حفيظة رقيق... مغربية مكافحة كرست حياتها لخدمة قضايا نساء البادية

رغم العراقيل والصعوبات التي تواجه المرأة القروية في المغرب، إلا أن هناك من يواجهن الحياة بنوع من التحدي الجميل، ويحاولن إبراز قدراتهن بنضالهن وفتح آفاق التواصل والانخراط في العمل الجمعوي

حنان حارت
المغرب ـ ، والإهتمام بعلاج مشاكل وقضايا المرأة التي تعاني من الفقر والتهميش في البادية، وإصلاح حالها المتدني.
وجهتنا كانت إلى مقر جمعية "العهد الجديد لدعم قدرات المرأة القروية"؛ التي تتواجد في قرية الغنانمة بجماعة عين كرمة واد الرمان، بين مدينتي مكناس وسيدي قاسم وسط شمال المغرب، حيث تقودك إلى القرية رائحة الزيتون، الذي يعد أشهر منتوجات المنطقة، التي تختلف العادات والتقاليد فيها عن المدن الكبرى، وحتى وضع نسائها يختلف تماماً عن نظيراتهن في المناطق الأخرى في المغرب.
تشعر بهدوء البادية في نظرة عيونها وبراءتها، تنشرح بمجرد رؤيتها، وترى بساطة نساء منطقتها في ضحكتها، هدوؤها يختزل حياة المرأة المكافحة المناضلة بالمناطق القروية، لم تكترث لنظرة مجتمع تقليدي ريفي يعتبر تزويج النساء ضرورة لابد منه مهما كان وضعها الإجتماعي والاقتصادي، إنها حفيظة رقيق، مواليد1965، هي استثناء نتعلم من خلاله معنى أن نخصص عمراً لخدمة واقع نساء البادية وتحسينه وخلق مواطن عمل وتعليم الفتيات وكسر كل المحظورات التي تعيق نجاح بدوية متحررة.
قصة امرأة لم تتزوج بفعل الأقدار التي حولتها أماً لكل فتيات منطقتها الريفية تدرس وتعلم وتربي وتنصح وتبني جيلاً من فتيات ونساء مغربيات مكافحات للجهل والفقر والأمية ومناضلات بسلاح العلم والمعرفة والكلمة من أجل واقع أفضل للمرأة القروية.. واقع تزين فيه البادية بألوان وطموح نساء لا يشبهن أحد.
داخل بيت متواضع، تقطن حفيظة رقيق، عاشت مرحلة الطفولة في البادية، فيما انقطعت عن الدراسة في الثمانينيات، عندما وصلت للمستوى الثاني ثانوي، لكن ذلك يعد إنجازاً بالنسبة لها كفتاة تعيش في الأرياف وسط مجتمع محافظ يرى أن مكان المرأة هو البيت والمطبخ.
 
من أجل خدمة النساء 
ما يميز حفيظة رقيق عن باقي نساء القرية أنها المرأة الوحيدة التي استطاعت المساهمة في عجلة التنمية بالمنطقة، لأنها تحمل آمالاً وطموحات كبيرة وعزيمة لترك بصمتها في المغرب.
عملت على كسر قيود المجتمع، وتجاوز النظرة التقليدية، والفكر الذكوري الذي يعيق تقدم المرأة، ويرى أن لا حق لها في التعليم ولا العمل.
اقتحمت حفيظة رقيق العمل الجمعوي بشكل فعلي سنة 2015؛ واتخذت من بيتها مقراً للجمعية التي تقدم خدمات اجتماعية لنساء وأطفال القرية.
 
البداية بأعمال خيرية
لا تحصل جمعيتها على موارد مالية من الدولة؛ بل تعتمد فقط على الإمكانيات الذاتية؛ وحينما ترغب بإقامة بعض الأنشطة تعمل على توفير متطلباتها المادية من أهلها وأفراد عائلتها ومعارفها، لتغطية المصاريف الآنية التي يتطلبها النشاط الواحد.
بطموح كبير وعفوية تتحدث حفيظة رقيق لوكالتنا عن كيفية انخراطها في العمل الجمعوي قائلة "انخراطي في العمل الجمعوي بدأ صدفة، كنت أقوم بأعمال خيرية لمساعدة نساء وأطفال القرية، كان هناك ثلاثة من أبناء الجيران يقطنون مع جدتهم الطاعنة في السن، يقضون يومهم بالكامل في الخارج يلهون ويلعبون بالحصى والتراب، فقررت الاعتناء بهم وتعليمهم في منزلي، كما كانت إحدى الفتيات بصدد الزواج، ولم يكن بمقدورها إقامة حفل الزفاف بسبب العوز المادي، فأخبرت معارفي وأصدقائي وقمنا بمساعدتها ماديا وإقامة العرس لها، وهكذا بت كلما سمعت أحد السكان في مأزق، أو ليس لديه مصاريف العلاج أعمل على مساعدته قدر المستطاع مع الاستعانة بمعارفي".
وعن العمل التطوعي للمرأة أوضحت "تمكين المرأة في العمل التطوعي يحتاج إلى تظافر الجهود وتذليل العقبات، وكلما تعزز دور المرأة في العمل التطوعي، تعزز دور المجتمع، في رأيي أنه لا تنمية بدون مشاركة المرأة القروية".
 
دروس محو الأمية
تستمر حفيظة رقيق في سرد بدايتها مع العمل الجمعوي "في بداية تقديمي دروس الدعم للأطفال ومحو الأمية للنساء والفتيات، كنت أستقبل المستفيدات والتلاميذ في بيتي، لكن وبعد تزايد العدد أصبح لابد من خلق إطار قانوني لكي أتمكن من مواصلة مشروعي دون مشاكل، وهكذا بمساعدة بعض الفاعلين تمكنت من إنشاء جمعية التي أطلق عليها اسم "العهد الجديد لدعم قدرات المرأة القروية"، والتي تأسست بهدف تقديم الدعم للأطفال ومساعدتهم على متابعة الدراسة، وتوعية المرأة القروية بحقوقها وواجباتها، والدفاع عنها من أجل الاعتماد على نفسها، والتصدي لكافة الظواهر الاجتماعية التي تحول دون انخراط المرأة في تنمية المنطقة، ومنها ظاهرة الهدر المدرسي". 
 
الرجل حجر عثرة
عندما كانت النساء المسجلات في دروس محو الأمية تقصد بيت حفيظة رقيق، كان شباب القرية يسخرون منهن، ويرددون على مسامعهن أن ما يقمن به مضيعة للوقت. أمام هذا الوضع حاولت حفيظة حث النساء على الإقبال على التعلم، وتحدي كل العراقيل، وعدم الإلتفات لأي كلمة تحول دون التفوق في مسيرتهن الجديدة، إلا أنه رغم انخراطهن الكبير في البداية، فسرعان ما تراجعن ولم يتمكن من الإستمرار بسبب معارضة الأزواج، تقول حفيظة "للأسف المرأة في المنطقة لا زالت تعاني الأمرين، تعاني الهشاشة وسلطة الرجل، فإقبال النساء على التعليم من شأنه أن يفتح لهن آفاقاً واسعة، لكن الرجل يقف حجر عثرة أمامها، والنساء أيضاً لم يستطعن تحدي الظروف والتقاليد البالية لتجاوز العوائق التي تحول دون تقدمهن"، مضيفة "ذلك لم يثبط من عزيمتي، بل زادني قوة نحو المضي لتحقيق أهداف الجمعية، وتحدي الهيمنة الذكورية".
وبنبرة مليئة بالتحدي تقول "طغيان جانب التقاليد والموروثات يحد من فعالية مشاركة المرأة في مجال التنمية المحلية، فلو اقتنع الرجل أن المرأة شريكته في التنمية، لتمت معالجة كل العوائق التي تصادف النساء، ولتمكنت المرأة في القرية أن تساهم وتتفاعل مع دورها في المجتمع، في قريتي هناك طاقات بحاجة إلى تنميتها والاستفادة من قدراتها".
وتعتبر حفيظة رقيق، أن دور العنصر النسائي مهم وأن النساء يشكلن قيمة مضافة، وأنه يجب نفض الغبار عن الإكراهات والمعوقات الثقافية والاجتماعية التي ماتزال تعاني منها العديد من النساء والفتيات بالقرية "فتيات القرية ينقطعن عن الدراسة قبل وصولهن للمرحلة الإعدادية، وذلك بسبب الظروف المادية لأسرهن وبعد المؤسسات التعليمية، وأيضا لاعتقاد الأسر أن مكان الفتيات هو البيت والزواج".
 
تحارب زواج القاصرات
ينتشر في القرية زواج القاصرات، ومن جهتها تعمل حفيظة على تحسيس الأسر بخطورة ذلك، وتقول "لجوء بعض الأسر لتزويج بناتها قبل بلوغ السن القانوني يعود إلى الهشاشة والفقر والحاجة المادية، وأحياناً أخرى تكون الأسباب ثقافية".
تستحضر حفيظة رقيق وهي تحدثنا قصة طفلة تبلغ من العمر 13 سنة، حينما أجبرها والديها على الزواج من رجل يكبرها بسنوات، ورغم محاولاتها المتكررة لإقناع الأبوين بالعدول عن الفكرة لكنهما كانا مصرين على تزويجها، "عندما علمت بنية الأبوين تزويج طفلتهما، تحدث إليهما أكثر من مرة للتراجع عن ذلك وعدم التفريط في الصغيرة، لكنهما كانا مصرين، وزوجاها بدون عقد، لكن الطفلة بمجرد ما وصلت لبيت الزوج وأغلق باب الغرفة عليهما، وبينما كان يحاول ممارسة ما يراه حقه الشرعي، فإذا بالصغيرة بدأت بالصراخ ودخلت في نوبة هيستيرية، ما دفع بالزوج إلى التراجع والسماح لها بالعودة برفقة والديها، الفتاة الآن تعيش وضعاً نفسياً صعباً وباتت تخاف من أي رجل تراه، ما حدث لهذه الطفلة للأسف لا زال يحدث بشكل متكرر".
تناضل حفيظة رقيق من أجل تغيير أفكار الأسر وثنيهم عن تزويج الطفلات، تقول "أحاول ما أمكن القيام بحملات تحسيسية وتوعوية من أجل التنبيه بخطورة هذا الزواج الذي يعد انتهاكاً لحقوق وبراءة الطفلات، لكن للأسف الأسر بسبب عوزها المادي لا تهتم وتصم آذانها، لا أتصور أن هناك مبررات للأسر لتجريد الفتاة القاصر من طفولتها وتبرير اغتصابها عبر مؤسسة الزواج". 
 
تحقيق استقلالية النساء 
مزجت، ابنة قرية واد الرمان، عبر تجربتها بين العمل الجمعوي التطوعي، والعمل التعاوني، ففكرت في كيفية النهوض بوضعية المرأة، وكيف يمكنها الحصول على استقلاليتها المادية للتخلص من تبعية الرجل والمساهمة في التنمية، فقررت إقامة مشروع يساعد النساء الأكثر هشاشة في المنطقة، لينتشلهن من براثن الفقر ويأخذ بيدهن نحو تحقيق ذواتهن وإدخال البسمة إلى العديد من الأسر، فعملت على خلق تعاونية لإنتاج وتسويق "الكسكس".
تستفيد سبع نساء فقط من خدمات التعاونية، حيث يعملن داخلها على فتل الطحين بمهارة وإتقان، والذي يمر بعدة مراحل، وبعدما يتحول إلى حبيبات، يتم تسويقه ليصنع منه طبق الكسكس المشهور في المغرب.
وعن الهدف من وراء تأسيس التعاونية أوضحت حفيظة رقيق "التعاونية ما زالت فتية، وعدد المستفيدات لا يتعدى سبعة، فالنساء في المنطقة يتميزن بطابعهن المحافظ، ويصعب إقناعهن بالانخراط"، لكننا نطمح إلى تطوير وتثمين منتوج الكسكس، للنهوض بأوضاع المرأة القروية، ومساهمتها في التنمية وإدماجها في النسيج السوسيو-اقتصادي.
وعن مطالب النساء في منطقتها، قالت حفيظة رقيق بنبرة حزينة "المرأة القروية في منطقة واد الرمان لا أحد يسمع شكواها، هي لا تطمح إلى مناصب سيادية، هي تطالب بأبسط الحقوق؛ حقها في العيش الكريم والصحة والطريق لفك العزلة عنها".
وتختتم حفيظة رقيق حديثها بالقول "لم أحقق بعد كل ما أصبو إليه لفائدة النساء والفتيات والأطفال في قريتي، لكني بالتأكيد استطعت بمعية أعضاء الجمعية تحقيق الكثير، ونحن عازمون على مواصلة عملنا ورفع مستوى التحدي وتحسين وضع المرأة القروية وتغيير العقليات، وبالتأكيد القادم أجمل".