حين تتحول الأغنية إلى نضال... من سهيلة تاش إلى جيهان بلكين
من سهيلة تاش إلى جيهان بلكين، حين يتحّد الهدف مع الطريق، تتحّد الأغنية أيضاً، ولا يمكن إنكار أنه عندما يكون الهدف هو الحرية وكشف الحقائق في ظلماتها، وحين تُقدَّم الروح في نهاية هذا الدرب ثمناً لذلك، تصبح الأغنية أثمن، ويغدو أصحابها أرفع مكانة.
حين يتحوّل الإنسان نفسه إلى أغنية، بأي الكلمات يمكن أن نمنحه تعريفاً يليق به؟ ماذا لو حمل في داخله قداسة الجبال، واجتمعت في صوته وعينيه وملامحه كلّ رهافة الغزال البري؟ هل تستطيع اللغة أن تلاحق هذا القدر من الجمال؟ جيهان بلكين تركت وراءها معاني كثيرة، لكن نفسها أصبحت أعمق تلك المعاني وأثمنها، وبين كل ما كان يميّزها، يبقى صوتها أجمل ما خلّفته وراءها.
والأغاني مهما حملت من كلمات، فإن أنفاسها تحمل معنى أعمق، فكل أغنية تنبع من حكاية، وكل حكاية تحمل ثقلها الخاص وصورتها وبهاءها، قصص العشق العسير هي عماد الكثير من الحكايات التي خُلِّدت بالاسم والصوت، تماماً كحكاية جبل سيبان، التي بطلها بصوته واسمه هما خَجّة وسيامند.
جبل سيبان هو نجمة الجمال والعشق كلّه، النجم الذي جمع خجّة وسيامند في لحظة قدر واحدة، وهو أيضاً نجم الغزال البري، وعندما تتحوّل حكاية أغنية إلى حكاية جمالٍ بريّ، يصبح معناها أثمن وأعمق.
أغنية جبل سيبان من الأغاني الشعبية الكردية الأصيلة، ومهما تغيرت ألحانها أو اللغات التي تغنى بها، يبقى في جوهرها الجبل والعشق.
لهذه الأغنية تاريخ عميق الجذور، وقد أداها عدد كبير من الفنانين الكرد المعروفين، بل وغنيت أيضاً باللغة التركية، إلا أن أداء سهيلة تاش كان الأكثر تأثيراً، لأنها ليست مجرد فنانة، بل معتقلة سياسية وامرأة كردية ثائرة، اعتُقلت عام 2017 في آمد، وصدر بحقها حكم بالسجن لمدة 11 عاماً وخمسة أشهر، ثم نقلت في العام نفسه إلى سجن النساء في سنجان.
وبسبب العزلة التامة المفروضة على القائد عبد الله أوجلان، بدأ المعتقلون السياسيون، بقيادة السياسية الكردية ليلى كوفن، إضراباً مفتوحاً عن الطعام في 26 كانون الأول/ديسمبر 2018، وكانت سهيلة تاش من المشاركات في هذا الإضراب داخل سجن النساء في سنجان. وفي اليوم العاشر من الإضراب، تحدثت عبر الهاتف مع والدتها، وغنّت لها أغنية "جبل سيبان" باللغة التركية، مهديةً إياها لجميع المضربين.
وفي 26 أيار/مايو 2019، توقفت الفعالية استجابة لنداء القائد عبد الله أوجلان، ومع ذلك، بقي الأداء الذي قدّمته سهيلة تاش لأغنية "جبل سيبان" حاضراً في الذاكرة العامة، يتردد صداه في وجدان الناس.
الصحفية جيهان بلكين لم تكتفي يوماً من هذه الأغنية، ومنذ ذلك اليوم أصبحت الأقرب إلى قلبها، ترددها دائماً ولا تفارق شفتيها.