حليمة القعقور وجه نسائي لبناني في مواجهة أحزاب السلطة

يوم تردد اسمها لتولي حقيبة وزارية كممثلة عن المجتمع المدني في لبنان في أعقاب ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، كان موقفها واضحاً بعدم توفير غطاء لمنظومة السلطة بكل فسادها وموبقاتها

سوزان أبو سعيد
بيروت ـ ، فآثرت الأكاديمية الدكتورة حليمة القعقور أن تنضوي في رحاب مشروع وطن يتسع لأحلام شعبها القابض على جمر المعاناة، أي بعيداً عن اصطفافات طائفية ومذهبية ومناطقية، وبعيداً عن خطاب غرائزي أفضى بلبنان إلى المهالك والفتن، فلم تغريها المواقع، ولا ساومت على قناعات وأفكار وقيم، لتصبح اليوم في حاضرة العمل السياسي، حاملةً هموم شعبها وحالمةً بغد تسوده العدالة والمساواة. 
 
تحدي النمطية
شقت طريقها وسط تحديات ثقافية ومجتمعية، وصقلت شخصيتها بالصبر وقوة الإرادة، وقدمت نموذجاً نسوياً في مجال العمل السياسي، انطلاقاً من قناعاتها الخاصة في حياتها المهنية، وقفت جدتها إلى جانبها ودعمتها بوجه الذهنية الأبوية، لتمنح الدكتورة حليمة قعقور فرصة متابعة دراساتها العليا في فرنسا لوحدها، وتشدد على أنه على الرغم من كل المغريات للبقاء في فرنسا بعد إنهائها تحصيلها الأكاديمي، رفضت ولم تتردد بالعودة إلى لبنان لمتابعة عملية التغيير الإيجابي من خلال التعليم ونشاطها في مجال الحقوق الإنسانية والعمل الاجتماعي بداية، ومن ثم دخول المعترك السياسي.
فحليمة القعقور الحاصلة على شهادة دكتوراه في القانون الدولي العام، وتحديداً حقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية الثقافية لدول الشرق المتوسط، وهي حالياً أستاذة جامعية وباحثة في الجامعة اللبنانية في كلية الحقوق صيدا، وفي العديد من الجامعات الخاصة سابقاً، ومدربة ومستشارة في العديد من المنظمات والجمعيات الدولية والمحلية في مجال حقوق الإنسان والمرأة، الجندرة، القيادة، الحوكمة الرشيدة والبلديات، التنمية المحلية، ثقافة السلام وغيرها، طرح اسمها للترشح سابقاً للمقعد السني في دائرة جبل لبنان الثالثة قضاء الشوف في 2018، لكنها لم تقدم على هذه الخطوة، كما تم اقتراح اسمها لمنصب وزاري، رفضت وبشدة لأنها تعلم مسبقاً أن الشروط التي اقترحت في ثورة 17 تشرين الأول لم يتم احترامها.
 
دخول المعترك السياسي
تحدثت حلمية القعقور لوكالتنا عن مسيرتها المليئة بالتحديات، فقالت بدايةً عن اقدامها للترشح في السباق النيابي عام 2018 "أدرس خطواتي بدقة، وعندما اقتُرِحَ ترشيحي للنيابة، وجدت نفسي غير جاهزة ومن نواح عدة".
أما عما تغير الآن لتقدم ترشيحها، بينت "حالياً أدرس خطواتي أكثر، وأعمل على نقاط الضعف لأتخطاها، وأنظر للأمور من منظور مختلف، وهنا أود التركيز على نقطة معينة، فمنذ دخولي المعترك السياسي في العام 2015، وأنا أواجه أحزاب السلطة وأدواتها غير الديموقراطية، ولست ضد الأشخاص الممثلين لهذه الأحزاب، بل هم شركاء لنا، وأنا ضد خياراتهم التي لا تعارض شروط بناء دولة حديثة، وقررت تبني مبدأ (كلهم يعني كلهم) أو باللهجة اللبنانية (كلن يعني كلن)، لما تمثله هذه الأحزاب من تبعية وفساد ومحاصصة".
وفي مجال بحثها الذي طال المرأة في الانتخابات، تقول الدكتورة حليمة القعقور "لكي أدرس خطواتي بدقة، التقيت 75 امرأة من أصل 86 خضن الانتخابات النيابية في العام 2018، ووضعت نتائج بحثي في كتابي (مسيرة اللبنانيات إلى النّدوة البرلمانيّة)، ويحمل تجارب المرشحات في الانتخابات النيابية اللبنانية 2018، وذلك من أجل أخذ العبر، ولتكون فرصة لقراءة تقييمية لهذه التجارب على اختلافها"، علماً أنه قد فازت ست نساء في هذه الدورة الانتخابية.
وأوضحت حليمة القعقور "بعد قيامي بهذه الدراسة، والتعمق في المعوقات التي واجهت النساء، تأكدت من صوابية قراري بعدم الترشح سابقاً، فقد توصلت إلى مَواطن الضعف، وأهمها التمويل النظيف والشفاف، فإن لم يستطع المرشح أن يقوم بجمع التبرعات لحملته، وإنشاء شبكة تحالفات متينة مع شركاء يمكن الاعتماد عليهم فلن يكتب له النجاح، وكل ذلك بحاجة للدراسة والعمل، وقد توصلت إلى أن غالبية النساء ومنهن أنا برزنَ كناشطات اجتماعيات ومدافعات عن حقوق المرأة، وليس كسياسيات، وبالنسبة لي كنت وما زلت ناشطة في مجالات حقوق المرأة والطفل والبيئة والتنمية وغيرها، وليس كامرأة لديها مشروع سياسي، وعلى الرغم من كوني مختصة بالعلوم السياسية، فأنا من الجانب النظري لم أخض المعترك السياسي، وهذا ما نعمل عليه اليوم، أي كيف يرانا الناس".
وأضافت "قبل 2015 تابعت نشاطي التطوعي اجتماعياً، من دورات تدريبية في كافة المناطق، إلى التعليم الجامعي، إلى الدفاع عن قضايا الناس، ولم أتغير لجهة تمسكي بمبادئي، ولكني لم أعمل في السياسة سابقاً، أما حالياً فأنا لم أعد ناشطة فحسب، بل أصبحت سياسية، أي أن لدي مشروع، أي حزب وإطار سياسي ومجموعة سياسية أعمل معها وضمنها".
وعن خلاصة بحثها، قالت "هناك خلاصات ونتائج عدة، فعدا عن العائلية السياسية المسيطرة، والتي تعتبر أداة من أدوات النظام، ونوع من المبادلة بأن أعطيك الأصوات لأنال الخدمات التي أريد، فالعائق الأول هو المال، وهو ما أجمعت عليه 97 بالمئة من النساء في البحث".
 
حزب "لنا"
وعن حزب "لنا"، قالت "هو حزب تغييري يهدف إلى إرساء نظام ديموقراطي علماني ويحفظ التنوع وحرية المعتقد للجميع، ويشمل كل فئات المجتمع في الحكم وخصوصاً النساء والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة وكل الفئات التي أقصاها النظام الطائفي، ومثل هذا الأمر يحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت لاستقطاب الناس، وقد بدأنا بزيارات على الأرض وفي كافة المناطق، وهناك إقبال رائع من الناس، وهم سعداء لجهة ما ننادي به، وجاء قرار ترشيحي من قبل الحزب، وأخضع بالتالي للتحالفات التي يقررها مع تنظيمات الثورة المختلفة".
وعما تتوقعه من عملها الحزبي الجديد، أوضحت "بدايةً، لماذا قمنا بإنشاء حزب؟ هنا أشير إلى أنه منذ أن نزلنا في العام 2015 إلى الشارع، كان المبدأ أن جميع أحزاب السلطة فاسدة ولا تعبر عن إرادة الناس، فهل سنستمر في لعن وانتقاد الأحزاب الموجودة فقط؟ أو أن نبني حزباً يعبر عن مبادئنا وطموحاتنا وعما نسعى إليه؟ ولأن من ضمن دراستي الأحزاب، ولأنني مقتنعة بأن الديموقراطية والمساءلة والشفافية وتداول السلطة لا يمكن أن تنتقل إلى المؤسسات الدستورية (المجلس النيابي والحكومة) دون أن يتم احترامها داخل الحزب السياسي، وهنا، قررت أن أقدم نموذجاً جديداً أرى فيه شرطاً لتأسيس دولة حديثة، فقد وصلنا إلى درجة من الملل في ترديد سيئات الأحزاب وانتقادها وما تمارسه، فلنحقق حلمنا، وبالفعل وبالمشاركة مع رفاق ورفيقات كان لهم هذا الحلم بادرنا ببناء نموذج يشبهنا ويتناسب مع خصوصية لبنان، وأتوقع من هذا الحزب أن يقدم نموذجاً بديلاً، وأن نقوم بخلق قيادات مناطقية، لا سيما وأننا من حزب محلي، أي في كل منطقة فرع، وتعمل الفروع بصورة متساوية، وليس أن تكون بيروت الأساس كما في حال الأحزاب الحالية، بل أن فروع جميع المناطق متساوية في الحقوق والواجبات والصلاحيات وعملا بمبدأ اللامركزية".
 
أزمة قيادات
وأشارت إلى أن "هناك أزمة قيادات في لبنان، فما أن يظهر أحد حتى يبدأ الهجوم عليه/عليها، فنحن بحاجة إلى قيادات تعمل بشكل تشاركي وديموقراطي وليس لزعامات تقوم على قدسية الشخص الواحد، من جهة ثانية، لست متمسكة بالترشح، وليس لدي مانع من الانسحاب إن وجد شخص أقوى، فترشحي بهدف المصلحة العامة، ومتمسكة بها وبمبادئي، فنحن نبني تجربتنا السياسية للمرة الأولى، ونأخذ القرارات بالتصويت في تنظيمنا وحزبنا الداخلي ومع الحلفاء الخارجيين بالتفاوض والتشاركية، ونحتاج للوقت للوصول إلى النضج السياسي الجماعي، وأنا شخصياً أنضج سياسياً وأتعلم مع الوقت من هذه التجربة العملية".
وأشارت إلى أن "هناك ثلاثة أشخاص طرح ترشحهم من الحزب، ولكن هدفنا جميعاً المصلحة العامة ومصلحة لبنان، فالحزب ليس متمسكاً حتى بهؤلاء المرشحين، فترشح الفرد ليس الأساس، بل مصلحة اللائحة، وإن كانت المصلحة العامة لا يمكن التوصل إليها عبر ترشحنا، نختار البديل المناسب حينها، ولو كان من طرف آخر، بالعكس فإنه في هذه الحالة لا يعتبر الانسحاب ضعفاً بل قوة"، وأردفت "حلمي الأول أن أساهم في التغيير، عبر رفع التوعية".
وعن تحصيلها العلمي، أوضحت "مجال دراستي كان الدبلوم في العلاقات الدبلوماسية والدولية، وكان طموحي أن أكون سفيرة، لكني وجدت أن شخصيتي وما أريد لا يمكن تحقيقه من خلال عملي كسفيرة، لذا قمت بتغيير تخصصي نحو القانون الدولي العام وحقوق الإنسان، لأنني لا يمكنني أن أمثل دولة غير ديموقراطية وطائفية، فضلاً عن أنني لا استطيع إلا التعبير عن آرائي بصراحة، فأنا لا أعترف بكل هذه الحكومات، فقبل أن أقبل أن أكون سفيرة، يجب أن تكون هناك دولة حديثة أستطيع بقناعاتي تمثيلها، وتحولت إلى القانون الدولي العام وحقوق الإنسان، ودرست من جديد، لأنني وجدت أن هذا التخصص يشبهني ويمثل شخصيتي، وهذه معركتي الأساسية".
 
تفعيل دور النساء
وحول كيفية تفعيل دور النساء قالت "يبدأ هذا الدور من داخل قاعات الدراسة، عبر التوعية على بناء دولة تؤمّن الحقوق للجميع دون أي تمييز قائم على الجنس أو الدين أو العمر أو أي توصيف أو تمييز آخر وضعه هذا النظام، بالعكس فأنا أدعو إلى تعزيز المواطنة وعدم الرضى بأن نكون نصف مواطن أو إنسان بنصف كرامة، وما أعتبره الأجمل في مسيرتي، والذي أفتخر به هو تأثيري على طلابي سواء الذكور والإناث، وما يسرون لي به ويعلنون عنه وتقديرهم لمساهمتي في المطالبة بحقوقهم وحريتهم، ومساعدتي لهم بالاستمرار رغم التحديات ودون خوف، وتفعيل دور النساء بشكل عام، فقد حوربت وجرحت كثيراً، فالمرأة الخارقة ليست من لا تُحارب، والتي لا تتألم، بل هي من تستمر، وقد أخذت على نفسي أن أستمر، على الرغم من التعب، نعم سأتعب، وسأستمر بخطة التغيير، بالشراكة مع طلابي ويداً وبيد".
وعن كيفية تمكين النساء في السياسة، قالت "تجربتي في الحزب وحياتي والتعليم شجعت الكثير من النساء، فعلاقتي مع طالباتي ليست كمدرسة فقط بل كمرشدة وكفرد من أسرهن في كثير من النواحي، وهذا هو التأثير الذي أحاول تركه، فالتغيير السياسي قد يأخذ الكثير من الوقت، وقد أموت قبل أن يتحقق، وقد يقطفه الجيل القادم، ولا يهمني كثيراً أن أشهد التغيير على أيامي، بل أن أجهز الأرض الخصبة للتغيير وأن تنبت وتزهر للأجيال المستقبلية، كما وأن الدراسات والأبحاث والمقالات والتدريب والنشاطات التي أقوم بها من الأهمية بمكان بالنسبة لي كثيراً، فمثلا لدي تدريب للنساء المرشحات للبلديات في صيدا، حول كيفية وضع الخطط والسياسات العامة المحلية في البلديات والتي تحمل البعد الجندري وتعزز البعد المؤسساتي المستدام، على شكل ورش تدريبية وندوات، وأُحارَب وبصورة مستمرة من قبل أحزاب السلطة واتهمت بالعمالة والخيانة وغيرها، وتعرضت وأتعرض للتهديد والوعيد، إلا أنني مستمرة وسأستمر وبقناعاتي".
وأكدت الدكتورة حليمة القعقور أن "الثورة ليست فقط في الشارع بل الثورة على النفس وفي سلوكنا الفردي والجماعي، الشائع أنه على السياسي ألا يكون عاطفياً، والحقيقة أن الرجل والمرأة كتلة عواطف، ولكن التربية علمت الرجل أن يكبت عواطفه، وأن يكون رأسمال المرأة عاطفتها فقط، وأنا شخصياً وكامرأة تصالحت مع عاطفتي وعقلي، فعاطفتي قوة وعقلي قوة أيضاً، ويتماشيان معاً، وأنا شخص عاطفي، وشغوف وأعمل بكل مشاعري وبقلبي وعقلي".
 
الحكمة والحلم
وقالت "ورثت الكثير عن أبي ولا سيما حبي للأرض ودون حدود، لذا فالتنمية المحلية كانت وما زالت محور اهتماماتي، وكذلك تطبيق اللامركزية والإنماء المتوازن، فالأرض بناسها، فالتعلق بالأرض الذي ورثته عن أبي وجدتي، وهي مثلي الأعلى في النسوية".
ودعت إلى "بناء أحزاب جديدة تشبهنا حقاً"، واصفة الأمر بأنه "عمل متعب ومستمر، ويحتاج للوقت والجهد، لتحسين الأداء، وللكثير من التمويل والاستقطاب للطاقات وللناس، خصوصاً لجهة كوننا نريد أن يحصل الأمر بسرعة، إلا أن هذا الأمر يحتاج أن يأخذ وقتاً كافياً لينضج، نعم اخترت الطريق الصعب الذي يشبهني".