فيروز... أيقونة الغناء العربي
تميزت صاحبة الصوت الجميل فيروز بالإبداع على مستوى الكلمة واللحن والغنى والتنوع في نمط الأعمال، ووصفت بأيقونة الغناء العربي التي أسرت قلوب الملايين إلى يومنا الحالي بصوتها الرنان
مركز الأخبار ـ .
فهي من غنت للحب والحياة البسيطة وللأم والطبيعة، كما قدمت القصائد والأناشيد القديمة, وأبدعت في الموشحات الأندلسية والمواويل والعتابات، وقدمت العديد من المسرحيات والقصائد والأفلام السينمائية وكان لها تأثير كبير على الشعوب وعلى الموسيقا العربية المعاصرة التي منحتها عدة ألقاب.
بداياتها
ولدت أسطورة الغناء العربي نهاد وديع حداد المعروفة باسم "فيروز" في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 1935، في حارة زقاق البلاط بمدينة بيروت في لبنان، لأسرة سريانية كاثوليكية، والدها وديع حداد يعمل في مطبعة لوريون التي تصدر حتى يومنا هذا باللغة الفرنسية، ووالدتها ليزا البستاني.
كانت شغوفة منذ صغرها بالأغاني حيث إنها كانت تسمع لأغاني السيدة أم كلثوم وأسمهان والفنان عبد الوهاب من خلال نافذة المنزل، من أحد المنازل المجاورة لها، لأن الحالة الاقتصادية للعائلة لم تسمح لهم باقتناء جهاز راديو، درست في مدرسة القديس جوزيف في بيروت، فموهبتها في الغناء برزت منذ صغرها عندما كانت طالبة في المدرسة الابتدائية، حيث برعت في أداء الاناشيد المدرسية ونالت لقب "أجمل صوت" في المدرسة وهي في الخامسة من العمر.
في عام 1946 نظمت المدرسة حفلة موسيقية وغنت فيروز فيها، سمعها في ذلك الوقت الموسيقار والملحن محمد فليفل، فحثها أن تلتحق بالمعهد الموسيقي فتعلمت في المعهد الغناء والنوتة الموسيقية وبرزت موهبتها في سرعة التقاط الألحان وجودة تأديتها، لكن والدها رفض فكرة ان تغني ابنته أمام العامة، لكن محمد فليفل نجح في إقناعه بعد أن أكد أنها ستغني الأغاني الوطنية.
والتحقت بعد ذلك بفرقة الأخوين فليفل التي كانت تقدم الأناشيد المدرسية والوطنية في الإذاعة اللبنانية في أوائل شباط/فبراير 1950، فكان صوتها قوي ومثير ولفت انتباه رئيس قسم الإذاعة حليم الرومي وعرض عليها أن تعمل في الإذاعة كمرددة في الكورال، فأطلق عليها في ذلك الوقت لقب اسم "فيروز".
ثورة في عالم الغناء
بدأت السيدة فيروز مشوراها الغنائي بتلحين حليم الرومي لأول أغنية لها وهي "تركت قلبي وطاوعت حبك" في نيسان/أبريل عام 1950، وفي عام 1952 بدأت بتسجيل أغانيها على اسطوانات، لكن نقطة انطلاقتها الفنية بدأت عندما التقت مع الموسيقي عاصي الرحباني الذي تزوجت منه في عام 1955، وأنجبت أربعة أطفال هم "زياد، هالي، ليال، ريما"، فأطلقت في ذلك الوقت أعمالها الغنائية بمساعدة الأخوين منصور وعاصي الرحباني، فكان تعاونهم مع فيروز يعتبر مرحلة جديدة وتطور جديد في الموسيقى العربية، فقد تم المزج بين الألوان الشرقية والغربية واللبنانية سواء في الموسيقى أو الغناء، فأحدث صوتها وبساطة التعبير عن عمق المعاني وتنوع المواضيع ونمط الأغاني القصيرة التي قدمتها مع الأخوين رحباني ثورة في الموسيقى العربية عبر الإذاعة اللبنانية في بيروت وإذاعة الشرق الأدنى، والإذاعة السورية في دمشق.
فيروز التي غنت للأطفال وللحب كما غنت للأم والوطن والطبيعة والحياة البسيطة، قدمت خلال مسيرتها الغنائية أكثر من 800 أغنية، فنبرة صوتها القوية وطموحها الفني تخطو حدود اللغة العربية، فبرعت في الأغاني الفرنسية والإنكليزية وبعض التراتيل الدينية باللغة اليونانية، فانطلقت بجولاتها إلى البلدان العالمية وسافرت في عام 1961 إلى البرازيل والأرجنتين وأميركا وبريطانيا وفرنسا.
توفي زوجها عاصي الرحباني في عام 1986، فانفصلت عن العائلة وبدأت تجارب جديدة مع مجموعة من الملحنين والمؤلفين مثل فلمون وهبة وزكي ناصيف، لكن عملت بشكل رئيسي مع ابنها زياد الرحباني الذي قدم لها مجموعة كبيرة من الأغاني وتمكن من خلق نمط موسيقي خاص به ينبع من الموسيقى اللبنانية والعربية والشرقية والموسيقى العالمية.
فغنت للعديد من الشعراء منهم ميخائيل نعمة وسعيد عقل، كما أنها غنت أمام العديد من الملوك والرؤساء وفي أغلب المهرجانات الكبرى وبرعت فيروز أيضاً في أداء القصائد ومنها "خذني بعينيك، والآن وليس غداً، وتناثري، وسكن الليل، وأعطني الناي وغني، وأناجيك سراً".
وأطلق عليها العديد من الألقاب "سفيرتنا إلى النجوم، جارة القمر، أسطورة العرب، شجرة الأرز اللبنانية، ياسمينة الشام، ملكة الغناء العربي، عصفورة الشرق، جارة القدس، إمبراطورة الأغنية العربية، قيثارة السماء، سفيرة الأحلام، ملكة المسرح، سيدة الصباح، صوت لبنان، صوت الأوطان، المعجزة، أميرة التواضع، شاعرة الصوت، صوت الحب، النغم الحالم، الصوت الذي لا يموت، صديقة الطفولة، الصوت الملائكي".
اهتمت المطربة فيروز بالقضايا الوطنية في العديد من الدول العربية مثل قضية الحرب الطائفية في لبنان وبقيت متمسكة بالوجود في لبنان طول فترة الحرب، لكنها رفضت الغناء حتى تنتهي الحرب، فأحيت بعد انتهاءها حفل في ساحة الشهداء وسط بيروت في عام 1955، وأحيت "الليالي اللبنانية" في مهرجانات بعلبك الدولية في صيف عام 1988.
فكانت أغاني فيروز في طوال مسيرتها أغلبها للأوطان والشعوب والحرية، فوظفت قدراتها الغنائية لدعم القضية الفلسطينية عقب نكسة حزيران/يونيو 1967، فغنت "أوبريت عائدون" ومجموعة من الأغاني لفلسطين منها "زهرة المدائن، القدس العتيقة، أنا لا أنساك فلسطين، سلامي لكم يا أهل الأرض المحتلة".
وتعرضت فيروز للكثير من المضايقات في حياتها كانت أولها عندما حاولت عائلة زوجها منعها من الغناء بقرار قضائي عام 2010 لكن جميع أهالي لبنان تضامنوا معها، كما تعرضت للنقد من جماعات معادية لنظام البعث السوري عندما غنت في دمشق عام 2008.
فيروز في السينما والمسرح
قدمت جارة القمر الكثير من الأعمال المسرحية والتي بلغ عددها عشرون عملاً مسرحياً غنائياً ما بين عامي (1957 ـ 1977)، والتي قدمتها في العديد من المهرجانات كمهرجان معرض دمشق الدولي، ومهرجان صيدا، ونشاطات مسرح البيكاديلي في بيروت، وكذلك على المدرج الروماني في عمان بالأردن، وأصبحت بطلة أول مهرجان شعبي لبناني للغناء والرقص أقيم في بعلبك عام 1957.
لقبها الجمهور بـ "ملكة المسرح" ومن أهم مسرحياتها "جسر القمر" التي قدمتها على مسرح معرض دمشق الدولي ومعبد جوبيتير في بعلبك في عام 1962، ومسرحية "الليل والقنديل" قدمتها على مسرح كازينو لبنان في عام 1963، وفي دمشق أيضاً، ومسرحية "بياع الخواتم" في دمشق ومهرجان الأرز، ومسرحية "هالة والملك" قدمتها أول مرة في عام 1967، وغيرها الكثير من المسرحيات كمسرحية "المحطة، حكاية الإسوارة، وأيام فخر الدين، بترا، ميس الريم".
بالإضافة إلى إبداعها في الغناء وصوتها الملائكي، وإبدعها في التمثيل المسرحي، فقد شاركت فيروز في الأفلام السينمائية لتبرز نجوميتها في السينما، وأفلامها هي "سفر برلك، بياع الخواتم، بنت الحارس"، وبدأت بتقديم أعمال مسرحية موسمية على المسرح في العاصمة بيروت.
وأصدرت العديد من الأفلام الوثائقية عن حياة السيدة فيروز ومن بينها "وثائقي حياة فيروز من إنتاج القناة الثامنة الفرنسية"، "وثائقي جارة القمر فيروز من إنتاج قناة الجزيرة"، "وثائقي السيدة فيروز من إنتاج قناة الجديد".
الجوائز والأوسمة
حصلت فيروز على العديد من الأوسمة ففي عام 1957 نالت وسام الاستحقاق اللبناني، وفي عام 1962 حصلت على وسام الأرز من الرئيس فؤاد شهاب، وميدالية الكرامة في عام 1963 من الملك حسين، ووسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى في عام 1963، وميدالية الشرف الذهبية عام 1975.
وفي سوريا أصدرت في عام 1961 طوابع تذكارية عليها صورتها، ونالت وسام الاستحقاق من الرئيس السوري نور الدين الأتاسي في عام 1967، كما حصلت على مفتاح مدينة القدس عام 1968، وجائرة القدس عام 1997.
وتسلمت فيروز عام 1988 وسام قائد الفنون والآداب من الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، ووسام فارس جوقة الشرف من الرئيس جاك شيراك عام 1998، ومفتاح مدينة لاس فيغاس الأميركية عام 1999، ومنحتها الجامعة الأميركية في بيروت الدكتوراه الفخرية عام 2005 لتصبح أول مطربة تحصل على هذا اللقب.
وأختارها الصليب الأحمر الدولي سفيرة لتُمثل العرب في العيد الخمسين لاتفاقية جنيف حيث غنت "الأرض لكم"، ومنحتها الجامعة العربية عام 2012 لقب "سفيرة الفنانين العرب".
وتحول بيت الطفولة الذي ترعرعت فيه فيروز في قلب العاصمة بيروت إلى متحف.