا زيتكن وانصارها الرافضات للحركة النسوية البرجوازية.

نص المؤتمر في بيانه الختامي على واجب الاحزاب الاشتراكية في جميع الدول النضال من أجل منح النساء من جميع الطبقات حق الاقتراع .... ويجب على النساء الاشتراكيات ألا يتحالفن من الحركة النسوية البرجوازية وعليهن خوض المعركة جنباً إلى جنب مع الرجال الاشتراكيين.

لم يكن نضال كلارا زيتكن في نطاق محاربة الذهنية الذكورية في المجتمع وإنما اعتبرت أن الهدف النهائي لنضال المرأة ليس مجرد المنافسة الحرة مع الرجل بل الحصول على الحكم السياسي للطبقة العاملة وأكدت خلال كلمتها في المؤتمر على أن "المرأة العمالية تناضل يدا بيد مع رجال طبقتها ضد المجتمع الرأسمالي". واعتبرت أن السبب الرئيسي وراء تدني وضع النساء منذ أكثر من ألف عام كان علاقات الملكية والطبقية وليست التشريعات التي وضعها الرجال.

وخاطبت النساء قائلة "لا يجب أن يحصرن نضالهن في المطالبة بحق الاقتراع وإنما يجب أن يناضلن من أجل الحق في العمل والإجازة المدفوعة لرعاية الأطفال والتسهيلات المجانية للعناية بالأطفال وحق التعليم ...".

تؤكد كلارا زيتكن دائماً على أهمية نضال الطبقة العاملة دون تمييز من أجل التحرر وتحصيل الحقوق وقد قالت خلال مؤتمر الأممية الثانية "الطبقة العاملة لا تستطيع بلوغ انعتاقها إلا إذا ناضل كل ابنائها معاً دون تمييز حسب الجنس". مؤكدة على هذه الفكرة في أكثر من مناسبة.

 

 

موقف كلارا من الحربين العالميتين

اندلعت شرارة الحرب العالمية الأولى في أواخر تموز/يوليو 1914، وكان الرفض موقف العديد من الاشتراكيين ومنهم كلارا زيتكن التي نظمت مؤتمر عالمي في برلين دعت فيه النساء إلى عدم دعم الحرب، ونشرت مقالاً في صحيفة المساواة النصف شهرية هاجمت فيه الحرب واعتبرتها حرب الطبقات الغنية وليس للعمال فيها لا ناقة ولا جمل بل أنهم سيكونون وقودها.

امتعضت السلطات من هجمات كلارا زيتكن على الحرب التي أوقدوا نارها وسارعوا إلى فرض رقابة مشددة على المواد المنشورة في الصحيفة واعتقالها أكثر من مرة خلال سنوات الحرب التي استمرت أكثر من أربعة أعوام.

كتبت عنها صحيفة "Labor Woman " البريطانية خلال الحرب كلمات مؤثرة "مقاتلة مستعدة لمواجهة الموت بدلاً من الاستسلام، قادت أكبر حركة اشتراكية نسائية في أوروبا في سبيل الكفاح من أجل حقوق المرأة ومعارضتها للحرب، هي ذات تأثير قوي في تشكيل السياسة الاشتراكية والشيوعية بشأن مسألة المرأة".

خلق موقف كلارا زيتكن انشقاقات داخل الحركة النسائية الاشتراكية في ألمانيا والتي أيدت الكثير منها قرار الحرب، وتزامن مع ذلك تأييد الحزب الاشتراكي الديمقراطي للمجهود الحربي لألمانيا، وانحرفت الحركة النسوية كما كانت تتوقع كلارا قبل أعوام عندما قالت ان انحراف الحركة النسوية مرتبط بانحراف الحركة الاشتراكية. 

8 آذار/مارس اليوم العالمي للمرأة

من المفارقة أن تاريخ الاحتفال باليوم العالمي للمرأة يوافق مظاهرة النساء الاشتراكيات في نيويورك 1908، ضد النساء البرجوازيات بعد مطالباتهن بمنح حق الاقتراع للنساء البرجوازيات فقط.

خلال المؤتمر الثاني للحركة النسوية الاشتراكية الذي عقد في كوبنهاغن عام 1910، اقترحت كلارا زيتكن تخصيص يوم الثامن من آذار/مارس كيوم عالمي للمرأة. ولاقى اقتراحها تأييد المؤتمر، ويعد اختيار يوم للاحتفاء بالمرأة على الصعيد العالمي من أهم انجازات كلارا خلال مسيرة نضالها لتحصيل حقوق النساء.

وعمت مظاهرات الاحتفال بيوم المرأة العالمي أكبر المدن الأوروبية واستمرت حتى أثناء الحرب العالمية الأولى ومن أهم تلك المظاهرات التي اجتاحت روسيا مظاهرة شباط/فبراير 1917، وكانت مقدمة الثورة الروسية الأولى "البلشفية"، وتشكيل الاتحاد السوفييتي.

الحزب الشيوعي الألماني وحظره من قبل هتلر

خلال الحرب العالمية الأولى وتحديداً في عام 1916، أسست مع مجموعة من الاشتراكيين "رابطة سبارتاكوس"، نسبة إلى محرر العبيد والزعيم الثائر سبارتاكوس، ثم تحولت الرابطة إلى الحزب الشيوعي الألماني في 1919 بفضل الثورة الألمانية، وفي نهاية آب/أغسطس 1932، تقلدت منصب نائبة في البرلمان الألماني.

مثلت كلارا زيتكن الحزب ثلاثة أعوام وخلال تلك الفترة قابلت الثوري الروسي فلاديمير لينين زعيم الثورة البلشفية ومؤسس المذهب اللينيني تحت شعار "الأرض والخبز والسلام"، وناقشته حول قضية المرأة وكيفية تنظيم النساء داخل الحركة الشيوعية، وتحدثت كثيراً عن اللقاء الذي جمعهما في مكتبه بالكرملين 1920.

بعد استيلاء حزب العمال الألماني الاشتراكي بقيادة ادولف هتلر على السلطة عام 1933، عمد هتلر حظر الحزب الشيوعي وذلك ضمن مسار حزب هتلر القومي، والذي يتعارض مع الرؤية الاشتراكية، وبموجب ذلك نفيت كلارا زيتكن إلى الاتحاد السوفييتي.

وفاة سيدة الحركة النسوية الاشتراكية وتكريمها

في نفس العام الذي نفيت فيه إلى الاتحاد السوفييتي توفيت كلارا زيتكن عن عمر ناهز 76 عاماً ودفنت بجانب جدار الكرملين بالعاصمة الروسية موسكو.

لم تتلقى التكريم في ألمانيا إلا بعد هزيمة النظام النازي من قبل الجيش الأحمر السوفييتي واعترفت بها المانيا كمناضلة حملت على عاتقها سير الحركة النسوية الاشتراكية.

كرمتها ألمانيا الشرقية بأن طبعت صورتها على الأوراق النقدية من فئة عشرة مارك وعشرين مارك، وانشأت في عام 1954، ميدالية باسمها "klara Zetkin Medaille"، لتكريم النساء الناشطات في مجال حقوق المرأة، واحتفاءً بذكرى ميلادها العاشر بعد المئة تم نصب تمثال لها في مدينة لايبزيغ الألمانية عام 1967.