خصوصية صوت نسرين شيروان

أصبح صوت نسرين شيروان مصدراً غنياً في التراث الكردي بعد انتقالها من حياة الكوجر المرتحلين بين مراعي بوطان إلى إذاعة بغداد

مركز الأخبارـ أصبح صوت نسرين شيروان مصدراً غنياً في التراث الكردي بعد انتقالها من حياة الكوجر المرتحلين بين مراعي بوطان إلى إذاعة بغداد.

نسرين عمر شيروان التي عُرفت في عالم الفن باسم نسرين شيروان، ولدت عام 1929 في قرية تابعة لمنطقة شرناخ في عائلة كوجرية مرتحلة. تقول نسرين بأنها حافظت دائماً على استقلالية صوتها وبأنها غنت من أعماق قلبها بحنجرتها الكوجرية البوطانية المستقلة في الوديان، وفي السهول والجبال، المراعي والحقول.

تعلمت المغنية نسرين شيروان من نساء الكوجر صاحبات الصوت الجميل وحفظت أغانيهن كما تعلمت منهن كيفية التعمق في معاني الكلمات. فقد كان أسلوب النساء يقوم على وصف نمط الحياة الطبيعية وصياغتها بكلمات جميلة وغنائها بصوتهن الجميل. تعلمت النساء الكرديات من جداتهن أن لا شيء يزول في الطبيعة، فالخير يعود لأصحابه والشر يعود لأصحابه. فالثقافة الكردية الموجودة في كلمات أغاني نساء الكوجر ظلت مختبئة من جميع نماردة العصر واستطاعت الوصول إلى يومنا هذا. لا يوجد مكان إقامة محدد لهن، فهم يستقرون بحسب فصول السنة في أماكن مختلفة، روحهن حرة، لا يعرفن ولا يتقيدن بأي حظر أو قوانين. وعلى الرغم من ازدياد القيود المفروضة على لغتهن، عاندن الأنظمة المستبدة الفارضة لهذه القيود وصرخن بأعلى صوتهن من فوق القمم العالية. ووصلت أصواتهن حتى قاع الأودية العميقة...

بفضل فنانات مثل مريم خان ونسرين شيروان وصوتهما الجميل، استطاع هذا الصوت الذي تختص به فقط نساء تلك المنطقة ووحدهن يستطعن الغناء بتلك الطريقة الوصول إلى إذاعة بغداد. وكغزالة واقفة على قمم جبلي جودي وكابار غنت نسرين على أثير صوت إذاعة بغداد. غنت بصوتها القوي العديد من الأغاني مثل دلو dilo، كولي هنار gulê heynar، خاني تو خاني xanê tu xanî، قولنكو قولنكي في بريه qulingo qulingê vê beriye، كولي سوري هي كازا كازا gulî sorê heyî gaze gaze، لوي لم كوجري loy lim koçerê، زولفاية  Zulfayê ونادر بكى جيندار كريا Nadir Begê jîndar kiriye.

 

من ترحال الكوجر إلى الهجرة

في عام 1932 هاجرت مع عائلتها إلى جنوب كردستان بسبب الظروف المعيشية الصعبة. ما حصل معها في إقليم كردستان كان بسبب قلة الإمكانات وظروفها الصعبة فقد عملت كخادمة في المنازل. في البداية بدأت بالعمل في منزل رجل مسيحي يدعى غريب بوز، عملت في منزله في أعمال التنظيف لفترة طويلة من الزمن. بعد مدة من الزمن تابعت عملها في تنظيف المنازل وانتقلت لمنزل جمال بابان، كانت تغني أثناء قيامها بتنظيف المنزل بصوتها الكوجري الجميل. عندما لفت جمال صوت نسرين شيروان انتباه العائلة التي تعمل لديها أغرموا بصوتها الجميل وقامت هذه العائلة بمساعدتها لتتعرف على الفنانين المحليين. من بين فناني تلك الفترة قام كل من علي مردان وحسن جزيري بمساعدتها. اقترح علي مردان إيصال نسرين إلى إذاعة بغداد لتعمل فيها، وعندما عرض هذا الاقتراح عليها قبلت به فوراً.  

وقفت نسرين شيروان حائرة مثل مريم خان وعيشة شان بين خيارين وهما العائلة أو الفن، فأي خيار تختاره سيجبرها على خسارة الخيار الآخر. توجهت مثل صاحبتي الصوت الجميل إلى الغناء مستغنية بذلك عن عائلتها. بقيت وحيدة ووجدت نفسها مجبرة على العمل بالإضافة إلى الغناء، مرة أخرى أصرت على اختيارها، تحدت المجتمع وتحدت الظروف وأطلقت العنان لصوتها وسعت وراء موهبتها.

 

صوت كوجرة بوطان في إذاعة بغداد

بناءً على اقتراح الفنان علي مردان بدأت نسرين شيروان العمل في إذاعة بغداد في الخامس عشر من آذار/مارس عام 1944. ومن خلال قوة صوتها المستقل استطاعت التعرف على الكثير من الفنانين الذين التفوا حولها. في البداية غنت ما تعلمته في صغرها من أغاني نساء عشيرتها الكوجرية. فيما بعد تقدمت في عملها الفني، ودربت صوتها وغنت من كلمات الكثير من الشعراء مثل جكر خوين، شيخ سلام التي حولتها إلى أغاني وغنتها بشكلٍ مزدوج مع معظم من تعرفت عليهم من فناني تلك الفترة مثل محمد عارف جزيري، عيسى برواري، حسن زيرك، طاهر توفيق، رسول كردي، شمال صايب، كاويس آغا. بالإضافة إلى الألحان والمقامات الفلكلورية كان لدى نسرين العديد من الألحان الخاصة بها. خلال مسيرة عمل دامت 31 عاماً في الإذاعة، سجلت 500 أغنية من ضمنها أغانيها.  

تقاعدت نسرين شيروان من العمل في الإذاعة عام 1975. ومع تقدم العمر بها، وكمعظم فناني تلك الفترة أضحت عرضة للعزلة والوحدة. وبسبب وحدتها أُصيبت بالمرض ولم تمتثل للشفاء. توفيت وانتقلت إلى رحمة الله في العاشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1990 في المكان الذي عاشت فيه وحيدة في بغداد. ووريت الثرى في بغداد التي قضت فيها معظم حياتها، وأصبح ثراء روحها العظيمة وقوة صوتها نهراً يتدفق نحو الفن الأبدي.