هند نوفل... دور ريادي في تاريخ الصحافة
استطاعت كسر القوالب النمطية للصحافة فطرحت عدة قضايا تخص الواقع المهمش والنظرة الدونية للمرأة ودافعت عن حقوقها المسلوبة عبر مجلتها "الفتاة"، لتكون هند نوفل أول امرأة تؤسس صحيفة خاصة بالمرأة في مصر
مركز الأخبارـ .
مجلة الفتاة أول مجلة نسائية تصدر في مصر في أواخر القرن التاسع عشر بقلم امرأة، وتخاطب فيها النساء بالمرتبة الأولى لما تحتويه من موضوعات وقضايا تخصهن بالتحديد، فهي مجلة تساهم فيها مجموعة من النساء بكتابة المقالات.
محاطة بمناخ ثقافي
ولدت هند نوفل في عام 1860 في مدينة طرابلس اللبنانية على الساحل السوري في وقت كانت فيه المدينة تابعة لما سمي بسورية الكبرى ما قبل عام 1948. نشأت ضمن جو عائلي ثقافي مألوف من أم كاتبة تدعى مريم النحاس التي جمعت السير الذاتية لشخصيات نسوية من الشرق والغرب في كتاب أسمته "معرض الحسناء في ترجمة مشاهير النساء" وقد أهدته للأميرة شيشمات هانم الزوجة الثالثة للخديوي أسماعيل، وأب يدعى نسيم نوفل الذي عمل في الصحافة والترجمة.
عندما أتمت العاشرة من عمرها هربت من منزلها برفقة عائلتها بسبب الرقابة المشددة من قبل الدولة العثمانية التي كانت تلحق الأذى بالطوائف المسيحية والأديان الأخرى، واستقروا في الإسكندرية عام 1870.
شهدت حركة النشر والطباعة ازدهاراً ملحوظاً في مصر مما ساهم في استثمار وتداول المادة الأدبية والثقافية وزيادة عدد الصحف، حينها حرصت عائلة هند نوفل على توفير هذا المناخ لابنتهم، فالحقوها بمدرسة العهد للتعليم الابتدائي أثناء حكم الخديوي إسماعيل باشا.
جريدة علمية تاريخية أدبية فكاهية
بكفاءتها العالية ورغبتها الشديدة في أن تكون صوت المرأة المضطهدة، استطاعت تأسيس أول مجلة عربية للمرأة في 20 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1892، أسمتها مجلة "الفتاة". كانت هذه المجلة الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، التي شاركت بدورها الريادي في تاريخ مساهمة المرأة في مجال النشر والإبداع.
توجهات المجلة تصب في طرح القضايا التي تخص النساء والفتيات والمشاكل التي تعترض طريقهن، ومبدأها الوحيد هو الدفاع عن الحق المسلوب والالتفات إلى الواجب المطلوب، وقد حثت هند نوفل النساء أن يعتبرن المجلة جريدتهن في الشرق التي تعبر عن أفكارهن وتشجعهن على الكتابة في المجلات والصحف.
غالباً ما كانت هند نوفل تنتهج أسلوب المقارنة بين المجتمعات في الشرق الأوسط والمجتمعات في الغرب لتعزيز أي فكرة أو مقترح تريد إيصاله للنساء، ولا سيما أثناء طرح فكرة عمل المرأة في مجال الصحافة، فقد أشارت إلى عمل نساء الغرب في الصحف والمجلات ووثقت كلامها بإحصائيات منشورة في صحف فرنسية.
أرادت هند نوفل من سعيها الدائم وراء كتاباتها مخاطبة النساء والتأكيد على أهمية الدور النسائي في كافة المجالات وتعزيز مكانة النساء في المجتمع من خلال تشجيعهن على النقاشات والجدل في المجال العام. فهي تتقبل فكرة محورية دور المرأة في العائلة، لكنها تسعى بأن تجعلها متخصصة على أسس علمية ومهارات دقيقة.
ولتساهم في رفع الوعي والثقافة وجهت نداء لجميع النساء لمن تود الانتساب إلى المجلة للعمل والمشاركة في الكتابة الصحفية، والاطلاع على المجالات الأدبية والمعرفية، التي تعد مصادر موثوقة للتعريف بتاريخ النساء.
كتبت في إصدار العدد الأول في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1893 الغرض والهدف من مجلتها بقولها "هي جريدة علمية تاريخية أدبية فكاهية مختصة في جنسها مبتكرة تحت سماء الشرق بموضوعها لا غرض لها في الأمور السياسية".
قامت المجلة بنشر عدة موضوعات فرعية منها ما يخصّ التاريخ ومنها ما يرتبط بالمجال الأدبي والثقافي والعلمي، كما أنها لم تتطرق إلى المواضيع السياسية والخلافات الدينية الطائفية، لأن الاهتمام الأكبر الذي كان يشغلها هو طرح القضايا التي تخص المرأة لدى الرأي العام، ومحاولة معالجتها وإيجاد الحلول لها.
السير الذاتية للنساء
تضمنت المجلة في تبويبها مقالات مدافعة عن المرأة وتوجهها نحو التحرر من الأفكار المجتمعية التي تنتقص من حقوق المرأة، بالإضافة إلى تبويب خاص بتعريف مشاهير النساء في مجالات الأدب والثقافة، ومواضيع تخصّ الموضة والأزياء والرياضة والجمال وشؤون المنزل، وخصصت باب للغرائب والطرائف حول العالم.
ففي العدد الأول نشرت عن حياة النساء العاملات والكاتبات والأديبات والملكات، ودورهن في الحياة العامة ومجالاتها.
ويمكن إحصاء ما تم نشره عن السير النسائية خلال فترة عمل المجلة والتي وصلت إلى نحو 425 كاتبة مقالة، و280 شاعرة، و121 روائية، بالإضافة إلى سيرة 252 طالبة في مجال الطب في فرنسا التي تروي قصص نجاحهن وتفوقهن.
نشرت لمحات عن السير الذاتية لنساء من عصور مختلفة، اللواتي حققن عدة إنجازات في مسيرة حياتهن، منهن الملكة الأشورية سميراميس وملكة سبأ بلقيس وعدة نساء من العصور الفرعونية.
كما تناولت في إصدارات النشر تقسيم الأخبار بحسب الدولة وسرد سير النساء اللواتي ناضلت في مشوار حياتهن من أجل تحقيق أهدافهن، حيث نشرت خبر عن السيدة حنة سكاي والتي تعتبر أول سيدة انتخبت كقاضية في مقاطعة يومينج في الولايات المتحدة الأمريكية.
كسر القوالب النمطية
دوافع عدة مكنتها من تأسيس المجلة منها الكتابة بالقلم النسائي والتعبير عن آراء النساء وتحديد مسؤولياتهن وواجباتهن، وحثهن على تغيير وكسر القوالب النمطية للمرأة المصرية، التي ترفض فكرة عملها في المجال الصحفي والكتابة بقلمها.
افتتحت مقدمة مجلتها بالحديث عن أوضاع النساء بشكل عام في الشرق والغرب، وحثت النساء القائمات على العمل بالانفراد بأسلوبهن في الكتابة والابتعاد عن النسخ والتقليد الأعمى حول المواضيع العلمية والتاريخية والمناظرات الأدبية والشذرات الفكاهية.
منبراً لطرح القضايا ومناقشتها
حققت مجلة الفتاة التاريخية العلمية نجاحاً كبيراً حتى وصل صداها إلى جميع أنحاء العالم، كما أنها تعد مجلة شهرية يبلغ عدد صفحاتها 40 صفحة، فقد كانت منبراً في تسليط الضوء على عدة قضايا تخص المرأة، منها الزواج والطلاق والنقاب والعزلة والتعليم والعمل والترفيه والشؤون المحلية.
فتحت باب للنقاش والحوار عبر منشورات المجلة فيما يخص المرأة وأدوارها في المجتمع، ففي شباط/فبراير عام 1893 طرحت سؤال وهو "أيهما عمله متعب أكثر الرجال أم النساء؟" لحث القراء على المشاركة وإبداء الرأي.
وما تبقى من أيامها الأخيرة قضتها في الأعمال الخيرية ومساعدة المحتاجين ورعاية أسرتها إلى أن توفيت عام 1920.
اعتبر المؤرخون أن الصحفية هند نوفل هي الأم الكبرى لبقية الصحفيات في تاريخ الصحافة المصرية، التي واجهت الكثير من المتاعب والعقبات في محاولتها لإنقاذ المرأة من الواقع المتردي ودورها المهمش إثر عادات وتقاليد جامدة تعيق نهوضها وإبراز دورها في ممارسة حقها في التعليم والعمل.
قالت الصحفية الفرنسية نبيلة رمضاني التي اطلعت على منشورات مجلة الفتاة بأنه إصدار نسوي كامل في قائمة المجلات الدورية العربية.
فيما اعتبرت الأستاذة الأمريكية والخبيرة بشؤون الشرق الأوسط بيث بارون بأن المجلات بشكل عام كنز دفين في طرح القضايا، وكذلك عند الجيل الأول من النساء اللواتي عملن في نشر وطباعة نصوص مطابقة للواقع الذي يعشن فيه قائلة "أن المجلة أتاحت لنا مصدراً تاريخياً فريداً من نوعه وقدمت لنا فرصة لاستعادة أصوات النساء حتى نتمكن من تحقيق التوازن بين الحسابات الأخرى من حياتهم مع الوصف الخاص بها بشكل جماعي".
وبسبب صعوبة الحصول على الأعداد الشاملة للمجلة في المكتبات العربية، قامت مؤسسة المرأة والذاكرة بإعادة نشر هذه المجلة عام 2007، ضمن كتاب من تقديم هدى الصدة، وهو تجميع لأعداد مجلة الفتاة بين عامي 1892ـ 1894، بسبب كتابات المجلة القيمة وأهميتها، ولكي تكون متاحة أمام الباحثات والمؤرخات المتخصصات في التاريخ العربي. كما عملت جامعة بيل الأمريكية على إعادة نشر نسخة كاملة من أعداد المجلة.