جين آدمز... من رواد السلام العالمي وحقوق الاقتراع للمرأة
الناشطة الأمريكية التي نادت بزيادة الإنتاج الغذائي في الولايات المتحدة الأمريكية لمساعدة الفقراء في أوروبا إبان الحرب العالمية الأولى، رأت في الحرب استنزاف لمقومات الإصلاح الاجتماعي وزيادة في القمع السياسي، ما جعلها من رواد السلام العالمي.
مركز الأخبار ـ
جين آدمز رائدة في السلام العالمي وناشطة أمريكية وأخصائية علم الاجتماع ومؤلفة, زعيمة حركة بيوت المستوطنات في أمريكا، ومن أهم الإصلاحيين في القرن العشرين، بنت أول مستوطنة في الولايات المتحدة عام 1889 في ولاية شيكاغو، ليكون ملجأ يقصده المهاجرين والفقراء والمثقفين، دافعت عن حق النساء في التصويت، وذلك بعد التهميش الذي لاقاه موقفهن الرافض للحرب العالمية الأولى.
جين آدمز من المهد إلى اللحد
لورا جين آدمز عُرفت خلال مسيرتها باسم جين آدمز، ولدت في 6أيلول/سبتمبر عام 1860 في مدينة سيدرافيل بولاية إلينوي الأمريكية، وتوفيت في21 أيار/مايو من عام 1935على إثر إصابتها بمرض السرطان، وهي الأبنة الصغرى لجون آدمز من بين ثمانية أطفال.
كان والدها جون آدمز أحد الأعضاء المؤسسين للحزب الجمهوري في ولاية إلينوي، ورئيس للبنك الوطني الثاني بمدينة فريبورت بولاية فلوريدا، وصديق مقرب للرئيس السادس عشر للولايات المتحدة أبراهام لينكولن، الذي قاد الحكومة الفيدرالية خلال الحرب الأهلية الأمريكية (1861 -1865)، التي نشبت في الولايات المتحدة بين الحكومة الاتحادية مقابل إحدى عشر ولاية المعروفة باسم الولايات الكونفدرالية الأمريكية والتي تسلم جيفرسون ديفيس قيادتها.
في عامها الرابع أصيبت جين آدمز بمرض السل في العمود الفقري الذي تسببه بكتيريا (TB) السل، بكتيريا(TB) تؤثر بشكل رئيسي على الرئتين ويمكن لتأثيرها أن يطال أعضاء أخرى من الجسم كالفقرات الصدرية والقطنية من العمود الفقري، ما أدى إلى انحناء ظهرها وعرج في قدميها وهو ما سبب لها صعوبة في الركض واللعب مع الأطفال.
قرارها بأن تصبح طبيبة لتساعد الفقراء والمحتاجين، هي فكرة استوحتها من لطف والدتها تجاه فقراء مدينة سيدرافيل، وبذلك تستطيع العيش والعمل بينهم، ما ولد عندها رغبة للالتحاق والحصول على شهادة بكالوريوس من كلية سميث الخاصة للفنون الحرة للسيدات بمدينة نورثهامبتون في ولاية ماساتشوستش التي تأسست عام 1871 وتم افتتاحها عام 1875.
وبالرغم من رغبتها في الالتحاق بكلية سميث إلى أن والدها أراد لها متابعة الدراسة بالقرب من المنزل، ولحبها الشديد له عندما كانت طفلة، كما أوضحت في مذكراتها "عشرون عاماً على هال هاوس" لعام 1910، كانت مجبرة على ارتياد مدرسة روكفور للإناث التي تأسست عام 1847 في مدينة روكفور بولاية إلينوي، لتتخرج منها عام 1881 بشهادة جامعية وعضوية في بيتا فاي كابا وهي أقدم أكاديمية للفنون الحرة والعلوم في الولايات المتحدة، تأسست عام 1776.
حصلت جين آدمز على حصتها من الإرث الذي تركه والدها بعد وفاته نتيجة إصابته بالتهاب الزائدة الدودية، لذلك قررت جين وشقيقتها أليس وزوجها الانتقال إلى فيلادلفيا برفقة زوجة أبيها آنا هوستيلر هالدمان، حتى يتمكنوا من متابعة التعليم الطبي، وبعد أن أنهت الشقيقتان السنة الأولى في كلية الطب والمرأة في فيلادلفيا، عادت العائلة أدراجها إلى سيدرافيل بسبب المشاكل الصحية التي عانت منها جين آدمز وزوجة والدها.
في خريف 1883 أجرى زوج أليس الذي أنهى تعليمه في كلية الطب، عملية جراحية لجين آدمز لتقويم عمودها الفقري، وبعد النجاح الذي تكللت به العملية نصحها بالسفر وعدم العودة إلى الدراسة، لما قد تخلفه الدراسة من أثار سلبية على صحتها.
وفي صيف العام نفسه، انطلقت في رحلة إلى أوروبا مع زوجة أبيها، وبسبب وضعها الصحي رأت أنه ليس من الضروري أن تكون طبيبة حتى تساعد الفقراء والمحتاجين، لذلك قررت العودة إلى مدينة سيدرافيل لبناء مستوطنة هال هاوس.
هال هاوس... منزل الأشخاص الأقل حظاً
خلال رحلة جين آدمز إلى أوروبا عام 1883، أصيبت بالذهول لما رأته من فقر يجوب الأحياء العشوائية في المدن الأوربية، حملت على عاتقها مساعدة ما وصفتهم بالأشخاص الأقل حظاً، وذلك بعد أن فقدت حلمها بأن تكون طبيبة، وبعد عامين عادت إلى سيدرافيل مسقط رأسها بولاية إلينوي، لتخبر عائلتها عن هدفها الجديد في الحياة، لأنها لم تكن قادرة على أن تتصور نفسها أسيرة المنزل والمرض، لكن فكرتها لم تلقى ذلك الترحيب الذي كانت ترجوه.
في عام 1887عادت أدراجها إلى أوروبا في اعتقاد منها بأن تواجدها بين الفقراء قد يساعدها على ابتكار الفكرة التي بمقدورها أن تزيح المسؤولية الكبيرة التي حملتها على عاتقها، ولكن هذه المرة مع صديقتها عالمة الاجتماع إلين غيتس ستار، التي ساندتها لتحقيق حلمها في مساعدة الفقراء والمحتاجين.
سافرت جين آدمز إلى لندن، ومرت بمنظمة "توني هول" المؤسسة الخيرية التي حملت على عاتقها معالجة آثار الفقر في لندن ومناطق أخرى، والتي تأسست عام 1884، على يد المصلح الاجتماعي صموئيل بارنيت.
ما تضمنته منظمة توني هول من نوادي ترفيهية ومكتبات تهدف لتوسيع الدوائر الضيقة للثقافة والتعليم، ومرافق خدمية، واستقطاب الأشخاص من جميع دول العالم ومن كافة الطبقات سواءً الأغنياء أو الطبقات المتوسطة أو حتى الفقيرة، كان سبباً في خلق مساحة محايدة بين المجتمعات والبيئات المختلفة لتتعلم من بعضها البعض ولخلق أرضية مشتركة للعمل الجماعي ولسد الفجوة بين طبقات المجتمع، شكل لدى جين آدمز الخطوة الأولى لاكتشاف معالم المستوطنة التي ستجمع فيها كافة الثقافات وطبقات المجتمع.
توجهت مع إلين غيتس ستار إلى مدينة شيكاغو عام 1889، التي عملت فيها الأخيرة كمدرسة في أحد أحياء المدينة، لتكون المدينة التي سيولد فيها مشروعهما الإنساني، بعد أن استوحت معالم فكرتها من منظمة توني هول في لندن.
استأجرت جين آدمز منزل كبير يقع في أحد الأحياء الفقيرة في شيكاغو، كان أغلبية سكان هذه الأحياء هم مهاجرون من دول أوروبية مثل إيطاليا وألمانيا واليونان وروسيا وبولندا، تعود ملكية المنزل لرجل الأعمال تشارلز هول، الذي بناه عام 1856.
حددت الصديقتان أولويات أعمال المنزل، لما لاقاه من إقبال. أخذت رعاية أطفال الأمهات العاملات الأولوية على قائمة أعمال هال هاوس، تلاها تقديم المحاضرات للكبار، وإيجاد الوظائف للعاطلين عن العمل، ورعاية المرضى، وتقديم الملابس والطعام للمحتاجين.
نمت الميزانية السنوية للمنزل بسرعة في عامه الأول بعد الدعم الذي قدمه أفراد مجلس النواب أمثال المصلحة الاجتماعية والمناصرة لحق المرأة في الاقتراع لويز ديكوفن بوين، وماري سميث وهي أول امرأة تشغل منصب رئاسة الإمبراطورية البريطانية.
كان هال هاوس مقصداً لـ 2000 شخص في الأسبوع، شكل المثقفون والمتعلمون زواراً دائمين للمنزل الذي تضمن نادي للفتيات، ومعرضاً للفن، وصالة رياضة، ومدرسة للموسيقى، ومكتبة وقاعات اجتماع، بالإضافة للخدمات الاجتماعية والفعاليات الثقافية التي تقدم للمهاجرين، كما وقدم فرصة التدرب للأخصائيين الاجتماعيين.
نشاطات جين آدمز لتحقيق السلام
كانت جين آدمز من أبرز الرافضين لدخول الولايات المتحدة إلى ميدان الحرب العالمية الأولى ما بين عامي (1914 ـ 1918)، في اعتقاد منها أن البشر قادرون على حل النزاعات دون الوقوع في شباك الحرب، ليشكل موقفها الرافض للحرب رسالتها الثانية ألا وهي دعم الأمن والسلام الدولي، خصوصاً بعد النجاح والاحترام الذي لاقته جهودها الحثيثة في إعمار مستوطنة هال هاوس بولاية شيكاغو.
بالرغم من مناداتها بالرفض للحرب وترأسها المؤتمر الدولي للنساء بمدينة لاهاي في هولندا عام 1915 لمحاولة وقف الحرب، إلا أنها لم تلقى آذاناً صاغية.
كما وانضمت إلى الحركة المناهضة للإمبريالية التي تأسست عام 1898، لتعارض قرار ضم الولايات المتحدة للفلبين، وكانت من أشد المؤيدين للحزب التقدمي الذي تأسس عام 1912، لما عُرف عن مواقفه المناهضة للتغيرات الهائلة التي أحدثتها الثورة الصناعية، مثل التلوث والفساد السياسي ونمو الشركات الكبرى.
دعت جين آدمز الولايات المتحدة لزيادة الإنتاج الغذائي لمساعدة الدول الأوروبية التي عانت أزمات معيشية نتيجة لانخراطها في الحرب، وانتقدت معاهدة فرساي عام 1919، التي فُرضت على ألمانيا للتخلي عن 13% من أراضيها والحد أيضاً من قواتها المسلحة، ووصفت المعاهدة بالمهينة التي يمكن أن ينتج عنها حرب تشنها ألمانيا بهدف الانتقام.
مواقفها الرافضة للحرب أثارت انتقادات من بعض الصحف الأمريكية مثل نيويورك تايمز وكان ذلك سبباً في هبوط شعبيتها، ولكن لم يكن بمقدور أحد أن ينكر دورها الرائد لإنهاء الحرب، فعادت لتعتلي عرش الاحترام والتقدير وتصبح بطلة وطنية كرست حياتها لتحقيق هدف صب محاسنه في كؤوس جميع دول العالم، لتكون أول أمريكية تحصل على جائزة نوبل للسلام عام 1931.
اقتراع النساء حق مشروع
ناشدت جين آدمز الولايات المتحدة لإسعاف المناطق الصناعية في البلاد من الظواهر الرهيبة التي عانت منها، مثل عمالة الأطفال والبطالة، والأجور المتدنية التي يتلقاها الفقراء، وفقدان عامل الأمان في مواقع العمل، الأمر الذي جعل من جين آدمز مثالاً تحتذي به النساء اللواتي تطوّعن لإصلاح مجتمعاتهن وتحسينها، فتمت دعوتها لتترأس حزب السلام للنساء في 30كانون الثاني/يناير عام 1915، وتم انتخابها كرئيسة وطنية للحزب.
في مقالة كتبتها جين آدمز عام 1910، أشارت من خلالها للحركات الوطنية الشعبية التي نظمتها النساء الأمريكيات للمطالبة بحق التصويت والاعتراف بهن كمواطنات يمتلكن كامل حقوق المواطنة، كما أن إدراكها للفساد المتزايد في الحكومة والسياسة، كان كفيلاً حتى يتولد لديها إيمان راسخ بأن المرأة قادرة على قيادة الحركة الإصلاحية والأخلاقية للمجتمع.
ترأست جين آدمز المؤتمر الدولي للنساء بمدينة لاهاي في هولندا عام 1915 لمحاولة وقف الحرب العالمية الأولى التي انخرطت فيها الولايات المتحدة عام 1917، وعقد المؤتمر بمبادرة من الزعيمة الهولندية المناصرة لحقوق المرأة إليتا جاكوبس، وفيما بعد أطلق عليه اسم الرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية، عملت فيه جين آدمز كرئيسة حتى عام 1929.
إلا أن الأنظمة الوطنية والدولية اعتبرته مؤتمر غير رسمي وعارضت على إقحام أصوات النساء في الخطاب السياسي والقرارات التي اتُخذت بشأن الحرب والسلام، إلا أن جين آدمز لم تتقبل نظرة المجتمع التي حطت من مكانة المرأة ودورها كسياسية.
فنادت لإعطاء حق المرأة في الاقتراع ومن أبرز ما قالته في هذا الصدد "إذا كان من مسؤوليّات المرأة تنظيف مجتمعها وجعله مكان أفضل للعيش، فإنها قادرة على التصويت للقيام بتنظيف المجتمع على نحو فعال".
وأكدت جين آدمز في المحافل الدولية بأن استبعاد أصوات النساء من منصات صنع القرار سيؤدي لولادة سياسيات مشينة، واعتماداً على ذلك تبنى المندوبون سلسلة من القوانين التي تنص على إدراج المرأة في قائمة الأشخاص الذين يملكون الحق في الانتخاب، وعدم إنكار دورها كعضو فاعل وهادف في المجتمع.
شكلت جين آدمز منارةً ودافعاً لكثير من سيدات القرن العشرين، وكانت مثالاً للقيم الإنسانية التي يمكن لأي امرأة أن تحتذي به مهما اختلفت الأزمنة والطبقات الاجتماعية.